
مع إعلان لجنة التحقيق حول الأحداث التي شهدها الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، نتائج تقريرها، الذي سلمته قبل أيام إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، تُطرح تساؤلات عما إذا كان هذا التقرير قد حقق المبتغى منه في الإرساء لآلية قانونية تنصف الضحايا، وتؤسس لعدالة انتقالية تشمل جميع ضحايا النزاع السوري الذي بدأ قبل 14 عاماً، بمن فيهم ضحايا أحداث السويداء الأخيرة، أم سيكون مجرد تخدير للمطالب بملاحقة الجناة، ولا يمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وقال المتحدث باسم اللجنة ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، إن اللجنة توصلت إلى أسماء أشخاص متهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل السوري منهم 265 شخصاً منضمون إلى مجموعات مسلحين متمردين خارجين عن القانون مرتبطين بـ"فلول نظام الأسد"، إضافة إلى 298 شخصاً هم عبارة عن أفراد ومجموعات يرتبط بعضهم بالفصائل العسكرية الداعمة للحكومة، ممن خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.
وأضاف أن اللجنة تحققت من أسماء 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، مع ترجيح بأن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية. وأوضح ان اللجنة بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها بغية عدم المس بسير العدالة، لم تعلن أسماء المشتبه بهم وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وستحال الأسماء مع نتائج التقرير إلى القضاء. كما أنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.
إدوار حشوة: تقرير اللجنة غير كافٍ ولا يضمن عدالة حقيقية ضد كل الجرائم ومصادرها
وتطرقت أغلب الانتقادات لتقرير اللجنة إلى عدم الكشف عن أسماء المتهمين بارتكاب الانتهاكات في الساحل السوري حيث أحيلت الأسماء إلى القضاء، وفق اللجنة. وفي تبريره لهذه النقطة، قال فرحان، في تصريحات صحافية، إن قرار عدم الكشف عن الأسماء جاء بعد مشاورات طويلة للجنة، حيث توصل الأعضاء إلى نتيجة مفادها أن الكشف يخرق حقوق المتهمين "كما أن كل التجارب والنصائح تؤكد أنه لا يُعلن أسماء المشتبه بهم، كما أن ذلك يشكل إساءة لهم بحال كان المشتبه به بريئاً أو قد يتوارى عن الأنظار أو يتسبب له ذلك بأعمال انتقامية بحقه أو حق أسرته".
التقرير لا يضمن عدالة حقيقية
ورأى المحامي إدوار حشوة أن تقرير اللجنة ليس تبريراً لانتهاكات قادمة، لكنه غير كافٍ ولا يضمن عدالة حقيقية ضد كل الجرائم ومصادرها. وأضاف حشوة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الآلية قد تضع النظام في سورية "في مربع فقدان الثقة به على الأقل عربياً ودولياً". وانتقد عدم تحديد اللجنة أسماء من هاجم قوات الأمن في الساحل السوري وتحديد الفصائل التي ينتمي إليها الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات بحق المدنيين.
ورأى حشوة أن الآلية التي تسير وفقها أعمال اللجنة تحتاج لوقت طويل، لأن القوانين السورية لا تغطي أمثال هذه الجرائم، والأمر يحتاج إلى تعديل القوانين وتشكيل محاكم خاصة. لكنه لفت إلى أن قانون العقوبات السوري يغطي هذه الجرائم ويصل بعضها إلى الإعدام. وانتقد عدم تشكيل محاكم خاصة بجرائم النظام السابق، وهذا كان أحد أسباب حدوث أعمال ثأر خارج المحاكم، وترك الخيار لأهل الدم أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم. وعبّر عن خشيته من أن نتائج عمل اللجنة صممت على نحو يشوبه بعض الغموض لجهة عدم ذكر الجهات والأسماء، قد تخفي رغبة في تأجيل محاكمة المجرمين ووضع نتائج التحقيق على الرف.
من جانبه، عبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني عن تقديره لعمل اللجنة "كأول تجربة وطنية في سورية في هذا المضمار، رغم أنه كان لدينا ملاحظات على كيفية تشكيلها منذ الإعلان عن ذلك في حينه". وأوضح عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لم يحصل على نسخة من التقرير، "لكن مما ورد على لسان المتحدث باسم اللجنة في المؤتمر الصحافي، أعتقد أنهم قاموا بعمل جيد ضمن معايير معقولة. لكن بالنسبة للنتائج، ربما لم يضيفوا أي شيء جديد عما كان معروفاً سابقاً، وعما ورد في تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أو حتى تقرير وكالة رويترز بهذا الشأن"، مشيراً إلى أن الإحصائيات الواردة في تقرير اللجنة، كانت مطابقة تقريبا لإحصائيات الشبكة السورية، وهو ما يشير إلى وجود مبالغات كثيرة في أعداد الضحايا وفق بعض المصادر المسيسة، على نحو ما يحصل الآن في أحداث السويداء أيضاً، حيث تقوم جهات إعلامية بإعلانات مبالغ فيها حول عدد الضحايا بهدف التحريض.
توصيات لجنة التحقيق بأحداث الساحل السوري جيدة
ورأى عبد الغني أن توصيات لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري في الإجمال جيدة ومنصفة للضحايا جميعاً، برغم التحديات العديدة التي واجهت عمل اللجنة، خصوصاً التحديات الأمنية. وأضاف: لدي بعض الملاحظات بأن اللجنة حصرت عملها بين يومي 7 و8 مارس الماضي، رغم أن الانتهاكات بدأت في اليوم السابق 6 مارس، وامتدت إلى يوم 10 مارس بشكل أساسي، علماً أن الانتهاكات لم تتوقف حتى نهاية مارس، وإن كان بوتيرة أخف. ورأى عبد الغني أن الكرة الآن في ملعب السلطات السورية، و"على النائب العام اعتقال جميع من وردت أسماؤهم في تقرير اللجنة، سواء من الفلول أم الفصائل الموالية للحكومة أو الأمن والجيش والمدنيين". ولفت إلى أن البعض هاجم في وقت سابق الشبكة السورية لحقوق الإنسان حين قالت إن بعض المتورطين بالانتهاكات هم من الأمن والجيش، وجاء تقرير اللجنة ليؤكد ذلك و"نحن نعتقد أن الكشف عن الحقائق كما هي، هو خدمة للدولة السورية".
فضل عبد الغني: على النائب العام اعتقال جميع من وردت أسماؤهم في تقرير اللجنة
ورأى أن الخطوة الأولى تبدأ باعتقال الأسماء المشتبه بتورطها الواردة بتقرير اللجنة والتحقيق معهم، إضافة إلى العمل على استقلال السلطة القضائية في سورية، بما في ذلك إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى ليكون مستقلاً تماماً عن السلطة التنفيذية، بحيث يكون مكونا من قضاة وخبراء ومجتمع مدني وفق المعايير العالمية لتشكيل مثل هذه المجالس. وأضاف أن التصحيح يجب أن يشمل أيضاً "المحكمة الدستورية العليا" بحيث لا يتم تعيينهم من السلطة التنفيذية، إضافة إلى تعويض الضحايا من كل الأطراف في أقرب وقت ممكن، وهو ما سوف يرسل رسالة إيجابية بشأن أحداث السويداء، معرباً عن اعتقاده بالحاجة إلى لجنة تحقيق أيضاً في أحداث السويداء يشارك فيها المجتمع المدني، وتستفيد من خبرة لجنة التحقيق في الساحل السوري وهو شيء أساسي لعملية المصالحة الوطنية وترميم آثار ما حدث في المجتمع السوري.
جدية القيادة في تكريس العدالة
من جهته، اعتبر المحامي عبد الناصر حوشان أن تشكيل لجنة تحقيق من قبل القيادة السورية لتقصي حقائق في أحداث تُتهم بها أطراف تابعة لها "دليل على جدية القيادة في تكريس العدالة عبر كشف الحقائق والمحاسبة". ورأى حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا يمكن النظر إلى نتائج لجنة التحقيق على أنه "تبرير أي انتهاك لاحق وإلا ما كانت شكّلت هذه اللجنة للكشف عن حقائق في أحداث وقعت بالفعل، سيما أن هناك إجراءات لاحقة ستقوم بها الحكومة بعد دراسة التقرير وتحديد آليات المحاسبة". واعتبر حوشان أن التقرير كافٍ لأنه "اعتمد على شهادات أهل الضحايا وأدلة أخرى تقدمت بها كل الأطراف المعنية بهذه الأحداث"، معتبراً أن المجتمع الدولي كان شريكاً في هذه اللجنة عبر خبراء من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية ومراقبة من منظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من المنظمات الدولية.

أخبار ذات صلة.
