الديون الضخمة وتراجع الاستثمارات الخليجية وتأجيل قرض صندوق النقد.. أسباب طرح الحكومة المصرية سواحل بالبحر الأحمر للبيع
تقارير وتحليلات
منذ يوم
مشاركة

قالت مصادر مصرية متطابقة إن حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر حتى سبتمبر/أيلول 2025، والتي لا تقل عن 44 مليار دولار، دفع القيادة السياسية إلى اتخاذ قرارات استثنائية، من بينها تخصيص نحو مئتي مليون متر مربع من الأراضي الواقعة على سواحل البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، وذلك لاستغلالها من أجل استقطاب استثمارات أو إصدار صكوك سيادية جديدة.

وبحسب ذات المصادر، فإن صندوق النقد الدولي أرجأ صرف الشريحة الخامسة من قرضه لمصر، والتي كان من المقرر الإفراج عنها في مايو/أيار 2025. هذا التأجيل مثّل ضربة موجعة لصانعي القرار في القاهرة، في وقت تُواجه فيه البلاد التزامات مالية ضخمة في الداخل والخارج، لا سيما أن الشريحة كانت ستوفر سيولة نقدية عاجلة تمكّن الدولة من تغطية جزء من التزاماتها الدولارية الآنية.

غياب الشريحة الجديدة من الصندوق زاد من حالة الترقب والقلق داخل الدوائر الاقتصادية، خصوصاً أن مصر تحتاج خلال أشهر الصيف المقبلة إلى تدبير موارد مالية إضافية لتأمين واردات الغاز الطبيعي، وهو ما يعني أن البلاد قد تلجأ إلى أسواق الدين مجدداً، في ظل محدودية الموارد الأخرى، واشتداد أزمة النقد الأجنبي حسب كلام المصادر.

كانت الجريدة الرسمية المصرية قد أعلنت يوم الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025 عن قرار الدولة بتخصيص أرض تابعة لها لوزارة المالية في محافظة البحر الأحمر. وتبلغ مساحة الأرض المخصصة أكثر من 174 كيلومتراً مربعاً، والغرض من هذا التخصيص هو استخدام الأرض في جهود الدولة لخفض الدين العام وإصدار صكوك سيادية.

مع أن القرار لم يوضح كيفية استغلال الأرض، إلا أن مصر، التي تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة، سبق أن وقّعت اتفاقاً مع الإمارات في العام السابق لتطوير جزء من الأراضي المطلة على البحر الأبيض المتوسط ضمن مشروع بلغت قيمته 35 مليار دولار. ومنذ ذلك الحين، تبذل مصر جهوداً حثيثة لجذب استثمارات مماثلة بهدف التغلب على هذه الأزمة الاقتصادية.

44 مليار دولار مستحقات 2025.. وأبواب مغلقة

وفي تصريحات خاصة لـ”عربي بوست”، كشف مصدر حكومي بارز من مجلس الوزراء أن مصر مطالبة بسداد نحو 44 مليار دولار خلال عام 2025. هذا الرقم الضخم يفسّر – وفقاً للمصدر – الكثير من التحركات الأخيرة التي اتخذتها الدولة، بدءاً من طرح أصول جديدة للاستثمار، ووصولاً إلى تخصيص أراضٍ واسعة لصالح وزارة المالية بهدف إصدار أدوات دين سيادية مدعومة بالأصول.

غير أن المشكلة تبدو أعمق من مجرد الحاجة إلى سيولة عاجلة. فقد أشار المصدر ذاته إلى أن الحكومة المصرية فشلت حتى الآن في تحريك ملفات التعاون الاقتصادي مع السعودية، بما في ذلك مشاريع مشتركة بمليارات الدولارات كانت قد نوقشت في وقت سابق، لكنّ خلافات في بعض الملفات الإقليمية عطلت التنفيذ، وأضعفت قدرة الدولة على جذب استثمارات خليجية واسعة النطاق.

أراضي البحر الأحمر على طاولة التمويل

تحت ضغط الحاجة العاجلة لتوفير موارد إضافية، اتخذت الحكومة المصرية قراراً استثنائياً بتخصيص نحو مئتي مليون متر مربع من الأراضي على شواطئ البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، بحسب ما أكده المصدر الحكومي.

القرار جاء بعد اجتماع رفيع المستوى الأسبوع الماضي جمع كلاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء ووزير المالية، حيث جرى الاتفاق على تخصيص هذه المساحة لأغراض تتعلق بـ”الاستكتاب في صكوك جديدة” وفق كلام المصدر المقرّب من مجلس الوزراء.

الهدف من هذا التحرك، كما أوضح المصدر، هو إتاحة الأرض كأصل يمكن استخدامه لإصدار أدوات مالية تدر عائداً سريعاً، أو لعرضها مباشرة على مستثمرين عرب كفرص جاهزة للتطوير العقاري والسياحي، بما يشبه تماماً ما حدث في منطقة “رأس الحكمة” التي جرى تخصيصها مؤخراً لصالح استثمارات إماراتية ضخمة.

مفاوضات مع الخليج.. وعودة لسياسات بيع الأصول

بحسب المصدر، فإن الرئيس السيسي وجّه الحكومة إلى فتح باب التفاوض العاجل مع دول الخليج، وعلى رأسها قطر والسعودية، من أجل إقناعها بالاستثمار في المساحة المخصصة على البحر الأحمر، خاصة مع التشابه الكبير مع مشروع رأس الحكمة الذي حصلت فيه أبوظبي على حصة كبيرة مقابل نحو 35 مليار دولار. ويبدو أن القاهرة تسعى لتكرار التجربة، ولكن هذه المرة مع شركاء جدد وفي موقع استراتيجي آخر.

هذا التوجه يشير إلى أن الحكومة عادت مرة أخرى إلى سياسة بيع أو تخصيص الأصول مقابل تمويلات دولارية، وهي السياسة التي أثارت جدلاً واسعاً في السنوات الأخيرة، وسط تساؤلات مستمرة حول جدواها الاقتصادية، وأثرها على سيادة الدولة وحقوق الأجيال المقبلة حسب كلام المصدر.

هل يكفي تخصيص الأراضي لتجاوز الأزمة؟

في السياق ذاته قال مصدر في البرلمان المصري إن تخصيص أراضٍ أو إصدار صكوك جديدة لن يكون كافياً لوحده لاحتواء الأزمة. فالدين العام يتفاقم، وتكلفة خدمة الدين وحدها باتت تستنزف جانباً كبيراً من موازنة الدولة، في وقت تتقلص فيه موارد الدولة الإنتاجية، وتتراجع فيه معدلات النمو، وتتزايد فيه الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين.

وأوضح المصدر أن المعضلة تكمن في أن الحلول المتاحة باتت محدودة: قروض جديدة بأسعار فائدة مرتفعة، أو بيع المزيد من الأصول، أو الدخول في تحالفات استثمارية قد تُفضي إلى تنازلات سياسية. في كل الحالات، يدفع الاقتصاد المصري فاتورة باهظة نتيجة إخفاقات هيكلية تراكمت عبر سنوات، بدءاً من السياسات النقدية والمالية، وصولاً إلى غياب رؤية إنتاجية مستدامة.

تآكل الاحتياطي وغياب السيولة

وكشف مصدر في البرلمان المصري أن الحكومة لم تتوقف عند المئتي مليون متر مربع في البحر الأحمر لكنها بدأت كذلك خطوات أخرى لحصر مساحات جديدة من الأراضي الواقعة في مناطق استراتيجية، خاصة على سواحل البحر الأحمر وبعض المناطق في العريش، بهدف طرحها أمام مستثمرين عرب أو حكومات خليجية خلال الشهور القليلة المقبلة. ويأتي هذا التحرّك في إطار خطة حكومية غير معلنة لتأمين سيولة دولارية عاجلة، في مواجهة أزمة تمويلية خانقة باتت تهدد الاستقرار المالي للدولة.

المصدر البرلماني الذي تحدث لـ”عربي بوست” اشترط عدم الكشف عن هويته، وأوضح أن مصر تحتاج إلى سيولة ضخمة جداً قبل سبتمبر/أيلول من العام الجاري، من أجل الإيفاء بالتزامات ديونها الخارجية المستحقة. وأضاف أن الوضع أصبح “حرجاً للغاية”، بسبب عدم توفر السيولة الدولارية داخلياً، وتآكل مصادر النقد الأجنبي التقليدية.

المصدر لفت إلى أن الخيارات المتاحة أمام الحكومة باتت محدودة، خاصة في ظل تعثر الاستثمارات الخليجية الجديدة، وتأجيل عدد من المشاريع الكبرى التي كان من المتوقع أن تضخ سيولة مباشرة في السوق المصري خلال النصف الأول من العام.

خسائر في الاحتياطي وخروج الأموال الساخنة

في تطور مقلق آخر، أشار المصدر إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي شهد تراجعاً بنحو ملياري دولار خلال الشهر الماضي، وهو ما يعكس هشاشة الوضع الاقتصادي والتقلبات الحادة في السوق المالية. وأوضح أن هذا التراجع يعود جزئياً إلى خروج جزء من الأموال الساخنة، وهي استثمارات غير مستقرة عادة ما تدخل الأسواق الناشئة للاستفادة من فروق أسعار الفائدة، لكنها تنسحب سريعاً عند أول بوادر توتر اقتصادي أو سياسي.

وتابع المصدر: “بسبب هذا التذبذب، خسرنا جزءاً مهماً من احتياطي النقد، والمشكلة الأكبر أن مصر مقبلة على موسم الصيف، وهو أكثر الفترات استهلاكاً للطاقة، ومعها تتزايد الحاجة لاستيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ما يستنزف المزيد من العملة الأجنبية”.

خيارات محدودة.. وقروض مرتقبة

أمام هذا المشهد، يبدو أن الحكومة المصرية مضطرة للعودة إلى أسواق الاقتراض مجدداً، سواء عبر طرح أدوات دين دولية، أو عبر الحصول على تمويلات جديدة من دول شريكة. لكن المصدر البرلماني حذر من أن الاقتراض في الوقت الراهن سيكون بشروط قاسية وبفوائد مرتفعة، خاصة في ظل تراجع التصنيف الائتماني للبلاد، وزيادة المخاطر المرتبطة بسوقها المالي.

وأضاف: “الدولة الآن لا تملك ترف التأجيل، هي مضطرة للبحث عن سيولة في أسرع وقت، ولذلك تلجأ إلى ما تملك: الأراضي، الأصول، وربما المزيد من الشراكات الاستثمارية الطارئة”.

البحر الأحمر والعريش.. مشاريع تحت التحضير

بحسب المعلومات التي حصلت عليها “عربي بوست”، فإن الأراضي الجاري العمل على تخصيصها لا تقتصر فقط على موقع بعينه، بل تشمل مناطق ساحلية إضافية على البحر الأحمر، وكذلك مواقع استراتيجية في شمال سيناء، خصوصاً العريش، التي بدأت تشهد بالفعل اهتماماً من بعض المستثمرين بسبب موقعها الجغرافي القريب من السوقين الإسرائيلي والفلسطيني.

ويُتوقع أن تُعرض هذه الأراضي على صناديق استثمار خليجية، أو تُستخدم كضمانات لعقود استثمارية طويلة الأجل تدر على مصر سيولة مباشرة، في خطوة تعكس العودة المكثفة إلى سياسات بيع أو تأجير الأصول العامة لتجاوز أزمات نقدية حادة.

من رأس الحكمة إلى البحر الأحمر: عقارات في خدمة الدولة

بحسب الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، في تصريحاته لـ”عربي بوست”، فإن هذا النوع من القرارات يعكس استراتيجية متكررة للدولة المصرية في استثمار الأصول العقارية لتعويض نقص الموارد السيادية.

يربط العمدة القرار الجديد بصفقة “رأس الحكمة” الشهيرة التي أبرمتها الحكومة المصرية مع الإمارات، حيث تم منح حق تطوير المنطقة لصندوق أبوظبي السيادي مقابل استثمارات ضخمة.

لكن كريم العمدة يلفت إلى اختلاف في التفاصيل: ففي صفقة رأس الحكمة، كانت وزارة الإسكان ولجنة التخطيط هما الجهتان الفاعلتان، بينما في حالة أراضي البحر الأحمر فإن وزارة المالية هي المتصدرة، والهدف المعلن هو تسديد الدين العام.

الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة

يرى العمدة أن ربط القرار بتسديد الدين العام هو محاولة لإعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة، وهي ثقة تآكلت بفعل ما يعتبره المواطنون إنفاقاً غير رشيد على مشروعات كبرى لا تمس حياتهم اليومية مباشرة.

كما يضيف: “الناس دائماً تقول الفلوس بتروح على الكباري والشوارع، فالدولة بتحاول تقول لا، إحنا هنا هنستخدم العائد في تقليل الدين”. هذه الخطوة قد تعكس إدراكاً داخل دوائر الحكم بأهمية تقديم خطاب اقتصادي جديد، يركز على أهداف مالية ملموسة.

الديون: إرث تاريخي وأزمة مستمرة

مع ذلك، لا يحمّل العمدة النظام الحالي وحده مسؤولية تفاقم الدين العام، مشيراً إلى أن الاعتماد على القروض هو نهج تاريخي بدأ منذ عهد حسني مبارك، حين كانت كافة مشروعات التنمية تموّل عبر الديون.

لكن كريم العمدة يقر بأن الواقع الحالي لا يتيح لمصر رفاهية رفض الديون الخارجية، نظراً لحجم الأزمة. إلا أن المشكلة، كما يوضح، لا تكمن فقط في وجود الديون، بل في غياب “الرشد الاقتصادي” في إدارتها.

مضيفاً إن زيادة حجم الدين تعني تراجعاً في صورة مصر الائتمانية عالمياً، وتقلصاً في فرص الحصول على تمويل إضافي من دول الخليج، التي باتت أكثر حذراً في تقديم الدعم المالي بلا شروط واضحة أو عوائد ملموسة.

تفاصيل قرار السيسي

أفاد الخبير الاقتصادي مصطفى عادل بأن الرئيس المصري أصدر قراراً جمهورياً يقضي بتخصيص حوالي 174 مليون متر مربع من أراضي الدولة في منطقة البحر الأحمر، ما يعادل حوالي 41 ألف فدان، لصالح وزارة المالية. ويهدف هذا التخصيص إلى استخدام تلك الأراضي كضمان لإصدار صكوك سيادية.

وأوضح عادل أن الصكوك السيادية تعتبر أداة تمويلية تختلف عن أدوات الدين التقليدية كالسندات وأذون الخزانة، حيث تمثل حصة شائعة في ملكية أصل أو منفعة أو مشروع معين، وليست مجرد التزام مالي من الدولة بالسداد. وبالتالي، فإن المستثمر الذي يشتري الصك يمتلك فعلياً حصة من أصل يدر عائداً، وهو ما يعتبر ضمانة أقوى، خاصة في حالات التعثر أو التأخر عن السداد، مقارنة بالسندات التي تسدد الدولة قيمتها وفوائدها دون ارتباط مباشر بأصول.

وأشار إلى أن هذا القرار يأتي في توقيت بالغ الحساسية على صعيد السياسة المالية، حيث أعلنت وزارة المالية عن خطتها للاقتراض بنحو 2.7 تريليون جنيه خلال الربع الأخير من العام المالي الحالي، الممتد من أبريل حتى يونيو 2025، عبر طرح سندات وأذون خزانة. ويضاف ذلك إلى اقتراض قياسي بلغ نحو 4.5 تريليون جنيه خلال الأشهر التسعة الأولى من نفس العام المالي، في محاولة لتمويل عجز الموازنة.

وتعتمد وزارة المالية على البنك المركزي بصفته وكيلاً في إصدار أذون وسندات الخزانة، في حين تعتبر البنوك المحلية أكبر مستثمر في أدوات الدين العام، مستفيدة من مستويات الفائدة المرتفعة التي تجعل الاستثمار في الدين الحكومي أكثر جاذبية من تمويل القطاع الخاص أو ضخ السيولة في قطاعات الإنتاج.

وبيّن مصطفى عادل أن الاختلاف الجوهري بين أدوات الدين التقليدية والصكوك يكمن في آلية الضمان. ففي حين تعتبر السندات التزاماً سيادياً يُسدد من الخزانة العامة، حتى في حال تعثر الدولة، فإن الصكوك تصدر بضمان أصل مملوك، ما يمنح حامليها درجة أعلى من الأمان، ويخفف من حدة المخاطر، خاصة إذا كانت الصكوك موجهة للمستثمرين الأجانب أو تتعلق بديون مقومة بعملات أجنبية.

وفي هذا السياق، يُثار تساؤل حول علاقة القرار بمشروعات كبرى مثل مشروع رأس الحكمة، الذي شهد تخصيص أرض بقيمة محددة إلى جهة مستثمرة (شركة أبوظبي التنموية القابضة) ضمن صفقة بلغت 35 مليار دولار. والفرق الجوهري أن صفقة رأس الحكمة كانت استثماراً مباشراً في مشروع محدد، بينما تخصيص أراضي البحر الأحمر لصالح وزارة المالية هو إجراء يمهد لإصدار صكوك، أي اقتراض مضمون بأصل، وليس بيعاً نهائياً أو شراكة في تطوير.

وأوضح الخبير الاقتصادي مصطفى عادل أنه حتى الآن، لا يتضمن القرار الجمهوري سوى نقل الملكية من الدولة إلى وزارة المالية، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل إضافية مثل ما إذا كانت الصكوك ستُطرح محلياً أم دولياً، أو العملات التي ستُسعَّر بها، أو طبيعة المستثمرين المستهدفين. وتُفصح هذه التفاصيل عادة في ما يعرف بـ”نشرة الاكتتاب”، التي تُصدر لاحقاً وتُحدد شروط الطرح وحقوق حملة الصكوك وآلية السداد.

علاقة القرار بصندوق النقد: فصل المسارات

على خلاف ما قد يعتقده البعض، ينفي العمدة وجود صلة مباشرة بين تخصيص أراضٍ لصالح وزارة المالية وبين تأخر مراجعة الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، مؤكداً أن “العلاقة مع الصندوق ما زالت قوية”، وأن الحكومة مستمرة في تنفيذ شروط الاتفاق، بما في ذلك تحرير سعر الصرف، ترشيد دعم الطاقة، وطرح أصول الدولة للاستثمار أو البيع.

لكن ما يلفت الانتباه أن العمدة يرى أن غالبية المصريين لا تهمهم تفاصيل هذه المعادلات الدولية المعقدة، بل ما يشغلهم هو سعر الخبز والزيت والدواجن. من وجهة نظرهم، لا فارق كبير بين تخصيص أراضٍ داخلية أو منح امتيازات لشركاء خارجيين، طالما أن أسعار السلع الأساسية تستمر في الصعود.

احتياطات أجنبية تتآكل وأموال ساخنة تنسحب

يتزامن ذلك مع بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري الأربعاء 11 يونيو/حزيران 2025، تضمنت الحديث عن انخفاض في صافي الأصول الأجنبية بمقدار 1.5 مليار دولار خلال شهر أبريل/نيسان، وذلك مقارنة بشهر مارس/آذار الذي شهد ارتفاعاً عقب الموافقة على المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي.

ووفقاً لحسابات رويترز المستندة إلى سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي، انخفض صافي الأصول الأجنبية إلى ما يعادل 13.54 مليار دولار بعد أن كان 15.08 مليار دولار في نهاية مارس/آذار.

وكان صافي الأصول الأجنبية قد قفز بمقدار 4.9 مليار دولار في شهر مارس/آذار عقب موافقة صندوق النقد على صرف 1.2 مليار دولار لمصر بعد استكمال مراجعته لبرنامج الإصلاح الاقتصادي البالغة قيمته ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى موافقة الصندوق على طلب تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار بموجب تسهيل الصلابة والاستدامة التابع له.

وفي مؤشر على هشاشة الوضع الاقتصادي، يشير العمدة إلى تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي بقيمة مليار ونصف المليار دولار خلال الشهر الماضي، مرجحاً أن يكون السبب في ذلك هو سداد التزامات خارجية أو انسحاب الأموال الساخنة التي تتنقل بين الأسواق بحثاً عن العوائد السريعة في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة.

الخليج ما زال شريكاً.. ولكن بشروط

رغم كل ذلك، تستمر الحكومة المصرية في مساعيها لإقناع العواصم الخليجية الكبرى بضخ استثمارات جديدة. فقد أنهت مؤخراً الترتيبات الفنية لإصدار صكوك بقيمة مليار دولار لصالح الكويت.

يأتي الطرح الخاص في إطار اتفاق مع الجانب الكويتي، ممثلاً في بيت التمويل الكويتي، كجزء من جهود مصر لتنويع مصادر التمويل. وقد تم التوصل إلى الاتفاق بعد تقديم مصر عرضاً رسمياً للكويت لاستثمار مليار دولار في صكوك دولية لمدة ثلاث سنوات.

ولدى مصر ودائع كويتية بالبنك المركزي بنحو أربعة مليارات دولار، تستحق أول شريحة منها بملياري دولار في سبتمبر المقبل، بينما تستحق الشريحة الثانية في أبريل 2026.

في الوقت نفسه تُجري مصر مفاوضات مماثلة مع السعودية وقطر بشأن مشروعات تنموية واستثمارية في مجالات العقارات والبنية التحتية والسياحة. ويفسر العمدة هذا التوجه بأن مصر تفضل شركاءها الخليجيين على غيرهم لأسباب تتعلق بالقرب الجغرافي والعلاقات السياسية، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود قدر من الحذر الخليجي المتزايد في ضوء تراكم الديون وعدم وضوح العوائد.

بين السيادة والسيولة: معادلة محفوفة بالتناقضات

يبقى الجدل قائماً حول ما إذا كانت السياسات الحالية تمثل إدارة فعالة للأزمة أم مزيداً من الارتهان للأصول العامة. فبينما يرى البعض أن تخصيص أراضٍ أو بيعها هو وسيلة حتمية لتوفير السيولة، ينظر آخرون إلى ذلك باعتباره تفريطاً في السيادة الاقتصادية وملكية الدولة.

في سياق متصل، فقد أعربت النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب المصري، في تصريحات خاصة لـ”عربي بوست”، عن رفضها لسياسات الحكومة القائمة على تخصيص وبيع الأراضي والشواطئ بهدف تسديد الديون، معتبرة أن ما يجري يُعبّر عن فشل واضح في إدارة ملفي الديون والاستثمارات خلال السنوات الماضية.

وقالت عبد الناصر: “أنا ضد هذا النهج القائم على بيع الأصول العامة لتسوية الالتزامات المالية. الحكومة لم تتبع سياسات رشيدة في إدارة الديون، وكانت اختياراتها الاستثمارية في كثير من الأحيان غير مدروسة، والنتيجة الطبيعية لذلك أن نجد أنفسنا اليوم نضطر لطرح أراضٍ ومناطق استراتيجية للاستثمار أو للصكوك، فقط لتغطية عجز وسداد ديون”.

وطالبت الحكومة بالشفافية والمصارحة الكاملة مع المواطنين فيما يتعلق بأزمة الدين العام، مشددة على ضرورة كشف الحقائق كاملة للرأي العام حول أسباب تفاقم الأزمة وطبيعة الالتزامات المالية المترتبة على الدولة.

وفيما أكدت دعمها للاستثمارات الخليجية في مصر، شددت النائبة مها عبد الناصر على ضرورة أن تكون هذه الاستثمارات خاضعة لضوابط واضحة، وبما يتماشى مع أحكام القانون المصري. وأضافت: “لا أحد يرفض الاستثمارات العربية أو الخليجية، لكن يجب أن تُدار وفق قواعد عادلة، وليس بمنطق بيع أراضٍ للحصول فقط على سيولة تُستخدم في سداد الديون دون رؤية تنموية شاملة”.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية