ماذا فعلتم من أجل غزة؟
Arab
2 hours ago
share
منذ عدّة أيّام، كُلّفتُ بتمثيل فضائية "فلسطين اليوم" لإلقاء كلمة في اليوم العالمي للتضامن مع الصحافي الفلسطيني، بدعوة من لجنة دعم الصحافيين في بيروت. لم أعرف ماذا أكتب في هذه الكلمة ومن أين أبدأ، وكلّما اقترب موعد الكلمة، كنت أؤجّل كتابتها، إلى أن جاء اليوم الذي من المُفترض بي فيه أن أُلقي الكلمة. استيقظت في الصباح الباكر، وبدأت بكتابة كلمات من وحي حزني الذي عشته بفقدان الزميل العزيز محمد منصور مراسل فضائية "فلسطين اليوم"، الذي استُشهد، بعد ساعات فقط من آخر رسالة له، وشاء القدر أن تكون رسالته الأخيرة معي على الهواء، في الساعة الثانية والنصف صباحاً، لأستيقظ ظهراً على نبأ استشهاده وقد استهدفه الاحتلال في شقته، ليرحل عن عالمنا ومعه زوجته وطفله. أنهيت كلمتي في المؤتمر الصحافي، وطلبت الصور من أصدقائي، ونشرت هذه الصور على منصّة فيسبوك. جاءني تعليق من أحد الزملاء السابقين من غزّة، قائلاً "ليش أنتو الصحافيين شو اعملتوا لغزة؟". استغربت واستشطت غضباً، ومحوت تعليقه، حتى إني أزلت صداقته وحظرته، وشكوت لأحد الزملاء من غزّة في بيروت ما فعله، فقال لي: "لا تلمه كثيراً، الظروف في غزّة صعبة". قال كلمته؟ لكنها لم تغب عن بالي، مرّت الأيام وبدأت أجد له معاذير تخفيفية، إلى أن طرحت على نفسي سؤالاً: ماذا فعلنا كصحافيين من أجل غزّة؟ ألقينا عدّة كلمات كما في المرّات السابقة، نشرنا فاعليات على منصّة فيسبوك، وعدنا إلى حياتنا، لكن هل ما قمنا به أحدث فرقاً؟ ربما نجد لأنفسنا أعذاراً تخفيفية عندما نقول الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والعرب جميعهم، بزعمائهم وتظاهراتهم، لم يوقفوا الإبادة في غزة، فضلاً عن قتل الصحافيين. فماذا باستطاعة الصحافيين الفلسطينيين في بيروت القيام به؟ لم يشهد العالم بثّاً مباشراً وحيَّاً لمستعمِّر يدمّر ويجوِّع ويقتل، بينما العالم يشاهد هذا الجواب هو الذي ارتضيناه لأنفسنا، لكنه ليس الجواب الشافي للصحافيين في غزّة. لماذا نستغرب أن يشعر البعض في غزّة بأنّ ما نقوم به هو شيء صغير، بل ربّما تافه أمام ما يجري من تجويع وإبادة؟ ربما نتحدّث في السياسة والإعلام عن إنجازات كبيرة تحقّقت للفلسطينيين في العالم، لم نكن نحلم بها، لكن هل دقّقنا في الثمن الذي دفعه الأهالي في غزّة؟ وهل نشعر بما يشعرون به، من خذلان ومرارة وأسى؟ نحن جميعاً نتفرّج على تلك المأساة بينما هم يعيشونها بتفاصيلها يومياً، معاناة لإيجاد الطعام والماء، والتهجير المستمر، لا مستشفيات ولا أمان، ولا نوم. لم يرحل مستعمر ما إلا بعد تقديم الشهداء والتضحيات الكبيرة نعم، والأمثلة كثيرة، لكن لم يشهد العالم بثّاً مباشراً وحيَّاً لمستعمِّر يدمّر ويجوِّع ويقتل، بينما العالم يشاهد. لماذا ضاق صدري من تلك الكلمات المُحقِّة، ربما كان باستطاعتنا أن نفعل أكثر من ذلك، وربّما لا. لكن لماذا نظنّ أنّنا أدّينا واجبنا في مؤتمر صحافي ما أو من خلال إلقاء كلمات، أو حتى تظاهرة في الشارع، وهو سؤال نستطيع أن نوجّهه للشارع العربي: لماذا لم تُزلزل العروش، من أجل غزّة، ألم يكن ليتغيّر الحال؟ تعلمنا منكم الكثير، ويجب أن نتعلّم ونعترف أننا مقصّرون بحقّكم مهما فعلنا أعتذر منك يا زميلي، كان لديك كلّ الحق لتقول ما قلته. نعم لم نفعل إلا ما هو أقل من الحدِّ الأدنى، وكان باستطاعتنا أن نفعل أكثر من ذلك، لكننا لم نفعل، نحن في حالة عجز، أمام جبروت أميركا التي دانت له دولنا العربية. لكن أنتم في غزّة لم تكونوا عاجزين، لم تسقطوا، بل قاومتم. ولكي أكون منصفاً، نحن نقف عاجزين أمامكم ونستلهم الصبر منكم، وللحقيقة أكثر وأكثر، لو سقطتم، لسقطت المنطقة بأكملها. من يصدّق أنكم أنتم، بصبركم، وعزمكم، قاومتم وكنتم خطّ الدفاع الأوّل في وجه تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"؟ كلّ يوم يمرّ في غزّة، تثبتون أنكم أنتم الأقوى. من يصدّق أنّ شعباً محاصراً لمدّة سنتين، تتساقط عليه القذائف والصواريخ كالمطر، ليس لديه الطعام والشراب ولا المستشفيات ولا النوم، يصمد. من كان يصدّق أنه في القرن الحادي والعشرين هناك بشر يموتون من الجوع؟! في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، تعلمنا منكم الكثير، ويبدو أنه يجب أن نتعلّم ونعترف أننا مقصّرون بحقّكم مهما فعلنا.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows