تغييرات في قمة الهيئات القضائية في مصر
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارات جمهورية بتعيين أربعة من كبار القضاة لتولي رئاسة الجهات والهيئات القضائية الرئيسية في البلاد، وذلك اعتباراً من مطلع يوليو/ تموز المقبل، في خطوة تُجدد من خلالها الدولة قيادات مؤسسات العدالة وفقاً لتعديلات قانون تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية في مصر عام 2017، الذي أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط القضائية والقانونية، لما حمله من تغييرات جوهرية اعتبرها كثيرون مساساً بمبدأ استقلال القضاء، وإخلالاً بالتقاليد القضائية الراسخة.

وجاء في القرارات تعيين المستشار عاصم عبد اللطيف الغايش رئيساً لمحكمة النقض، ليشغل بذلك أيضاً منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو المنصب القضائي الأعلى في البلاد، ويخلف المستشار محمد عيد محجوب الذي تنتهي ولايته بنهاية العام القضائي الحالي. ولم تُنشر حتى الآن معلومات وافية عن السيرة الذاتية للمستشار الغايش، إلا أنه يعد من أقدم القضاة في محكمة النقض، وسبق له الإشراف على عدد من القضايا الجنائية والجنائية العليا.

كما شمل القرار تعيين المستشار أسامة يوسف شلبي رئيساً لمجلس الدولة، خلفاً للمستشار عادل عزب. ويُعد شلبي من أبرز قضاة المجلس، وتدرج في دوائر التشريع والفتوى، إضافة إلى عمله عضواً في الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع.

وفيما يخص هيئة النيابة الإدارية، تم تعيين المستشار محمد الشناوي رئيسًا لها. وللشناوي خبرة ممتدة في ملفات التحقيق التأديبي المتعلقة بالفساد الإداري في المؤسسات العامة. وقد سبق أن ترأس عدداً من اللجان الرقابية والبعثات القضائية في قضايا فساد مالي كبرى.

أما هيئة قضايا الدولة، فقد جرى اختيار المستشار حسين مدكور لتولي رئاستها. ويتمتع مدكور بخلفية أكاديمية، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق عن دراسة مقارنة بين جريمة الرشوة في الفقه الإسلامي والقانون المدني. وسبق له تمثيل الهيئة في عدد من قضايا التحكيم الدولي المعقدة، إلى جانب إشرافه على تدريب كوادر الهيئة في ملفات عقود الدولة والمنازعات الخارجية. بدأ مدكور مسيرته القانونية في بنك مصر، قبل أن ينتقل إلى هيئة قضايا الدولة ويتدرج حتى منصب النائب الأول لرئيس الهيئة. وينص الدستور المصري على أن تكون مدة رئاسة أي من هذه الهيئات أربع سنوات أو حتى بلوغ سن التقاعد، أيهما أقرب.

وحتى إبريل/ نيسان 2017، كان العرف القضائي المستقر ينص على أن يتم تعيين رؤساء الهيئات القضائية وفق مبدأ الأقدمية المطلقة، حيث يُرقّى أقدم نائب لرئيس الجهة أو الهيئة القضائية إلى منصب الرئيس، وهو ما اعتُبر ضمانة أساسية لاستقلال القضاء، وتحقيقًا لمبدأ المساواة بين القضاة ومنعاً للتدخلات السياسية.

لكن البرلمان المصري أقرّ تعديلاً قانونياً على قانون السلطة القضائية (القانون رقم 13 لسنة 2017)، يمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار رئيس الجهة أو الهيئة القضائية من بين أقدم سبعة نواب، بدلاً من الأقدمية المطلقة أو الاختيار من بين ثلاثة فقط، كما كان يُعمل به وفقاً لتعديلات 2014 الدستورية. وأُقر هذا التعديل رغم اعتراضات واضحة من الهيئات القضائية نفسها، وعلى رأسها مجلس الدولة ونادي القضاة وهيئة النيابة الإدارية، واعتُبر بمثابة "ضرب للعرف القضائي" ومحاولة "لتسييس القضاء".

وقد حذّر قضاة بارزون – من بينهم رؤساء نوادٍ قضائية سابقة – من أن التعديل يُدخل معايير غير موضوعية في عملية التعيين، ويجعل من رئيس الدولة طرفاً في اختيار قيادة السلطة القضائية، بما يُقوّض استقلالها ويفتح الباب أمام تعيينات "مكافِئة" للقضاة الموالين أو المرضي عنهم من السلطة التنفيذية.

ورغم أن النص المعدل ينص صراحة على الاختيار من بين الأقدمين، فإن غياب معايير واضحة لتفضيل أحدهم على الآخر – في ظل عدم وجود منافسة أو ملفات أداء معلنة – يجعل القرار "سياسياً أكثر منه مؤسسياً"، بحسب بعض أساتذة القانون الدستوري.

ويرى معارضو التعديل أن هذا التغيير في طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية ينعكس سلبًا على مبدأ حيادية القضاء، ويؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في مؤسسة القضاء كجهة مستقلة عن السلطة التنفيذية. كما أنه قد يدفع بعض القضاة الطامحين في الترقّي إلى مواءمة السلطة التنفيذية، إما بصمت وإما بمواقف ضمنية، لضمان فرصتهم في التعيين.

وعلى المستوى المؤسساتي، أضعف التعديل من دور الجمعيات العمومية للهيئات القضائية، التي كانت تاريخياً تلعب دوراً محورياً في اختيار القيادات وصياغة التوصيات، إذ أضحى القرار النهائي بيد رئيس الجمهورية، دون التزام بنتائج الاقتراع الداخلي أو ترشيحات الجمعيات القضائية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية