
بعد 12 يوماً من القصف المتبادل، قد تكون هذه الجولة من المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وحليفتها أمريكا من جهة وإيران من جهة أخرى، توقفت عند هذا الحد، ومن المرجح أن تل أبيب وواشنطن ألحقتا أضراراً بالمنشآت النووية التي استهدفتها، لكن من المؤكد أنها لم تدمرها بالكامل، ولم تنجح أيضاً بإنهاء البرنامج النووي الإيراني، الذي رفعت إسرائيل شعار القضاء هدفاً لها في هذه الحرب، إلى جانب القضاء على البرنامج الصاروخي الباليستي، وهو ما لم يحدث.
وتقول تقارير وتقديرات غربية إنه ليس من المرجح أن تتخلى طهران عن برنامجها النووي أو الصاروخي الآن، بل ربما ستدفعها هذه الحرب نحو تسريع امتلاك سلاحها النووي سراً، بعد الحرب المباغتة التي شنتها إسرائيل عليها بتنسيق أمريكي في 13 يونيو/حزيران 2025، وذلك في الوقت الذي كان الإيرانيون يفاوضون الأمريكيين حول البرنامج النووي، وهو ما عدته طهران خديعة أمريكية دمرت الثقة بين الطرفين. وما زاد الأمر تعقيداً هو انخراط واشنطن في الحرب وشنها هجوماً بواسطة قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ توماهوك على 3 منشآت نووية في إيران، حيث زعمت الإدارة الأمريكية أنها نجحت في تدمير المشروع النووي الإيراني بالكامل، وسط تشكيك مسؤولين ومختصين بذلك.
بناءاً على ذلك، يبدو أن المشروع النووي وتحديداً تخصيب اليورانيوم لم يعد خياراً يمكن النقاش حوله بالنسبة لطهران. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبل يومين من وقف إطلاق النار، إن الولايات المتحدة “خانت الدبلوماسية”، وتستخدم ورقة المفاوضات للتغطية على الهجمات الإسرائيلية ضد بلاده، وأكد أن طهران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم. واعتبر الوزير الإيراني أن الولايات المتحدة لا تهتم بالدبلوماسية، وأنها تستخدم المفاوضات النووية “للتغطية على الغارات الجوية الإسرائيلية”، مضيفاً في تصريح شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية: “لا نعرف كيف يمكننا الوثوق بهم بعد الآن.. ما فعلوه كان خيانة للدبلوماسية”.

الحرب والقنابل الثقيلة لم توقف البرنامج النووي الإيراني
- زعم الرئيس أن العملية التي شنتها الطائرات الأمريكية “نجحت بشكل كامل”، مؤكداً أن إحدى المفاعلات “أُزيلت” بعد تنفيذ المهمة، وأن البرنامج النووي الإيراني “تم القضاء عليه بالكامل”. لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، بدا أكثر تحفظاً، مشيراً إلى أن تقييم الأضرار سيحتاج إلى وقت. أما وزير الخارجية ماركو روبيو، فقال لشبكة “CBS” إن “أحداً لن يعرف خلال الأيام القليلة المقبلة ما إذا كانت إيران قد نقلت جزءاً من موادها النووية قبل الضربة”.
- في المقابل، نفت إيران وقوع أضرار كبيرة في منشآتها النووية. فقد قال مسؤول إيراني من محافظة قُم – حيث تقع منشأة فوردو – إن الموقع “لم يتضرر بشكل خطير”، ونقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني قوله إن معظم مخزون اليورانيوم عالي التخصيب نُقل من فوردو إلى موقع غير معلن قبل بدء الهجوم الأميركي. وأضاف أن عدد العاملين في المنشأة خُفّض إلى الحد الأدنى كإجراء احترازي. وفي رسالة واضحة بأن البرنامج لم يتوقف، صرّح نائب وزير الخارجية الإيراني عقب الهجوم: “سنواصل تخصيب اليورانيوم، وليس لأحد أن يملي علينا ما نفعل”.
