
القطا طائر من الطيور البرية اللطيفة، و مما تتميز به أنها لا تسير فرادى، بل تسير في مجاميع؛ لكأنما تريد أن تعلم غيرها أن الروح الجماعية قوة، و أن التفرق أنانية و ضعفا.
و لِمَ لا نتعلم من الطيور، و قد تعلم قابيل من الغراب و كيف يواري سوأة أخيه بعد أن امتدت يده لفعل أول جريمة قتل في تاريخ البشرية حين أقدم على قتل أخيه هابيل،مدعيا لنفسه أحقية و فضلا .
لقد اختط قابيل سنة سيئة، مشت على خطاه ـ عبر الزمن ـ نفوس شقية ؛ تقتل غدرا، أو غيلة و ظلما ؛ لذلك بين القرآن الكريم سوء هذه الجريمة؛ جريمة القتل التي ليس وراءها إلا الظلم المستطير ، فقال جل و علا : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
و ما يستلفت البصر و البصيرة هنا أن هذه الآية الكريمة رغم أنها جاءت تخبرنا بما كُتب على بني إسرائيل؛ فإنها جاءت تعقيبا على الآيات التي ذكرت حادثة قابيل و هابيل، و لا يغيب عن الذهن أن ربط آية التعقيب ببني إسرائيل لم يأت من فراغ؛ و إنما جاءت لتصوِّر تفشي هذه الجريمة في تاريخ هذا الشعب الذي زعم أنه شعب الله المختار ، و يزعمون أن الله فضلهم على العالمين.
هذا الشـــــقاء ، و هذا البؤس و الخبث المتفشي في تاريخ أدعياء التفضيل على سائر الناس بات العالم كله يعرف فيهم هذه الخصال الخبيثة، و التاريخ الإجرامي الذي أزرَى بهم.
و ما نشاهده اليوم من جرائمهم في بلاد الأقصى يعزز ما قاله القرآن الكريم ، و ما رواه التاريخ عن همجيتهم و سلوكهم المُدمن في ارتكاب الجرائم.
كما بات واضحا جدا أن كل فئة تزعم لنفسها أن الله فضلها على غيرها من الأمم هو هوس أصاب آخرين. و إذا كان هوس قابيل هوسا فرديا، فإن هوس ادعياء الأفضلية على الآخرين أصابت البشرية إصابات قاتلة و مدمرة ، لم تحصر في بني إسرائيل، و إنما يدعيها في بلاد المسلمين فئة تزعم لنفسها أنها سيدة الكون، و مَن سواهم مجرد رعاع، و همل،و عليهم واجب التقديس لهذه الفئة التي تزعم أحقيتها في التفضيل على سائر الخلق، و أحقية حكمهم.
لعل البعض لا يعرف أن كثيرا من خزعبلات الحوثي أساسها و مصدرها من اليهود.
عجبا كيف مضى بي القلم بعيدا عما أردته من أي حديث يمت للسياسة بصلة، و كأنني وقعت فيما هربت منه، و قدكنت اخترت الحديث عن القطا، ذلك الطير الذي استوقف أحد بني آدم حيث راح يخاطب سرب القطا معلنا هياما عارما، و حبا جارفا ؛ ليكون دور سرب القطا هنا كطائر ، غير دور الغراب، أو طائر ابن آدم الأول.
فبينما وقف قابيل نادما على جريمة ارتكبها، حائرا بجسد ضحيته، حتى تعرض له الغراب بدرس يتعلمه منه، راح قيس ابن الملوح يتعرض لسرب القطا، يشكو لوعته، لا ندمه، و يبثه لواعج فؤاده، لا حائرا مما جنت يداه، و غرور نفس أمّارة بالسوء ، فراح قيس يشكو وجده،و صبابته :
شكوت إلى سرب القطا إذ مررن بي
فقلــت و مثلي بالبـكاء جــــــــدير
أسِـــرب القَطا هل من مُعير جناحه
لعلـي إلى من قد هويـت أطـــــير؟
فجاوبنني من فــوق غصـن أراكة
ألا كلنـــــــا يا مستعــــــير نعـــير
ترى هل لايزال الغراب دليلا للفئات التي تزعم الأفضلية، و تدعي الأحقية بكل شيئ؟
و هل يا ترى لاتزال أسراب القطا تعير أجنحتها ؟ لعلي إلى من قد هويت أطير؟!
Related News
