
أصبح المرضى في مرمى رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث من المرجح أن يفرض تعرفات جمركية على الأدوية في مطلع أغسطس/ آب، بالتزامن مع الرسوم على أشباه الموصلات و"الرسوم المتبادلة" المقرر تنفيذها في مطلع الشهر المقبل.
وقال الرئيس الأميركي للصحافيين مساء الثلاثاء، إن الضرائب على واردات الأدوية قد يتم الإعلان عنها "ربما في نهاية الشهر، وسنبدأ بتعرفة منخفضة ونمنح شركات الأدوية عامًا أو نحو ذلك لبناء المصانع (في الولايات المتحدة)، وبعد ذلك سنجعلها تعرفة عالية جدًا".
وأضاف أن لديه جدولاً زمنياً مماثلاً لفرض الرسوم على أشباه الموصلات، لأنه يعتقد أنه "أقل تعقيدًا" من تنفيذ الرسوم الجمركية على الرقائق المطلوبة لجميع الأجهزة الإلكترونية. في وقت سابق من هذا الشهر، صرّح ترامب في اجتماعٍ لحكومته بأنه يتوقع رفع الرسوم الجمركية على الأدوية بنسبة تصل إلى 200%، بعد أن يمنح شركات الأدوية مهلةً تتراوح بين عامٍ وعامٍ ونصف لنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. كما هدّد بفرض رسومٍ جمركيةٍ بنسبة 50% على النحاس المستورد، في محاولةٍ لزيادة إنتاج الولايات المتحدة من هذا المعدن.
وأعلنت إدارة ترامب في إبريل/نيسان إجراء تحقيقات في واردات الأدوية وأشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة بموجب المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962، كجزء من محاولة لفرض رسوم جمركية على كلا القطاعين. وجادل ترامب بأن تدفق الواردات الأجنبية يهدد الأمن القومي.
وفي حين أن الرسوم المرتفعة ستكون مؤجلة إلا أن الخبراء يؤكدون أنها ستحدث أزمات في القطاع حول العالم، وستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وهبوط الأرباح في ظل تصاعد تكلفة التشغيل مع نقل شركات مصانعها إلى الولايات المتحدة وفق ما يطالب به ترامب.
خطورة رسوم الأدوية
وكتب بنك باركليز في مذكرة الأربعاء: ”إن فرض رسوم جمركية بنسبة 200% من شأنه أن يؤدي إلى تضخّم تكاليف الإنتاج، وضغط على هوامش الربح، ومخاطر انقطاع سلسلة التوريد، مما يؤدي إلى نقص الأدوية وارتفاع الأسعار على المستهلكين الأميركيين”. ووفق تحقيقات "بلومبيرغ" والغارديان، قد تؤثر أي رسوم جمركية بشكل مباشر على شركات الأدوية الأميركية، مثل إيلي ليلي وشركاه، وميرك وشركاه، وفايزر، التي تنتج أدوية في الخارج، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين الأميركيين.
وينطبق الأمر نفسه على خطط ترامب لفرض رسوم جمركية على أشباه الموصلات، والتي من المتوقع أن تؤثر ليس فقط على الرقائق نفسها، بل أيضًا على منتجات رائجة مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية من آبل وسامسونغ إلكترونيكس.
وقال أفسانة بيشلوس، مؤسس ورئيس تنفيذي لشركة الاستثمار روك كريك غروب، الثلاثاء، إن الضربة التي تلقاها المرضى قد تكون "كارثية"، في إشارة إلى الضريبة المتوقع فرضها قريباً على الأدوية. وشرح بيشلوس لبرنامج "كلوزينغ بل" على قناة "سي أن بي سي": "سيكون ذلك كارثيًا بالنسبة لكل شخص لأننا نحتاج إلى هذه الأدوية، وتستغرق هذه الشركات وقتاً طويلاً لإنتاجها هنا في الولايات المتحدة".
وتشير التقديرات إلى أن فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% فقط على واردات الأدوية من شأنه أن يدفع أسعار الأدوية في الولايات المتحدة إلى الارتفاع بنحو 51 مليار دولار سنويا، مما يزيد الأسعار المحلية بنحو 12.9% إذا تم تمريره، وفقا لبحث من مجموعة التجارة الصناعية ”أبحاث الأدوية ومصنعي أميركا”، والتي انتقدت الأربعاء مقترحات الرئيس باعتبارها "مضادة للإنتاجية" ولها انعكاسات صحية.
واعتبر بنك يو بي إس أن فترة السماح للرسوم الجمركية التي حددتها الإدارة لمدة تتراوح بين 12 و18 شهرًا "وقت غير كافٍ” للشركات لنقل مصانعها إلى داخل الولايات المتحدة". وكتب المحللون: "نحن عادة نفكر في أن الفترة من 4 إلى 5 سنوات هي المدة الزمنية اللازمة لنقل التصنيع على نطاق تجاري إلى موقع جديد".
نقل المصانع
ينتظر القطاع الآن مزيدًا من التفاصيل بنهاية هذا الشهر، موعد صدور التقرير النهائي للتحقيق في المادة 232. ولكن في هذه الأثناء، لا خيار أمام الشركات سوى التخطيط لمختلف النتائج المحتملة، بحسب "سي أن بي سي". وفي مذكرة نشرت "وول ستريت جورنال" مقتطفات منها، يُجادل أكاش تيواري، محلل جيفريز غروب المالية، بأنه إذا بدأت فترة السماح في وقت ما من هذا العام واستمرت لمدة عام ونصف، فقد تتمكن الشركات من مواصلة استيراد الأدوية معفاة من الرسوم الجمركية حتى عام 2017. ويمكنها أيضًا كسب المزيد من الوقت إذا خزّنت خلال تلك الفترة لتغطية الطلب حتى عام 2028 على الأقل.
قد يمنحها ذلك وقتًا لبناء منشآت تصنيع أميركية جديدة بالكامل، وهو ما يستغرق عادةً حوالي أربع سنوات. كانت شركة الأدوية السويسرية العملاقة روش قد صرّحت سابقًا بأن قرار ترامب بتسعير الأدوية قد يُعرّض استثماراتها الأميركية للخطر. ومع ذلك، أشارت يوم الأربعاء إلى أن تمويلها المقترح لاستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة سيسمح لها بمواصلة تعزيز حضورها التصنيعي في البلاد.
وتعهدت روش في وقت سابق إنها ستستثمر 50 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، بينما ستنقل أيضًا الإنتاج الحالي إلى الولايات المتحدة. كذا، قالت شركة باير إنها تراقب "إعلانات التعرفات الجمركية المختلفة"، وإنها تركز على تأمين سلاسل التوريد الخاصة بها و"تقليل أي تأثير محتمل".
وبدأت بعض الشركات، مثل شركة ميرك، برؤية التأثيرات، حيث توقعت الشركة خسائر بقيمة 200 مليون دولار نتيجة للرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض البلدان، وخاصة الصين، ومن الرسوم الجمركية اللاحقة من بلدان أخرى، من دون الحديث عن الرسوم المباشرة التي هدد بها ترامب على الأدوية. وتعرف ميرك بدواء السرطان الرائج كيترودا، وهو الدواء الأكثر مبيعًا في العالم والذي يُصرف بوصفة طبية.
وأكدت ميرك أن لديها مخزونًا أميركيًا كافيًا لهذا العام، بينما تعمل على توسيع نطاق التصنيع المحلي للسنوات القادمة. جونسون آند جونسون قالت في وقت سابق من هذا الشهر، إنه كانت هناك خسائر بقيمة 400 مليون دولار بسبب التكاليف المرتبطة بالتعرفات الجمركية في توقعاتها للعام بأكمله، والتي تتعلق في الغالب بأعمال الأجهزة. وأكد المصنعون أن الرسوم الجمركية على مستوى القطاع قد تُسبب اضطرابات في سلسلة التوريد، وقد تُلحق الضرر بالمرضى في نهاية المطاف.
وأكدوا أنهم واصلوا التواصل مع البيت الأبيض لتسليط الضوء على هذا التأثير. وقال ديفيد إلكينز، المدير المالي لشركة بريستول مايرز لوكالة "رويترز" في إبريل/ نيسان الماضي: "إن مصدر قلقنا هو أي شيء من شأنه أن يؤثر على الابتكار، أو من شأنه أن يقيد وصول المرضى إلى الأدوية".