- وبحسب مصادر أميركية وإسرائيلية نقلتها صحيفة نيويورك تايمز، فإنه رغم استخدام الولايات المتحدة 12 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 في الهجوم على منشأة فوردو، فإنها لم تؤدِ إلى تدمير المنشأة المحصّنة كلياً. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم تسجيل أي تسرّب إشعاعي من المواقع المستهدفة، ما يشير إلى أن الضربة لم تؤثر على السلامة الإشعاعية للمرافق النووية.
- وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها لا تعرف مكان مخزون إيران الرسمي البالغ 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، المركّز بنسبة نقاء 60%. وإذا كانت إيران قد أخفت أجهزة طرد مركزي للتخصيب قبل الضربة الأمريكية، فقد تتمكن من إنتاج مواد انشطارية صالحة للاستخدام في الأسلحة (عادةً بنسبة 90%) بسرعة نسبية، وهذا يكفي لصنع عشر قنابل نووية.
- وتشير تقول مجلة الإيكونومست البريطانية، إن بعد كل هذه الضربات الأمريكية والإسرائيلية الثقيلة على منشآت طهران في نطنز وفوردو وأصفان، لن تتخلى إيران عن برنامجها النووي أو التكنولوجيا التي أتقنتها لسنوات طويلة. وقد يقرر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، في ظل شعوره بالغدر والاستياء، أن نظامه بحاجة إلى أسلحة نووية للبقاء. وحتى لو دُمرت معظم منشآته، فقد يُستأنف البرنامج سراً.
- وأتاح الاتفاق النووي الذي وقّعه الرئيس باراك أوباما عام 2015 لإيران برنامج تخصيب محدود، يخضع للتفتيش الدولي. وكان الهدف منه إبقاؤه على بُعد عام تقريباً من القدرة على إنتاج مواد انشطارية تكفي لقنبلة نووية. ألغى ترامب الاتفاق في ولايته الأولى، وعشية الهجوم الإسرائيلي، قُدّر أن إيران على بُعد أيام أو أسابيع من تحقيق هذا “الاختراق”. وتفاقم هذا الخوف بتقارير استخباراتية أفادت بأنها بدأت العمل على تسريع عملية صنع رأس نووي يُثبّت على صاروخ.
- وتقول المجلة الأمريكية إن نهاية هذه الجولة بنتائج غير حاسمة حول تدمير المشروع النووي الإسرائيلي، وإذا اكتشفت إسرائيل برنامجاً نووياً سرياً، فستشعر بالاضطرار للعودة للحرب، سواء بمساعدة أمريكية أم لا. كما ستطالب بفرض قيود على أسلحة إيران التقليدية، ودعمها للميليشيات وحركات المقاومة وغيرهم.

الحرب قد تأتي بنتائج عكسية.. وربما ستصبح إيران على غرار كوريا الشمالية
- ويقول موقع The Conversation الأمريك إنه حتى لو أدت هجمات الأمريكيين والإسرائيليين إلى إحداث أضرار جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى تقوية عزم إيران على الحصول على قنبلة نووية. وإذا نفذت إيران تهديدها بالانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ، فسوف يلحق هذا ضرراً بالغاً بنظام منع الانتشار النووي العالمي.
- وتضرر الإجماع الأساسي الذي تقوم عليه معاهدة منع انتشار الأسلحة بسبب فشل الدول الخمس المحتكرة للأسلحة النووية في نزع أسلحتها كما هو مطلوب، وبسبب الفشل في منع كوريا الشمالية من تطوير ترسانة نووية هائلة الآن. انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة في عام 2003، وأجرت اختبارا لسلاح في عام 2006، وربما تمتلك الآن ما يصل إلى 50 رأساً حربياً نووياً، وقد تكون إيران هي التالية كما يقول الموقع الأمريكي.
- وتقول إيران إن هجمات إسرائيل قوضت مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نظرا لأن إسرائيل استخدمت تقرير الوكالة الجديد عن إيران كذريعة لضرباتها ، مما أخرج الأمر من أيدي مجلس الأمن الدولي. ومن جانبها، حاولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحفاظ على موقف “حيادي” وانتقدت الضربات الأميركية والإسرائيلية على حد سواء.
- ردّت إيران بهجمات صاروخية على إسرائيل وقاعدة أمريكية في قطر. كما سارعت إلى إعلان انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي. وفي 23 يونيو/حزيران، وافقت لجنة برلمانية إيرانية أيضاً على مشروع قانون من شأنه تعليق تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل، بما في ذلك السماح بعمليات التفتيش وتقديم التقارير إلى المنظمة.
- وقال مبعوث إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي إن الضربات الأميركية وجهت ضربة أساسية لا يمكن إصلاحها لنظام منع الانتشار الدولي، مما أثبت بشكل قاطع أن إطار معاهدة منع الانتشار الحالي أصبح غير فعال.
- وحتى لو اعتبرت إسرائيل والولايات المتحدة حملتهما الجوية ناجحة، فمن شبه المؤكد أنها جددت عزم الإيرانيين على صنع سلاح نووي. قد لا تُؤخّر الضربات القنبلة الإيرانية سوى بضع سنوات في أسوأ الأحوال.

لكن لماذا يعد البرنامج النووي ضرورياً لهوية وعقيدة إيران؟
- ربما يكون الاستقلال والبقاء هو الإجابة لدى الإيرانيين بشكل عام، وهو أمر نابع من تاريخ استغلال القوى الاستعمارية لإيران، ويُساعد على تفسير ما قد يبدو غامضاً في النزاع الحالي بين إيران والولايات المتحدة، ولذلك تصر إيران بشكل قاطع في حقها بتخصيب اليورانيوم. لقد كانت هذه القضية هي التي أعاقت المحادثات بين إيران والغرب بشأن برنامج طهران النووي منذ مطلع القرن العشرين، وكانت نقطة الخلاف في عامين من المناقشات التي حُسمت في النهاية لصالح إيران عند الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في عهد إدارة أوباما عام 2015. وهذا هو سبب قصف إيران الآن من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة.
- وتقول صحيفة “الغارديان” البريطانية، يرى كثير من الأمريكيين أن هذا الهوس بالتخصيب داخل إيران، بدلاً من الاستيراد من روسيا مثلاً، لا يمكن تفسيره إلا إذا قُبل أن إيران تسعى سراً إلى بناء قنبلة نووية. وترى الولايات المتحدة أن الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى مرتين بحرمة الأسلحة النووية ما هي إلا ستار دخان.
- وعلى مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، تبنى جيه دي فانس ، نائب الرئيس الأمريكي، هذا الرأي إلى حد كبير. إذ كتب: “الرغبة في الطاقة النووية المدنية شيء، والمطالبة بقدرات تخصيب متطورة شيء آخر، والتمسك بالتخصيب مع انتهاك الالتزامات الأساسية بمنع الانتشار النووي والتخصيب المباشر إلى درجة صنع اليورانيوم لصنع الأسلحة شيء آخر تمامًا”.
- وتقول الغارديان إنه لا يوجد حجة واحدة مقنعة تُبرر حاجة إيران لتخصيب اليورانيوم بما يتجاوز بكثير الحد المسموح به للاستخدام المدني. كما لم تجد حتى الآن حجة واحدة مقنعة تُبرر انتهاك إيران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي. وتقول أيضاً إن عملية تخصيب اليورانيوم لإنتاج الطاقة النووية المدنية وصنع القنبلة النووية تتشابهان بشكل عام. ومن المتفق عليه عمومًا أن اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% كافٍ لإنتاج الطاقة النووية المدنية، بينما يتطلب صنع سلاح نووي مستويات نقاء 90%. وبمجرد وصول مستويات النقاء إلى 60%، كما هو الحال في إيران، فإن الوصول إلى 90% ليس عملية طويلة.
