التسوية المعلقة في أوكرانيا... تردد ترامب وتصميم بوتين على الحرب
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

في مؤشر إلى ربط الأقوال بالأفعال، تجاهلت روسيا إنذار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإبرام اتفاق سلام مع أوكرانيا، وشنت، فجر أمس الأربعاء، هجوماً واسعاً بـ400 مسيّرة وصاروخ باليستي واحد، على جنوب وشرق أوكرانيا. في حين واصل ترامب إطلاق تصريحات متناقضة، خفف فيها من تبعات "انقلاب" غير مكتمل في مقارباته لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا سيما أنه لطالما وعد بإنهاء الحرب سريعاً، فيما رعت بلاده محادثات سلام بين كييف وموسكو في إسطنبول التركية، خلال الأشهر الماضية، لم تفض إلى نتائج.

وجه ترامب الاثنين الماضي، إنذاراً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل إبرام اتفاقية سلام مع أوكرانيا في غضون 50 يوماً، ملوحاً بفرض رسوم جمركية بواقع 100% على روسيا وشركائها التجاريين ما لم تتوصل إلى اتفاق سلام. وأعلن ترامب في مؤتمر صحافي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته أن الجانبين توصلا إلى اتفاق لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، قائلًا: "إنها صفقة كبيرة جداً. نتحدث عن معدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات، سيتم شراؤها من الولايات المتحدة وتسليمها إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وسيتم إيصالها إلى ساحة المعركة بسرعة". وأشار ترامب إلى أن بطاريات صواريخ "باتريوت" جديدة ستُرسل إلى أوكرانيا خلال الأيام القليلة المقبلة، معرباً عن شعوره بخيبة أمل من محادثاته مع بوتين، مشدداً على ضرورة "الانتقال إلى الأفعال. يجب تحقيق نتائج".

وبعد يوم واحد أشار ترامب، مساء أول من أمس الثلاثاء، للصحافيين في قاعدة أندروز الجوية في ماريلاند، كاليفورنيا، أن "بوتين يقول مراراً إنه يريد السلام، وأعتقد أنه يريده بالفعل. آمل ذلك. سنعرف ذلك قريباً"، معتبراً أن ذلك "حتى الآن كله كلام ولا أفعال" ووسط تقديرات بأنه منح الجيش الروسي مهلة إضافية لحسم الأوضاع قبل حلول الخريف المقبل، أشار ترامب ترامب على أن المهلة المحددة لإبرام السلام قد "تنتهي قريباً". وذكر أن الأسلحة يتم شحنها بالفعل إلى أوكرانيا، قائلاً "بدأ شحن الصواريخ من ألمانيا، وستحصل الولايات المتحدة على ثمنها كاملاً"، موضحاً أن هذه الشحنة تتم بموجب اتفاقية مدعومة من حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وأن الدفعات ستسدد إما من خلال الحلف وإما من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

نفى ترامب في الوقت نفسه وجود مخططات لتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، محذراً كييف من توجيه ضربات إلى موسكو، في رد على تقارير إعلامية أوردت أن ترامب ناقش مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مطلع الشهر الحالي، توجيه ضربات إلى موسكو. وكان موقع "أكسيوس" الأميركي أورد في وقت سابق، نقلاً عن مصادر، أن خطة توريد الأسلحة الجديدة إلى كييف قد تتضمن صواريخ بعيدة المدى قادرة على إصابة أهداف داخل العمق الروسي، بما في ذلك موسكو. وقال ترامب رداً على سؤال عما إذا كان ينبغي لزيلينسكي ضرب موسكو أو مناطق أكثر عمقاً في الداخل الروسي بوصفه جزءاً من حملة لقلب الطاولة على الكرملين، قال ترامب للصحافيين: "لا، لا ينبغي أن يستهدف موسكو".

ولدى سؤاله عما إذا كان على استعداد لتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى وكذلك المزيد من الأسلحة الدفاعية، أضاف: "لا ، نحن لا نتطلع إلى القيام بذلك". في المقابل نقلت وكالات أنباء روسية، أمس، عن الكرملين (الرئاسة الروسية)، أن توريد الغرب أسلحة إلى أوكرانيا يأتي على رأس جدول الأعمال بالنسبة لموسكو، مضيفاً أنه يراقب هذه المسألة بدقة. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا عمل تجاري. وكان بيسكوف، اعتبر أن حديث ترامب يوم الاثنين الماضي، "موجه بالدرجة الأولى إلى الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً"، مشدداً للصحافيين على أن إنذار ترامب "خطير للغاية"، وأن "أوكرانيا ترى في قرارات الولايات المتحدة إشارةً إلى مواصلة الحرب وليس الدفع نحو السلام".

رغم لهجة الرئيس الأميركي الحادة لكن من الواضح أنه لم يحسم أمره تماماً نحو توجيه الضغوط على الجانب الروسي

وجاء الرد الروسي الأقوى من بكين، إذ بعد لقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أول من أمس، إن بلاده لن تتراجع عن مواقفها تحت الضغط، مضيفاً: "نعمل وفقاً للخطة التي أقرها الرئيس (بوتين)، وهذه الخطة تتضمن ضماناً للمصالح المشروعة للاتحاد الروسي". وبدا حرص لافروف على عدم توجيه انتقادات مباشرة إلى ترامب، إذ قال إن بلاده "تريد فهم دوافع تصريح الرئيس الأميركي بشأن مهلة 50 يوماً لتسوية الأزمة الأوكرانية". وحمل لافروف الاتحاد الأوروبي و"ناتو" المسؤولية عن التصعيد، مشيراً إلى أن "من الواضح أن ترامب يتعرض لضغوط هائلة، وإن كانت غير لائقة"، من الطرفين "اللذين يدعمان بلا مبالاة مطالب زيلينسكي بمواصلة إمداده بالأسلحة الحديثة، بما فيها الهجومية، على حساب إلحاق ضرر متصاعد بدافعي الضرائب في الدول الغربية". كما حمل لافروف أوكرانيا مسؤولية تأجيل عقد جولة ثالثة من مفاوضات إسطنبول للتوصل إلى تسوية (بعد جولتين في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين لم تفضيا إلا إلى صفقات تبادل أسرى وقتلى الحرب)، مشدداً على أن هذه المفاوضات لم تستنفد بعد. ورأى لافروف أن الضغوط الغربية تتزامن مع امتناع كييف عن إبداء جدية في عملية المفاوضات تحت تأثير الحلفاء الغربيين.

انقلاب ناقص

رغم لهجة ترامب الحادة، من الواضح أنه لم يحسم أمره تماماً نحو توجيه الضغوط على الجانب الروسي. واللافت تجاهل ترامب مشروع قانون (قبل عدة أشهر بدفع من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام) يحظى بإجماع أكثر من 80 سيناتوراً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لفرض رسوم جمركية على مشتري النفط واليورانيوم من روسيا بواقع 500%، في خطوة يمكن أن تجفف مصادر تمويل الحرب على أوكرانيا وقد تجبر الكرملين على إبداء مرونة أكبر في المفاوضات بحسب تصورات واضعي القانون. وبحسب ما نقله موقع أكسيوس، في 13 يوليو/ تموز الحالي، فإن قرار ترامب بإعلان توريد أسلحة جديدة لأوكرانيا جاء بعد مكالمة هاتفية مع بوتين في 3 يوليو الحالي. وبحسب مصادر الموقع فإن بوتين أبدى خلال المكالمة نيّته تنفيذ هجوم جديد خلال الـ60 التالية للسيطرة الكاملة على المناطق التي تحتلها روسيا جزئياً.

حال صحة معلومات الموقع الأميركي، فإن ترامب وافق ضمنياً على مهلة إضافية لبوتين لإتمام هجومه والوصول إلى أهدافه التي لا يستطيع التراجع عنها. ومعلوم أن روسيا تصر على انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق دونيتسك ولوهانسك وزابورزجيا وخيرسون، وهي مناطق تسيطر القوات الروسية على قرابة 75% منها حالياً. وبعد إعلان ضمها في خريف 2022، لا يمكن للكرملين وقف الحرب من دون السيطرة عليها كاملة. وفي مؤشر إلى عدم نجاعة "إنذار ترامب" ارتفعت مؤشرات البورصة الروسية قرابة 3% بعد تصريحات ترامب يوم الاثنين.

واستقبلت قنوات "زي" الموالية للكرملين تصريحات ترامب بسخرية، فيما كتب المدوّن يوري بودولياكا: "يمكنه تغيير رأيه عدة مرات خلال هذه الأيام الـ50. وليس من قبيل المصادفة أن بورصة موسكو ارتفعت بحدّة في غضون دقائق بعد هذا التصريح". كذلك علقت قناة "ريبار" (Rybar) المقربة من وزارة الدفاع الروسية، على تصريحات ترامب بالقول "تمخض الجبل فولد فأراً"، بينما تباينت آراء المحللين الأميركيين، إذ رأى بعضهم أن التصريحات "منعطف حاسم"، و"خطوة كبيرة إلى الأمام لأوكرانيا"، و"نهج جديد يتبعه الرئيس ترامب تجاه الصراع". واعتبر روبرت ماغينيس، المعلق في قناة "فوكس نيوز" الأميركية، أول من أمس، أن هذا القرار يمثل "تحولاً استراتيجياً من التردد إلى الحسم في موقف الولايات المتحدة من الحرب الروسية على أوكرانيا".

ويكمن هذا التحول، في رأيه، ليس فقط في استعداد ترامب لتزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية وهجومية عبر حلفاء "ناتو"، بل أيضاً في إنشاء منظومة فعالة لتوريد الأسلحة منسّقة من قبل الحلف، تقوم على الزيادة المستقرة في الطلبات من الصناعات الدفاعية الأميركية. ووصف ماغينيس هذا التوجه بأنه "سياسة ذكية تقوم على احترام دافعي الضرائب الأميركيين، وتوظيف أموال حلفائنا، وهي سياسة توجّه رسالة واضحة إلى موسكو: العالم الحر لم يعد مستعداً للانتظار". من جهتها رأت جين شاهين، العضو الديمقراطية في مجلس الشيوخ وعضو لجنة الشؤون الخارجية، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أدرك، بناءً على تصريحاته الأخيرة على الأقل، أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يتلاعب به"، مستدركة في تصريح لوكالة بلومبيرغ، أول من أمس، أنه "من غير الواضح ما إذا كان هذا الإدراك سيستمر طويلاً". وشددت على أن "الخصوم الآخرين يراقبون الوضع من كثب، بما في ذلك الصين".

التعامل مع حرب أوكرانيا

ومن المؤكد أن الحكم على تصريحات ترامب سابق لأوانه، ويعتمد على حجم ونوعية الأسلحة التي ستصل إلى أوكرانيا في ظل نقص حاد في منظومات الدفاع الجوي والصواريخ الاعتراضية والقذائف الصاروخية والمدفعية والمركبات على مختلف الجبهات. وفي هذا الإطار فإن الأمر الإيجابي بالنسبة لأوكرانيا يكمن في أنها ستحصل على مزيد من الأسلحة الأميركية عبر الوسطاء والممولين الأوروبيين، مع ضمان مواصلة التعاون الاستخباري الأميركي الأوكراني. عامل برزت أهميته على سير المعارك في مطلع الربيع الماضي حين أوقفه ترامب في مارس/ آذار الماضي. وفي المقابل، تبرز أسئلة حول قدرة أوروبا على توفير احتياجات أوكرانيا من الأسلحة سواء الأميركية عبر توفير الدعم المادي وإرسال شحنات "إسعافية" قبل الحصول على أسلحة أميركية تحل محلها، أو زيادة إنتاج الأسلحة في أوروبا ذاتها لضمان أمن القارة، ومنع انهيار أوكرانيا وتقوية موقفها التفاوضي.  وفي ظل عدم اليقين في ما إذا كان ترامب يسعى بتصريحاته الأخيرة إلى المحافظة على "شعرة معاوية" مع بوتين والأوروبيين والصين، مع إبعاد بلاده عن تمويل حرب يرى أنها غير وجودية لشعاره "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، أو تشكل بداية لنهج جديد في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، يبدو أن حرارة الهجوم الروسي الصيفي (الحالي) تتناسب طرداً ليس مع درجات الحرارة المرتفعة فحسب، بل مع تردد ترامب وتقلبات مواقفه.

هجوم روسي واسع على ثلاث مدن أوكرانية باستخدام 400 مسيّرة وصاروخ باليستي واحد يختبر حدود الإنذار الأميركي

وأمس، أعلنت وزارة الدفاع في موسكو، أن القوات الروسية سيطرت على قرية نوفوخاتسكي في منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا. وكانت أعلنت في بيان سابق أمس، أن منظومات الدفاع الجوي اعترضت ودمرت 8 طائرات مسيّرة أوكرانية خلال ليل الثلاثاء- الأربعاء، 3 منها فوق أراضي جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014. في المقابل ذكرت القوات الجوية الأوكرانية، أمس، أن روسيا شنت هجمات واسعة فجر أمس، استخدمت فيها 400 مسيّرة، وصاروخاً باليستياً واحداً واستهدفت بشكل أساسي خاركيف وكريفي ريه وفينيتسيا، وهي ثلاث مدن تقع في أجزاء مختلفة من أوكرانيا. وقالت إنها أسقطت معظم المسيّرات، لكن 12 هدفاً من دون تحديدها، أصيبت بالصاروخ و57 مسيّرة.

وأبلغت خدمات الطوارئ الوطنية عن مقتل اثنين في هجمات بمسيرات شرقي مدينة خاركيف، شمال شرق البلاد بالقرب من بلدة كوبيانسك، وهي منطقة تتعرض للهجمات الروسية منذ عدة أشهر. وقال أوليكساندر فيلكول، رئيس الإدارة العسكرية لبلدة ريفي ريه جنوب شرق البلاد، إن القوات الروسية أطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة في هجوم مكثف أدى إلى انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه عن بعض المناطق. واستهدفت الضربات خصوصاً خاركيف (شمال شرق)، ثاني كبرى المدن الأوكرانية، وكريفي ريغ (الوسط)، مسقط رأس الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وفينيتسا (وسط) وأصابت عدّة منشآت صناعية ومبان سكنية، بحسب السلطات. وأشار زيلينسكي، على منصة "إكس، أمس، إلى إصابة 15 شخصاً في الضربات وانقطاع التيّار الكهربائي.

 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية