
لا تقتصر الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين على القتل والتدمير والهدم فقط، إذ تذهب إلى أبعد من ذلك نحو حرب اقتصادية غير مسبوقة تمثلت في التسبب بشح الشيكل في غزة من خلال سحب هذه العملة بصورة تدريجية من القطاع، وزيادتها عن الحدّ المقبول في الضفة الغربية.
تسبب ذلك في زيادة الضغط الاقتصادي والنقدي على الفلسطينيين المهجّرين والمجوّعين في غزة، وبانهيار المنظومة المصرفية في الضفة، بحسب ما رصده تقرير “عربي بوست”.
سحب الشيكل من أسواق غزة
بدأت معالم الحرب التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة مع بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين أغلق الاحتلال الإسرائيلي معابره أمام التجار في القطاع، ورفض إدخال البضائع التجارية، ما أوقف دخول العملة الاسرائيلية المتداولة في غزة، وهي الشيكل، إلى الأسواق، ولم يتبق سوى الأوراق النقدية الموجودة أصلاً بين المواطنين والتجار ما قبل الحرب.
والشيكل تقريبا هو العملة الوحيدة والأساسية المتداولة في السوق الغزّي بالإضافة إلى الدينار الأردني قبل الحرب، حيث توقف الدولار عن التداول بعد توقف المؤسسات الدولية عن تسليم رواتب موظفيها بهذه العملة، واستبدالها بالحوالات المالية عبر حساباتهم المصرفية.
وتشترط المؤسسات الدولية تسليم أي حوالات بالدولار تأتي من خارج القطاع بالشيكل، فضلا عن سحب معظم الدولار الذي كان أصلاً في السوق بين شهري يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2024، حين تم فتح معبر رفح، واضطر الفلسطينيون لدفع مبالغ هائلة لشركات تنسيق السفر التي اشترطت الدفع بالدولار، وليس بالشيكل، بحسب ما أكدته تقارير سابقة لـ”عربي بوست”.
زاد من الأزمة النقدية أن البنوك الفلسطينية في القطاع أغلقت أبوابها أمام عملائها، سواء بسبب الوضع الأمني، خشية القصف الاسرائيلي، أو بداعي الحرص على مقدراتها ومنشآتها المصرفية، بالتالي لم يبق في كل قطاع غزة، الذي يزيد تعداد سكانه عن مليوني نسمة سوى مصرفين فقط.
والمصرفان يقعان في مخيمي النصيرات ودير البلح، وسط القطاع، ويتعاملان حصراً بالصراف الآلي، وليس بالعملة النقدية، وبحدّ أقصى لا يزيد عن ألف شيكل في كثير من الأحيان للمواطن، أي أقل من ثلاثمائة دولار.
تسبب ذلك في ضغط كبير على هذين المصرفين بالآلاف يومياً، حتى أغلقا أبوابهما قبل أشهر.

بحسب مراسل “عربي بوست” في قطاع غزة، فإنه حين يعجز آلاف الفلسطينيين عن الوقوف في الطوابير لاستلام الحدّ الأقصى من السيولة المتوفرة، يتطوع عدد ممن يسمّون “مُخلّصي المعاملات” بالوقوف بدلاً منهم، وأخذ نسبة عن المبلغ الذي يسحبونه من الصراف تصل إلى 30% منه، فيضطر الموظفون أو المراجعون لدفعها بهدوء، وبدون إزعاج، لأن هؤلاء يكونون بالعادة مجموعات منظمة، وبعضهم مُسلحون.
وسطا جيش الاحتلال على الفرع الرئيسي لبنك فلسطين بحي الرمال في فبراير/شباط 2024، وهو البنك الأول في غزة، وقام حينها بسرقة 200 مليون شيكل، أي ما يزيد عن 54 مليون دولار.
وعلم “عربي بوست” أن “البنوك الفلسطينية سحبت إيداعاتها النقدية من داخل مقارها في غزة، ونقلتها خارج القطاع، وتحديداً إلى الضفة الغربية، بزعم الخشية من اقتحامها من الجيش مجدداً، أو من اللصوص، في ظل الفلتان الأمني في القطاع”، بحسب مصادر مصرفية في القطاع.
إغلاق البنوك، وأخذ العمولة على الحوالات المالية
مع اشتداد الحرب، والضغط الاقتصادي، وبعد إغلاق ما تبقى من البنوك، بدأ الفلسطينيون يلجأون لمكاتب الصرافة لسحب أرصدتهم من حساباتهم البنكية، أو ما يصلهم من خارج القطاع من تبرعات أو حوالات عائلية أو مصادر العمل، لكن هذه المكاتب لا تسلّمهم المبلغ كاملاً لأنها تقتطع ما تسميه “عمولة” لها بسبب عدم توفر سيولة نقدية.
بلغت نسبة العمولة حتى تاريخ نشر هذا التقرير 50% لدى بعض الصرافين، يعني أن من يصله ألف دولار، سيستلم 500 دولار، وحصرا بالشيكل.
تتواصل الأزمة النقدية في غزة لتأخذ أشكالاً جديدة غير مسبوقة، ومنها رفض التجار استلام بعض الأوراق النقدية من أيدي المواطنين، بزعم أنها “تالفة، بالية، مهترئة، وقديمة”، لاسيما فئة العشرة والعشرين والخمسين شيكلا، التي اضطروا لأخذها من تجار آخرين، أو من مكاتب الصرافة، بسبب نقص السيولة.
يضطرهم ذلك لبيع تلك العملات لأولئك التجار بأقل من قيمتها الحقيقية.
يضاف إلى ذلك أن ما يتعلق بالورقتين النقديتين ذات 100 و200 شيكل، فمنها التي توقف الفلسطينيون عن استخدامها حين اندلعت الحرب، وطبع الاحتلال الإسرائيلي أوراقاً جديدة، رغم أن القديمة يتم تداولها بصورة طبيعية، لكن تحكّم التجار في السوق، وغياب الرقابة الحكومية، تسبب بتلك الأزمة بحسب تعليقات المواطنين.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، ففي الوقت الذي بدأت السيولة النقدية تشحّ فعلاً في أيدي الفلسطينيين، لجأوا لاستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ المالية على هواتفهم المحمولة، وبدأوا بإنجاز معاملاتهم التجارية والشخصية عبرها.
على الرغم من هذا الحل، إلا أن مشكلة جديدة ظهرت، بأن التجار على سبيل المثال لا يبيعونهم البضائع والمواد الغذائية عبر التطبيق بذات الثمن الذي يمكن أن يدفعوه نقداً.
وفضلاً عن كون أسعار المواد الغذائية وصلت مستويات جنونية غير مسبوقة، فإذا أضيفت إليها العمولة المطلوبة عبر التطبيق، فنحن أمام فئة محدودة فقط من الفلسطينيين قادرة على شراء المواد الأساسية لإبقاء عائلاتها حيّة تتنفّس، بحسب ما أكده مواطنين تحدثوا لـ”عربي بوست” في هذا التقرير.
وأضافوا أنه “حين نتحدث عن هذه الأزمة الخانقة التي تتعلق بالحياة، أو ما تبقى منها في غزة، فقد اضطرت عائلات فلسطينية عديدة لبيع ما لديها من مصاغ كي تحصل على أوراق نقدية، وإذا أرادت شراء هذا المصاغ فإن الثمن سيزيد في حال تم تحويل القيمة عبر التطبيق البنكي، أي أن المواطن الفلسطيني إن أراد الانتفاع بما لديه من مصاغ فإنه سيخسر قيمتها على الفور”.
لكن يضاف إلى كل ذلك، أن بعض التجار توقفوا في الأسابيع الأخيرة عن البيع بالتطبيق البنكي، ممن يأخذون نسبة عالية عن كل سلعة، ولذلك يعجز كثير من أرباب العائلات عن توفير ما تبقى في الأسواق من بضائع بسبب عدم امتلاكهم أوراقاً نقدية.
سحب النقد من غزة، وإجبار التجار على دفع ثمن البضائع نقداً
في البحث عن الأسباب وراء هذه الأزمة المتصاعدة، يمكن العودة لاقتراح وزير الخارجية الاسرائيلي غدعون ساعر قبل أسابيع بإلغاء ورقة الـ200 شيكل من التداول في غزة، لإحداث شلل في اقتصادها، بزعم القضاء على موارد حماس المالية، مدعياً أنها تحتفظ بجزء كبير من سيولتها النقدية من هذه الأوراق.
وقال إن إلغاءها سيُلحق ضرراً بالغاً بالأداء الاقتصادي لحماس، ويحدّ من قدرتها على دفع الرواتب لموظفيها الذين يديرون القطاع حتى الآن.
لاقى الاقتراح قبولاً سياسياً لدى حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لولا التحفظات الاقتصادية التي خشيت أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي بسبب ذلك انعداماً للثقة، وانتشار الفوضى، لأن سحب الأوراق النقدية المعروفة بحوزة حماس من التداول بشكل فوري، حلّ يحمل مخاطر اقتصادية.
فقبل اندلاع الحرب، تدفّقت العديد من فئة 200 شيكل للقطاع عبر الأشخاص والبضائع والتهريب، لذلك لا تملك إسرائيل حالياً معلومات دقيقة ومنظمة عن أرقام السلاسل الموجودة في غزة، وكذلك من غير الواضح مدى فعالية هذه الخطوة في اقتصادها المغلق والمعزول، ومدى تأثير إلغاء الأوراق النقدية عليها فعلياً.
لم ييأس الاسرائيليون من هذا الاقتراح، فعملوا على إعادة تدويره من خلال اتباع استراتيجية قاسية على الفلسطينيين، يتم بموجبها سحب الشيكل من غزة تدريجياً، من خلال السماح، على غير العادة، بإدخال بضائع تجارية بعد حصار دام ما يزيد عن 3 أشهر، لكن مقابل أن يدفع عدد من التجار المُحدّدين بالاسم قيمتها المالية نقداً، وليس تحويلاً عبر الحسابات المصرفية.
بحسب بعض المصادر المطلعة في غزة، فإن “الحديث يدور عن بضائع تقدر قيمتها بـ6-7 مليون شيكل لكل شاحنة، دفعة واحدة”.
وكان لافتاً ما رصده مراسل “عربي بوست”، من أن البضائع التي تم إدخالها للقطاع عبر هذه الشاحنات لم تكن ذات أولوية للفلسطينيين المُجوّعين، كالهواتف المحمولة والسجائر والقهوة والنسكافيه والنوتيلا وغيرها.
وأكد أنه لم تتضمن أياً منها بضائع تحتاجها العائلة الغزية اليوم في ظل الحصار والحرب، معتقداً أن الهدف من إدخال الشاحنات هو سحب السيولة النقدية بشكل كامل من أيدي الفلسطينيين.
كذلك فإن التجار يضطرون لـ”تأمين” شاحناتهم بالاتفاق مع بعض المجموعات المسلحة بمبالغ كبيرة، نقداً وليس تحويلاً، وفي النهاية يجبِر تجار الأسواق المواطنين على الشراء منهم بأسعار مضاعفة، بما تبقى من أوراق نقدية، وليس عبر التطبيقات البنكية.
غياب سلطة النقد الفلسطينية عن أزمة شح الشيكل في غزة
في مثل هذه الظروف الخانقة في القطاع طالبت العديد من المؤسسات الاقتصادية أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية، باعتبارها البنك المركزي للسلطة الفلسطينية، بالتعاون مع باقي المصارف، بشكل فعلي لمواجهة أزمة شح السيولة في غزة.
وطالبت بالعمل على إيجاد طرق لضخ السيولة، والطلب من الجهات الدولية التدخل لدى الاحتلال لإدخالها للقطاع، وفرض إجراءات عقابية على التجار المُتسبّبين بهذه الأزمة الطاحنة، وأن تصرف المؤسسات الدولية مثل الأونروا وغيرها رواتب موظفيها والمساعدات التي تقدمها للفلسطينيين نقداً، بما يضخّ بعض السيولة في السوق.
إلا أن سلطة النقد الفلسطينية لم تعلق حتى الآن على هذه المطالب، كما أن “عربي بوست” حاول الحصول على تعليق بهذا الخصوص، إلا أنه لم يحصل على رد حتى الآن.
ووصل التضخم في غزة جراء الحرب مستويات غير مسبوقة، فالسلعة التي تساوي 1 شيكل ثمنها اليوم 20 شيكلاً، ما يعني أن النقد فقد قوته الشرائية بشكل كبير؛ كما أن المائة دولار لا تكفي أسرة من أربعة أشخاص ليوم أو يومين، فحبة الطماطم مثلاً، تساوي 15 شيكلاً ما يعادل 4$، أما حبة البطاطا 20 شيكلاً ما يعادل 6 دولارات، أما كيلو الدقيق وهو السلعة الأساسية يصل الى 100 شيكل أي 30 دولاراً، وكيلو السكر إلى أكثر من 200 شيكل أي 60 دولار.
مسؤول كبير في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية في غزة، كشف لـ”عربي بوست” عن “التواصل مع عدد من التجار المتهمين بالتسبّب بالأزمة، ودعوتهم لعدم التعامل مع التنسيقات التجارية باهظة الثمن، لأنها تُسهم في رفع الأسعار على المواطنين بشكل غير مبرر، وتزيد من معاناتهم، وتؤثر سلبًا على استقرار السوق المحلي”.
وقال إنه “تصل التجار عروض مغرية من جهات مشبوهة، تتضمن تنسيقات تجارية باهظة الثمن تصل مئات آلاف الشواكل، مقابل إدخال شاحنة واحدة من البضائع للقطاع، ما يمسّ بثوابت العمل التجاري الوطني، ويؤسس لآليات غير شفافة في السوق، وتضرّ بالصالح العام، وتُحدث خللاً في مبدأ تكافؤ الفرص بين التجار، وتُعمّق الفجوة بين التجار والمواطنين، وتزيد من الأعباء اليومية لمن لا يمتلكون قوت يومهم”.
تكّدس السيولة في الضفة الغربية، وانهيار المنظومة المصرفية
مقابل الشح النقدي الهائل في قطاع غزة، انتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة أخرى في الضفة الغربية منذ مايو/أيار 2025، تتمثل بتكديس الشيكل داخل خزائن البنوك الفلسطينية، ما اضطرها لتقييد صارم على سقف الإيداع النقدي من العملة بالنسبة للفلسطينيين.
كذلك قامت البنوك في الضفة بخفض سقف الإيداع إلى خمسة آلاف شيكل شهرياً، بعد أن كانت تسمح بإيداعات تصل عشرين ألفاً في اليوم الواحد، بسبب رفض البنوك الإسرائيلية استقبال هذا الفائض.
يأتي ذلك على الرغم من أن الاتفاقيات الاقتصادية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي تُخوّل الأولى بتحويل فائض الشيكل من بنوكها المحلية لبنك إسرائيل المركزي مقابل عملات أجنبية، للحفاظ على التوازن النقدي.
ووصل متوسط فائض عملة الشيكل سنوياً قرابة 20 مليار شيكل، أي 5.47 مليار دولار، تتكدس في خزائن البنوك، وتتحمل عليها كلفة نقل وتخزين وتأمين.
جديد الأزمة المالية في الضفة، ما أصدره سموتريتش قبل ساعات من إلغاء الإعفاء من التعاون مع البنوك الفلسطينية الأمر الذي يدفع إلى انهيارها.
وفي حال نفذ تهديده هذا، فستنقطع العلاقة بين النظامين الماليين الإسرائيلي والفلسطيني، في تحرك قد يؤدي لحرمان الفلسطينيين من الحصول على السلع والخدمات الحيوية.
لكن الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، ورغم ازدياد الفائض، وضع قيوداً صارمةً على التحويلات البنكية الفلسطينية، بقرار سياسي من وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، الذي أعلن عن مخططات الضم والتهجير في الضفة الغربية.
هذه الأزمة المتفاقمة “بدأت تسفر عن جدل وارتباك كبيرين في الأسواق الفلسطينية”، بحسب مسؤول في جمعية البنوك في فلسطين فضل عدم ذكر اسمه لـ”عربي بوست”، لافتاً إلى أن الأزمة ألقت بظلال من الشك على قدرة السلطة على التعامل معها، ومخاوف من تحولها من أزمة نقدية بحتة إلى أزمة وطنية، وعودة الفلسطينيين لتخزين أموالهم بعيداً عن البنوك، ما قد يحرم الاقتصاد من إعادة استثمار هذه الأموال.
وحذر المسؤول “من تفاقم أزمة تراكم مليارات الشواكل، لأن استمرارها يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي، وقد يؤدي لتوقف تسوية التزامات التجار مع نظرائهم الإسرائيليين، وخروجها من التداول”.
كما أنه توقع ظهور جملة نتائج سلبية تتمثل في تعذّر الوفاء بالتزامات التجار، واضطرار البعض للجوء للسوق السوداء، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الفعلية، وفرض البنوك قيودا مشددة على استقبال الشيكل، ودعوة الفلسطينيين لاستخدام وسائل الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وسط تحذيرات من تخزين الأموال (تحت البلاطة) بالطريقة البدائية القديمة”.
أزمة تكدس السيولة وصولاً لمخاوف إفلاس السلطة
أسباب عديدة وراء الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية، رصدها المسؤول في جمعية البنوك في فلسطين، في النقاط التالية:
- – تراجع المصادر الرئيسية لدخول الشيكل من إسرائيل لأسواق الضفة منذ اندلاع الحرب.
- – شبه توقف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات، وتراجع معدلاتهم الى بنسبة 86% في الربع الأول من 2025 بعدد 25 ألف عامل، مقارنة مع الربع الثالث 2023، وهو الربع الأخير قبل الحرب بعدد 178 ألفاً، أي أن 86% من فاتورة الأجور الشهرية لم تعد تدخل للأسواق الفلسطينية.
- وبالتالي تراجع الفاتورة الشهرية من 1.5 مليار شيكل شهرياً إلى 210 ملايين شيكل شهرياً فقط.
- – تراجع أموال المقاصة التي ترسلها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي إلى متوسط 500 مليون شيكل شهرياً مقارنة مع متوسط 750 مليون شيكل حتى الربع الثالث من 2023، إبان اندلاع الحرب.
- – في الوقت الذي يعاني منه القطاع من شح السيولة النقدية، أرسلت بنوكه كميات كبيرة من “الكاش” خلال شهور الحرب باتجاه نظيرتها في الضفة، مما راكم الأزمة.
- – فوارق أسعار السلع في أسواق التجزئة بالضفة مقارنة مع السوق الإسرائيلية، أي أن أسواقها أصبحت السوق الاستهلاكية الأساسية للمقدسيين وفلسطينيي48، بحيث أصبحت مصباً للشيكل من خلال بيعه لمحال صرافة بأسعار بعيدة عن سعر السوق.
شل النظام المالي الفلسطيني دفعاً للتهجير
العديد من النتائج تنتظر اقتصاد الضفة بسبب هذه الأزمة، لعل أخطرها أن فرض البنوك الإسرائيلية سقفاً على تحويلات الشيكل من نظيرتها الفلسطينية سيشلّ النظام المالي الفلسطيني، بحسب المسؤول سابق الذكر.
وحذر من أن يخلق ذلك ضغوطاً معيشية قد تدفع آلاف الفلسطينيين للهجرة خارج الضفة بحثاً عن فرص نجاة، لأن التراكم النقدي في البنوك يهدد بمنع القروض، وتجميد النشاط الاقتصادي، ما يرفع البطالة، ويقلل الناتج المحلي في الضفة.
وتعتمد البنوك الفلسطينية كلياً على نظيرتها الإسرائيلية في عملياتها اليومية، وتسوية المدفوعات بعملة الشيكل، وتحويل أموال المقاصة، والتمويل التجاري، وبدون هذه العلاقة، تصبح معزولة عن النظام المالي العالمي، وتفقد القدرة على العمل بوصفها مؤسسات مصرفية حقيقية.
بالتالي ستؤدي الأزمة لتراكم كتلة نقدية ضخمة داخلها دون قدرة على التصريف أو التدوير، ما ينذر بأزمة سيولة خانقة ستنعكس على المواطنين، والتجار، والشركات، وحتى على مؤسسات السلطة ذاتها التي تعاني أصلاً من الوصول إلى حافة الإفلاس، بحسب تحذيرات مسؤولين فلسطينيين وحتى إسرائيليين.

تجدر الإشارة أن ميزانية السلطة تعتمد أساساً على أموال المقاصة (من ضرائب وإيرادات) التي تجبيها إسرائيل، وتحوّلها شهرياً، وتشكّل نحو 65% من الإيرادات العامة.
ومع توقفها، تصبح السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظفين، أو تمويل الخدمات الصحية والتعليمية، أو حتى سداد التزاماتها المالية الأساسية، ما يهدد بواقع اقتصادي واجتماعي خطير، وارتفاع في معدلات الفقر، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية، وشلل شبه كامل في مؤسسات السلطة، ويثير مخاوف من سيناريو الفوضى الأمنية.