- تُجادل إيران، بطبيعة الحال، بأنه لا غموض في سبب تخصيبها إلى هذه المستويات العالية من النقاء. كان ذلك جزءًا من رد فعل تصعيدي مُدبّر وواضح على انسحاب دونالد ترامب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018 وهو إجراء حرم إيران من تخفيف العقوبات الذي تفاوضت عليه. علاوة على ذلك، فإن ترامب، بفرضه عقوبات ثانوية، جعل من المستحيل على أوروبا التعامل تجاريًا مع إيران، وهي الفائدة الثانية المُخطط لها من الاتفاق النووي.
- ونتيجة لهذا فإن السياسة الإيرانية تشكلت على مدى العقد الماضي من خلال الشعور بأنها الشريك المظلوم، وأن الولايات المتحدة أثبتت أنها غير جديرة بالثقة بطبيعتها. وأنفقت شخصياتٌ إصلاحية مثل الرئيس السابق حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، رأسمالًا سياسيًا داخليًا هائلًا لتوقيع اتفاق مع الغرب، وسرعان ما تراجع الغرب عنه. في الوقت نفسه، تتلقى إسرائيل، وهي دولةٌ ليست عضوًا في معاهدة حظر الانتشار النووي – على عكس إيران – وتمتلك سلاحًا نوويًا غير مُراقَب وغير مُعلن، سخاءً ودعمًا من الغرب.
“الآن كل القرارات تتخذ في طهران”
- يساعدنا كتاب جديد مقنع كتبه المفكر الإيراني “والي نصر” بعنوان “الاستراتيجية الكبرى لإيران” في الإجابة على هذا السؤال من خلال وضع الإجابة في الاستغلال الاستعماري لإيران وسعيها إلى الاستقلال. وكتب: “قبل الثورة نفسها، وقبل أزمة الرهائن أو العقوبات الأميركية، وقبل الحرب الإيرانية العراقية أو جهود تصدير الثورة، فضلاً عن الإرث القذر لمواجهات إيران مع الغرب، كان المرشد الديني الأعلى المستقبلي وزعيم إيران يقدر الاستقلال عن النفوذ الأجنبي باعتباره مساوياً لمبادئ الإسلام الراسخة في الدولة”. لقد سئل خامنئي ذات مرة عن فائدة الثورة فأجاب: “الآن كل القرارات تتخذ في طهران”.
- ويرى نصر أنه على الرغم من تآكل أو تشويه العديد من المثل العليا للثورة مثل الديمقراطية والإسلام، فإن مبدأ الاستقلال الإيراني ظل قائما. يُجادل المفكر الإيراني بأن السعي وراء السيادة نابع من تاريخ إيران المُظلم. ففي القرن التاسع عشر، كانت إيران محصورة بين القوتين الإمبرياليتين البريطانية والروسية. وفي القرن العشرين، استغلت شركات النفط البريطانية مواردها النفطية. وأُقيل قادتها مرتين – عامي ١٩٤١ و١٩٥٣ – على يد البريطانيين والأمريكيين. أُقيل رئيس الوزراء محمد مصدق، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، في انقلابٍ دبرته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام ١٩٥٣ لمطالبته بالسيطرة على موارد إيران النفطية. لا يوجد حدثٌ في التاريخ الإيراني المعاصر أشدُّ جرحًا من إسقاط مصدق. بالنسبة للخميني، فقد أكّد ذلك أن إيران لا تزال لا تتحكم في مصيرها أو مواردها النفطية.
- ورغم أن الطاقة النووية المدنية والحق في التخصيب أصبحا رمزاً للاستقلال والسيادة بعد الثورة، فإن إيلي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تشير إلى أن البريطانيين والأميركيين هم الذين أدخلوا الطاقة النووية إلى إيران في ما أطلق عليه برنامج “الذرة من أجل السلام”.
- شرع شاه إيران، بموافقة الولايات المتحدة، في تنفيذ خطة لبناء 23 محطة طاقة نووية مدنية، مما مكّن إيران من تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة وتحقيق مكانة الدولة الحديثة. قال مايكل أكسوورثي، المؤرخ البريطاني البارز لإيران المعاصرة: “كان استخدام أرباح النفط بهذه الطريقة يبدو طريقةً حكيمةً آنذاك لاستثمار مورد محدود بهدف خلق مورد لا ينضب”.
- في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، أقرّ هنري كيسنجر لاحقًا بأنه لم يُبدِ أي اعتراضات على بناء المحطات النووية، بصفته وزيرًا للخارجية الأمريكية. وقال: “لا أعتقد أن مسألة الانتشار النووي طُرحت”. بدأ العمل في مفاعلين نوويين، أحدهما في مدينة بوشهر الساحلية، بمساعدة شركة كرافتويرك يونيون الألمانية، وهي فرع من شركتي سيمنز وإيه إي جي.
- أدرك الشاه الاستخدام المزدوج للطاقة النووية، بل إنه في يونيو/حزيران ١٩٧٤ صرّح لصحفي أمريكي بأن “إيران ستمتلك أسلحة نووية بلا شك أسرع مما تظن”، وهو تصريح نفاه سريعًا. تدريجيًا، ازداد قلق الولايات المتحدة من أن هوس الشاه بالأسلحة قد يعني تحول البرنامج المدني الإيراني إلى برنامج نووي.
- بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، توقف العمل في المحطتين شبه المكتملتين. اعتبر الخميني الطاقة النووية رمزًا للانحطاط الغربي، مجادلًا بأن مشاريع البنية التحتية المتضخمة ستجعل إيران أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا الإمبريالية الغربية. وأكد أنه لا يريد “السمية الغربية”، أو “غرب زادجي” بالفارسية. انتهى البرنامج إلى حد كبير، مما أثار خيبة أمل بعض العلماء النوويين.
- لكن في غضون عام أو عامين، ضغط نقص الكهرباء والطفرة السكانية على النخبة السياسية في طهران للبدء في التراجع عن الإغلاق بشكل سري. وقد أدى استخدام العراق للأسلحة الكيميائية خلال الحرب العراقية الإيرانية، وشعور طهران بالعزلة الدبلوماسية في سعيها للحصول على إدانة دولية لهجمات العراق المتكررة على محطة بوشهر النووية غير المكتملة، وأخيراً النزاعات القانونية بمليارات الدولارات مع شركات أوروبية بشأن البرنامج النووي غير المكتمل للشاه، إلى ظهور قومية نووية.

المشروع النووي النووي مصدر للفخر الوطني للإيرانيين
- بحلول عام 1990، أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أنه بحلول عام 2005، يمكن إنتاج 20% من طاقة البلاد عن طريق الطاقة الكهربائية النووية، وسيتم بناء 10 خزانات للطاقة خلال العقد المقبل.
- وجّه هاشمي رفسنجاني، رئيس البرلمان الإيراني خلال حرب 1980-1988، ثم رئيسًا للجمهورية الإسلامية من عام 1989 إلى عام 1997، نداءات عديدة لعلماء إيران النوويين للعودة إلى وطنهم وبناء البرنامج. وفي عام 1988، قال: “إذا لم تخدموا إيران، فمن ستخدمون؟” فجأةً، تحوّل البرنامج النووي الإيراني من رمزٍ للحداثة الغربية إلى مصدرٍ للفخر الوطني.
- بحلول مطلع القرن العشرين، كان يُعتقد خطأً أن البرنامج النووي الإيراني يتألف في المقام الأول من عدة مفاعلات بحثية صغيرة ومفاعل الماء الخفيف النووي الذي تقوم إيران وروسيا الآن ببنائه في بوشهر. اعترف رفسنجاني لاحقًا بأن إيران فكرت لأول مرة في إمكانية الردع خلال الحرب الإيرانية العراقية، عند استئناف البرنامج النووي. وقال: “عندما بدأنا، كنا في حالة حرب، وسعينا إلى امتلاك هذه الإمكانية تحسبًا لليوم الذي قد يستخدم فيه العدو سلاحًا نوويًا. كان هذا هو تفكيرنا. لكن هذا لم يتحقق قط”.
- سافر رفسنجاني إلى باكستان في محاولة للقاء عبد القدير خان، والد برنامج الأسلحة النووية الباكستانية الذي ساعد كوريا الشمالية فيما بعد في تطوير القنبلة الذرية. في منتصف عام 2002، كشف تسريب من جماعة معارضة، ربما عبر الموساد، أن إيران تمتلك منشأتين نوويتين سريتين مصممتين لتخصيب اليورانيوم في نطنز قرب أصفهان وكاشان وسط إيران.
- وأكدت إيران أنها غير ملزمة بإخطار مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود المنشأتين نظرًا لعدم تشغيلهما. وأضافت إيران أن معاهدة حظر الانتشار النووي تنص على أن من “الحق غير القابل للتصرف” لجميع الدول تطوير برامج نووية للأغراض السلمية تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لا يُعد تخصيب اليورانيوم بحد ذاته دليلاً على السعي إلى صنع سلاح نووي، لكن منتقدين قالوا إنه من الصعب تفسير حاجة إيران إلى إنتاج وقود نووي في مرحلة لم يكن لديها فيها مفاعل نووي عامل. ومنذ ذلك الحين، بدأت الرقصة الدبلوماسية واستمرت على مستويات مختلفة من الشدة منذ ذلك الحين.
إيران لن تتراجع عن حلمها.. وهذه خياراتها
- في النهاية، يقول موقع “ذي كونفرزيشن”، أمام إيران طريقان لتحقيق حلمها النووي. الطريق الأبطأ هو إعادة تنشيط نشاط التخصيب والحصول على تصميمات تفجير نووي، تُنتج أسلحةً شديدة التدمير، من روسيا أو كوريا الشمالية. وكبديل، يمكن لروسيا أن تُرسل إلى إيران بعض أسلحتها. وهذا أمرٌ يُثير قلقًا حقيقيًا نظرًا لانسحابات موسكو المتتالية من اتفاقياتٍ حاسمةٍ للحد من الأسلحة على مدار العقد الماضي .
- ومن الممكن أن يؤدي امتلاك إيران لقنبلة نووية إلى دفع دول إقليمية أخرى، وخاصة المملكة العربية السعودية، إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، حيث تواجه هذه الدول فجأة تهديداً جديداً لأمنها.
- تخشى إسرائيل أن تُشكّل القنبلة الإيرانية تهديدًا وجوديًا لبقائها، نظرًا لوعود إيران بتدميرها. لكن هذا يتجاهل حقيقة أن إسرائيل تمتلك بالفعل قدرة ردع نووية قوية (وإن لم تُعلن عنها). ولا شك أن رغبة إيران في امتلاك القدرة على امتلاك أسلحة نووية هي بالأحرى وسيلة لترسيخ الردع لمنع هجمات عسكرية مستقبلية من إسرائيل والولايات المتحدة لحماية نظامها.
- لقد اهتز الإيرانيون بسبب غزو العراق في عام 1980، ثم مرة أخرى بسبب حرب العراق عام 2003. وهذه الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة سوف تهزهم أكثر. والآن، لن تعود الثقة إلى سابق عهدها، وربما تكون الضربات الأمريكية والحرب الإسرائيلية المباغتة قد دفنت أي احتمال لتراجع طهران عن طموحاتها لعقود. وبحلول ذلك الوقت، قد يكون الضرر الذي لحق بنظام منع الانتشار النووي لا رجعة فيه كما يقول الموقع الأمريكي.