لماذا يخشى الحوثيون إب؟ قراءة في حملة الاختطافات الأخيرة
Party
2 hours ago
share

منذ مايو الماضي، تواصلت حملات القمع التي تنفذها مليشيات الحوثي في محافظة إب، حيث شملت عمليات اختطاف لعشرات من الشخصيات الاجتماعية والأكاديمية والمهنية، بالإضافة إلى عدد من المؤثرين المحليين، في تحرك يعكس تصاعد القلق لدى الجماعة من تصدّع سلطتها في مناطق تعتبرها رمزية وخطرة في آن واحد.

 

وفي هذا التحليل، نحاول تتبّع الأهداف العميقة للحملة، ضمن سياق أوسع يعكس حجم الخوف المتراكم لدى الحوثيين من احتمال سقوط مشروعهم، ولماذا اختاروا إب بالتحديد لتكون ساحة تصعيد جديدة في حربهم المفتوحة ضد كل ما يشبه الرفض أو الاستقلالية أو الحضور المدني.

 

 

حملة اختطافات مستمرة

 

خلال الشهر الماضي، صعّد الحوثيون من حملاتهم الأمنية التي استهدفت عشرات المواطنين من مختلف الفئات المجتمعية، وهي حملة لم تتوقف بعد، وتواصلت للشهر الثالث على التوالي، متوسعة من استهداف النشطاء والوجاهات الاجتماعية إلى أطباء ومعلمين وأكاديميين وشخصيات بارزة، في إشارة إلى رغبة واضحة في سحق أي شكل من أشكال التمايز أو القيادة المحلية التي لا تدين بالولاء الكامل للجماعة.

 

ولا يُعرف على وجه الدقة عدد المختطفين، نظرا لحملة التعتيم الإعلامي الممنهج، إلى جانب تهديد أسر الضحايا بردود انتقامية في حال أفصحوا عن اختفاء أقاربهم أو لجأوا إلى الإعلام والمنظمات الحقوقية، غير أن التقديرات تشير إلى أن أعداد المختطفين بلغت العشرات، كما تفيد المحامية والحقوقية إشراق المقطري، التي تؤكد أن "حملة التضييق والخناق وسحب الناس إلى السجون ومراكز الإخفاء القسري لا تزال مستمرة منذ ما يقارب ثلاثة أشهر، بوتيرة مكثفة وأسلوب شبه يومي".

 

وبحسب المقطري، فقد شهدت الأيام العشرة الأخيرة من شهر يوليو الماضي ذروة جديدة في التصعيد، تمثلت في اختطاف عشرات المعلمين بمحافظة إب، وذلك بعدما لاحظت الجماعة أنهم لم يرددوا شعارها الديني ولم يحضروا فعالياتها، مشيرة إلى أن هذه الاختطافات جرت على وجه الخصوص في مديرية فرع العدين، حيث تم اقتياد معلمين من مدرستي النور والسلام، بتهم الانتماء إلى حزب الإصلاح، ليتم نقلهم إلى سجن مدينة الصالح في الحوبان بمحافظة تعز.

 

قمع المقاومة المدنية

 

تمثل محافظة إب، بما تحمله من إرث مدني وثقافي وتنويري، حالة فريدة من أشكال المقاومة الهادئة، أو ما تسميه الباحثة الدكتورة نادين الماوري بـ"التململ الصامت"، وهو النوع من الرفض الرمزي الذي يقلق الحوثيين أكثر من أي تمرد مسلح، لأنه يعكس قناعة داخلية بأن المشروع القائم مؤقت ولا جذور له في الأرض.

 

تكمن أهمية إب في كثافتها السكانية ورمزيتها الثقافية، ما يجعلها بؤرة مزعجة للحوثيين، ولذلك، فإن الحملات الأخيرة التي استهدفت المعلمين والأكاديميين والأطباء كانت محاولات منهجية لخنق كل صوت مدني، وتجفيف منابع أي مقاومة فكرية أو نقابية. 

 

وتقول الماوري إن "الاقتحامات والاختطافات التي يقودها أبو علي الكحلاني في إب لا يمكن فصلها عن الهاجس الأمني والسياسي العميق لدى الجماعة، تجاه محافظة ما تزال تحتفظ بذاتها وبصورتها المستقلة في الوعي اليمني".

 

وتضيف: "من الناحية السياسية، تمثل إب حالة نادرة من التململ الصامت والممانعة المدنية المتراكمة، وهي واحدة من المحافظات القليلة التي لم تنخرط كليا في مشروع الحوثي، على الرغم من محاولات التغلغل عبر الخدمات والمساعدات والمناسبات، وبالتالي، فإن ما نشهده اليوم ليس مجرد حملة لضبط الأمن، بل هو عملية خنق محسوبة تستهدف صوتا لا يزال يشكل تهديدا حقيقيا للمشروع الطائفي للحوثيين".

 

الكحلاني.. نموذج لعنف الحوثية

 

يقود هذه الحملات القيادي الحوثي أبو علي الكحلاني، الذي ينتحل صفة مدير أمن المحافظة، ويمثل بحد ذاته تجسيدًا لاستراتيجية الحوثيين القائمة على العنف كوسيلة وحيدة لإخضاع المجتمعات، خصوصًا في المناطق التي تبدي قدرا من الاستقلال أو المقاومة الرمزية.

 

ومن المهم التذكير بأن إب، وإن لم تكن في حال مثالي قبل هذه الحملات، إلا أن المأساة الكبرى بدأت مع صعود الحوثيين إلى السلطة بالقوة عقب اجتياح صنعاء في سبتمبر 2014، ومنذ ذلك الحين، تعيش الجماعة في ظل قلق دائم من انتفاضة شعبية قد تنطلق في أية لحظة، ما يفسر لجوءها إلى القمع كوسيلة للسيطرة لا كوسيلة للردع فقط.

 

وفي هذا السياق، فإن استقدام الكحلاني إلى إب منذ عام 2022 لم يكن إلا انعكاسا لهشاشة السيطرة الحوثية على المحافظة، وشعورهم المتزايد بأن الحكم هش، وأن استمرارهم مرهون بكمية الرعب التي يستطيعون بثها في نفوس الناس؛ فنهج الكحلاني الدموي لا يعكس الثقة، بل يعكس الهلع والعزلة والانقطاع عن المجتمع.

 

ويمثل الكحلاني ـ الذي تنقّل بين جبهات البطش من الحديدة إلى صنعاء ثم إب ـ النموذج الكامل للحوثية باعتبارها حركة عنف متنقلة، لا تستقر إلا فوق جماجم خصومها، ولا ترى في الاختلاف سوى تهديد وجودي يجب سحقه.

 

وترى الماوري أن استدعاء الكحلاني، المعروف بأساليبه القمعية والدموية، يؤكد فشل القيادات المحلية الموالية للجماعة في بسط النفوذ، مما اضطرها إلى الاستعانة بشخصية أمنية تتجاوز الأعراف والتقاليد المحلية وتفرض منطقها بالسلاح والقمع.

 

ومن موقعه كمرافق سابق لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، إلى أحد أكثر القيادات بطشا والمطلوبين لتحالف دعم الشرعية، لا يزال الكحلاني يراكم جرائم لن تسقط بالتقادم، وفي مقدمتها جريمة إعدام الشاب حمدي المكحل داخل السجن، ورميه من الطابق الثاني، في حادثة هزّت الرأي العام، وتحولت جنازته إلى لحظة تمرد صاخبة ضد "الجلاد".

 

استهداف الذاكرة الجمعية

 

لا تقف الحملة الحوثية عند حدود الأفراد، بل تتعداها إلى محاولة إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية للمجتمع الإبي، بما يتضمنه ذلك من تجريف للوعي وإعادة كتابة التاريخ من منظور طائفي، وهو ما يدفعنا لتأمل البعد الاجتماعي العميق لهذا القمع، كما تطرحه الماوري، التي ترى أن "الحوثيين يخشون تكرار الدور التاريخي الذي لعبه أبناء إب في إسقاط مشروع الإمامة، خاصة في الفترات التي سبقت وأعقبت ثورة 1962".

 

وفي هذا الإطار، فإن استهداف النخب التعليمية والطبية والثقافية لم يكن محض مصادفة، بل هو جزء من خطة أوسع لتفكيك البنية الرمزية للمجتمع، وإفقاده أي مرجعية يمكن أن تذكره بتاريخه الجمهوري ومساهماته في الدفاع عن الدولة المدنية.

 

وبحسب مصادر حقوقية، فإن قائمة المختطفين تضم: الدكتور أحمد ياسين، المعلم فيصل الشويع، الطبيب صادق اليوسفي، المعلم محمد طاهر، نبيل اليفرسي، عبد الرحمن الظافري، صادق النهمي، الطبيب ثائر الدعيس، الباحث محمد عقلان، طلال سلام، وأحمد الشامي، كما شملت القائمة كلاً من المعلمين عبد العليم، ياسر الرحامي، عبده يحيى، والطبيب طه عثمان، وفؤاد العرومي، وأحمد فرحان، والمحامي حميد الحبري، وعبد الملك الأحمدي وشقيقه.

 

صراع على المعنى والدولة

 

في جوهرها، ليست هذه الحملة مجرد إجراء أمني أو تصعيد عابر، بل هي انعكاس لصراع عميق على المعنى والدولة، حيث ترى الجماعة في إب واحدة من آخر السدود النفسية والثقافية التي تعيق مشروعها الطائفي، وبالتالي فإن ما يجري هو محاولة للسيطرة الكلية على المجال الاجتماعي، من خلال محو الفاعلين وإعادة هندسة المجتمع قسرا.

 

وتشير أرقام منظمة "رصد" للحقوق والحريات إلى ارتكاب أكثر من 2200 انتهاك في محافظة إب خلال عام واحد فقط، ما يعكس أننا أمام مشروع قمعي شامل يستهدف كل ما هو حي ومتحرك، وكل ما يحتفظ بذرة رفض أو صوت حر.

 

وباختصار، فإن الحملة الحوثية في إب هي معركة مركبة، تتداخل فيها السياسة بالتاريخ، والخوف بالمقاومة، إنها محاولة لإخماد التململ الصامت، وتجريف الذاكرة، وإفراغ المجتمع من نخبه.

 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows