ما بعد فوردو: واشنطن ومعادلة ردع جديدة لطهران!
تقارير وتحليلات
منذ 13 ساعة
مشاركة

في تطور غير مسبوق، نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة عسكرية دقيقة استهدفت منشآت التخصيب النووي الإيرانية، واضعًا بذلك حجر الأساس لما يمكن تسميته بـ”معادلة ترامب للردع”:استخدام القوة المفرطة لتحقيق صدمة استراتيجية، يعقبها عرض تفاوضي مشروط من موقع الهيمنة. هذا التحول لم يكن قرار لحظة، بل ثمرة تقديرات تراكمية داخل المنظومة الأمنية الأميركية – مدعومة برؤية إسرائيلية متطابقة – ترى أن مشروع إيران النووي لن يُوقف إلا بفرض معادلة خوف جديدة تتجاوز الاقتصاد والدبلوماسية إلى حدود التهديد العسكري المباشر.

في هذا السياق، يقدّم موقع “أسباب” للدراسات الجيوسياسية تحليلًا معمقًا للضربة الأميركية من زاوية استراتيجية، واضعًا احتمالات الرد الإيراني تحت المجهر. بين ضرورة الحفاظ على هيبة الردع، ومخاطر تعرية البنية العسكرية والاستخباراتية أمام آلة تضرب ثم تفاوض، يتحول الصراع من نزاع تقني حول التخصيب إلى اختبار وجودي لقدرة النظام الإيراني على الصمود في بيئة إقليمية متقلبة، تتجه نحو مزيد من التصعيد والتعقيد.

معادلة ترامب بعد ضرب منشآت إيران النووية للردع وخيارات طهران بين ضرورات الرد ومخاطر الانكشاف

لم يكن قرار ترامب انعكاسًا لحسابات اللحظة وحدها، بل جاء ضمن تراكم في التقدير الاستراتيجي الأمريكي الذي يرى أن إيران غير معنية بأي اتفاق نووي حقيقي، وأن استمرارها في التخصيب بوتيرة مرتفعة لا يمكن وقفه إلا بضرب منشآت التخصيب الأساسية ووضعها تحت ضغط عسكري وليس فقط اقتصادي ودبلوماسي. بالإضافة إلى التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يرى أن الفرصة باتت سانحة لمهاجمة إيران مباشرة ومرة واحدة بعد أن جرى إضعاف أذرعها الإقليمية وتدمير دفاعاتها الجوية.

يؤسس ترامب لمعادلة جديدة في إدارة الصراع مع إيران، تقوم على استخدام قوة مفرطة، في ضربة دقيقة ومدروسة، يتبعها عرض تفاوضي مشروط. فإعلانه أن “الضربة لن تتكرر إذا اختارت إيران السلام” يعكس مزيجًا من التصعيد العسكري والضغط النفسي، يسعى من خلاله إلى ترسيخ نمط جديد من الردع يقوم على الضربة الرادعة لا الحرب الشاملة، وفتح باب التفاوض من موقع التفوق وليس التنازل.

لكن الضربة لم تكن موجهة فقط إلى البنية النووية الإيرانية، بل حملت رسالة أعمق تستهدف تقويض ثقة النظام في قدرته على حماية مراكزه الاستراتيجية. فحين تُقصف منشأة محصنة مثل فوردو وتُضرب بقنابل خارقة، فإن الرسالة الأساسية هي أن التحصين لم يعد يكفي، وأن النظام مكشوف حتى في أعماق الأرض. وليس خافيا أن تأكيد ترامب أن هذه هي الأهداف الأصعب وأن الأهداف الأخرى باتت سهلة، يحمل إشارة مباشرة لعدم استبعاد استهداف خامنئي وباقي هيكل القيادة الإيراني إذا لم يخضعوا لعرض السلام الأمريكي. بهذا، تتجاوز الضربة بعدها العسكري لتتحول إلى أداة لزعزعة الثقة الداخلية وفرض وقائع جديدة في معادلة الردع الإقليمي.

تكشف صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية عن نشاط لافت في منشأة فوردو قبل الضربة، حيث رُصدت 16 شاحنة على الأقل تتحرك في محيط المجمع المحصّن تحت الأرض قبل يومين فقط من الهجوم، في مؤشر على جهود إخلاء لبعض المواد. وقد عززت هذه الفرضية تصريحات نقلتها وكالة رويترز عن “مسؤول إيراني رفيع”، أفاد فيها بأن طهران نقلت معظم مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى موقع غير معلن قبل الضربة، ما يعني أن إيران كانت تملك مؤشرات مبكرة على نية الهجوم. 

استهدفت الصواريخ والمقاتلات الأمريكية مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان- عربي بوست

في المقابل، سارع مركز نظام السلامة النووية الإيراني إلى إعلان عدم رصد أي تلوث إشعاعي أو تسرب نووي في المناطق المستهدفة، مشيرًا إلى أن “التدابير الوقائية” المُتخذة مسبقًا جنّبت البلاد كارثة بيئية. هذا الخطاب الرسمي الإيراني حمل بعدين متداخلين: الأول، تهدئة الداخل وتبديد المخاوف من آثار نووية مدمرة قد تضعف ثقة المجتمع في قدرة الدولة على حمايته؛ والثاني، توجيه رسالة إلى الخارج بأن الضربة الأمريكية لم تنجح في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، لا من حيث إحداث انهيار في البرنامج النووي، ولا في فرض معادلة الخوف لدى صانع القرار الإيراني.

في طهران، بدأت نُذر تحول استراتيجي تظهر سريعًا، تشير إلى خيارين مهمين محتملين للرد: الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، وإغلاق مضيق هرمز. كلا الخيارين يعادلان تدويل الصراع بشكل صريح، لكن لا يبدو أن النظام الإيراني في وارد التنفيذ الفوري لهذين الخيارين، إذ سيسعى على الأرجح إلى تصعيد محسوب، يظهر قدرته على الردع دون أن يمنح ترامب ذريعة لهجوم ثانٍ.

من جهته أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه استخدم، ولأول مرة، صاروخ “خيبرشكن” البالستي متعدد الرؤوس من الجيل الثالث، في إطار ما سماه “تكتيكًا مفاجئًا وأشد تدميرًا” لمهاجمة مطار بن غوريون، ومركز للأبحاث البيولوجية، ومراكز قيادة وسيطرة في إسرائيل، في رد مباشر على الضربة الأميركية، يهدف إلى ترميم صورة الردع الإيراني، وتثبيت وجود قدرات هجومية دقيقة رغم تلقي الضربات. لكن توظيف هذا الصاروخ، بغض النظر عن دقة الإصابة أو آثارها، يعكس اتجاه إيران لاستخدام ما لديها من أوراق الردع تدريجيًا، دون الدخول الفوري في حرب شاملة، إذ إن الرد الكامل في ظل التفوق الجوي الأميركي قد يعجّل بانهيار مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية.

إن التحدي الذي يواجه القيادة الإيرانية لا يكمن في امتلاك القدرة على الرد، بل في كيفية توظيفها دون المساس ببقاء نظام الحكم. وفي هذا الإطار، تتوزع خيارات طهران على ثلاث مسارات رئيسية، تتفاوت في درجتها التصعيدية وتبعاتها الاستراتيجية:

  • أولا: الرد العسكري المباشر والواسع عبر استهداف القواعد الأميركية في العراق أو الخليج، بموازاة تحريك الأذرع الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين، وهو خيار يعني الحرب الشاملة التي يصعب ضبط إيقاعها.
  •  ثانيا: الرد المحدود عسكريًا مقرونًا بتصعيد سياسي، من خلال الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وتسريع البرنامج النووي خارج الرقابة الدولية، بما يوجّه رسائل ضغط قوية دون فتح جبهة عسكرية شاملة.
  • ثالثا: إغلاق مضيق هرمز، وهو الأكثر خطورة من حيث التداعيات الاقتصادية العالمية، فهو يعني استخدام الجغرافيا الاستراتيجية كورقة ضغط.

وبين هذه المسارات المتباينة، تدخل طهران مرحلة ما بعد فوردو، إذ لم يعد الصراع مع واشنطن يدور حول منشأة بعينها أو اتفاق تقني، بل بات اختبارًا وجوديًا لقدرة النظام الإيراني على الصمود كقوة إقليمية فاعلة تحت ضغط عسكري وسياسي غير مسبوق. وإن الخيارات الاستراتيجية لتطور الصراع مفتوحة على سيناريوهات يصعب التنبؤ بمساراتها، أو احتواء ارتداداتها.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية