
يمن ديلي نيوز – حوار خاص: خلال يونيو/حزيران الماضي أعلنت جماعة الحوثي المصنفة إرهابية إتلاف قرابة 35 طناً من المخدرات في العاصمة صنعاء وفي محافظة صعدة، وهي كمية يمكن وصفها بالمهولة، في ظل الحديث المتزايد في أوساط السكان بمناطق الحوثيين عن انتشار المخدرات والجرائم الناجمة عنها.
الكميات التي أعلن الحوثيون إتلافها هي للتي تم ضبطها من بداية العام الجاري حسب تأكيداتهم، وبقدر ما ترى الجماعة في عمليات الاتلاف إنجازاً أمنياً كبيراً، لكن هذا الإنجاز في المقابل يثير تساؤلات لا حصر، عن حجم الكميات الغير مضبوطة والمتداولة سراً، وكيف جاءت هذه الكميات في ظل القبضة الحديدية للجماعة.
هل يعقل أن تكون هذه الأطنان من المخدرات التي تم ضبطها خلال فترة قصيرة دخلت عبر التهريب كما يقول الحوثيون؟ وإذا افترضنا ذلك، كيف وصلت هذه الكميات إلى صنعاء وصعدة متجاوزة مئات النقاط وحواجز التفتيش المنتشرة في كل مكان، إذ أن من الطبيعي أن تضبط في الموانئ أو المعابر البرية إلى مناطق الجماعة؟
في المقابل إذا كانت الجماعة هي من تقف وراء نشر المخدرات وفق ما تتحدث تقارير دولية ومحلية، فلماذا تعلن عن إتلاف هذه الكميات الكبيرة من المخدرات، دون محاكمة من يقف وراء عمليات التهريب، وما أهداف الجماعة من نشر المخدرات، وهل فعلاً يستخدم الحوثيون المخدرات سلاحاً ناجعاً لعسكرة الشباب والأطفال؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها التقى “يمن ديلي نيوز” الحقوقي اليمني المعروف “فهمي الزبيري” الذي يعد أحد أبرز المراقبين الحقوقيين على المستوى اليمني، ويشغل منصب مدير عام حقوق الانسان بالحكومة اليمنية في العاصمة صنعاء، وعمل على عدد من التقارير الإنسانية والحقوقية، وقضايا المخدرات في صنعاء.
نص الحوار:
• بداية نرحب بكم في هذا الحوار الذي يسلط الضوء على واحدة من أخطر القضايا التي تهدد الشباب في صنعاء، وهي المخدرات، وبحكم اطلاعكم على تقارير عن واقع المخدرات في العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين ما هو واقع المخدرات بصنعاء؟
واقع المخدرات في صنعاء كارثي بكل المقاييس؛ خلال السنوات الأخيرة، تحولت العاصمة إلى سوق مفتوح لتجارة السموم، في ظل غياب تام لمؤسسات الدولة وتفشي الفساد على كافة المستويات، وتواطؤ مكشوف من مليشيا الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء.
تقارير ميدانية وشهادات موثوقة تؤكد انتشار المخدرات في المدارس، والجامعات، والأحياء الشعبية، بل وحتى في معسكرات المليشيات وتحول بعض الأحياء إلى بؤر مفتوحة لتجارة السموم والمخدرات، دون أي رادع.
في يونيو من العام الجاري أعلنت سلطات الحدود اليمنية إحباط تهريب كمية كبيرة من الحبوب المخدرة، كانت متجهة من صنعاء إلى المملكة العربية السعودية، حيث ضُبطت مخبأة داخل سقف إحدى شاحنات التبريد، وزادت على مليون و500 ألف قرص مخدر.
وفي عملية أخرى تمكنت كتيبة أمن وحماية منفذ الوديعة تمكنت خلال المدة الأخيرة من إحباط كثير من محاولات التهريب المشابهة، أبرزها عمليات: ضبط أكثر من نصف طن من مادة الحشيش، و15 ألف قرص كبتاغون، و4 كيلوغرامات من مادة (الشابو) المخدرة، إلى جانب ضبط 27 ألفاً و300 قرص مخدر كانت مخفية داخل الباب الخلفي لحافلة نقل جماعي، و4 آلاف و198 قرص في مركبة أخرى، هذه في عملية واحدة، ومنذ سيطرة مليشيا الحوثي وعمليات احباط التهريب لم تتوقف في المنافذ البرية والسواحل، وهو مايؤكد اعتمادها على ترويج وتجارة المخدرات بشكل أساسي.
• ما تفسيركم لانتشار المخدرات بهذا الشكل المخيف بعد سيطرة الحوثيين؟
ليس هناك تفسير بريء لهذا الانتشار، فهو ليس نتيجة فراغ أمني فقط، بل سياسة لإغراق المجتمع في دوامة الانهيار الأخلاقي والسلوكي، وتدمير البنية المجتمعية، خصوصا لدى فئة الشباب.
هي سياسة ممنهجة لقتل الوعي، وضرب القيم، وكسر إرادة التغيير، والمخدرات أداة رئيسية لذلك، وهذا الانتشار ليس عشوائيا أو مجرد عرض اجتماعي، بل هو جزء من سياسة ممنهجة لتدمير النسيج الاجتماعي اليمني، وكسر إرادة الشباب.
الحوثيون يتبعون استراتيجية “إفساد المجتمع ليسهل إخضاعه”، والمخدرات أداة فاعلة في هذا النهج، وعملت ميليشيا الحوثي على استهداف المجتمع واستخدام المخدرات كسلاح استراتيجي لاختراقه، وتمويل العصابات والتنظيمات الإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار، إضعاف الروح المقاومة، ونشر الخنوع والإذلال وتكبيل المجتمع بعجز أخلاقي ونفسي ومحاولة خلق جيل منزوع الكرامة والهوية، وكل ذلك ليس صدفة، بل سياسة موجهة تمارس بوعي وإصرار.
ولم تعد المخدرات مجرد تجارة محرمة بل سلاح سياسي واقتصادي تستخدمه مليشيا الحوثي في حربها المفتوحة ضد الداخل والخارج، بدعم واضح من إيران، التي تسعى لتحويل اليمن إلى منصة جديدة لتهديد الأمن الإقليمي.
• ما مصلحة جماعة الحوثي في نشر المخدرات؟
مليشيا الحوثي تستفيد على عدة مستويات منها التمويل من خلال التهريب والتجارة السرية عبر تجارة تدر مليارات، بعيداً عن رقابة الدولة والتجنيد والإخضاع، المخدرات تُستخدم لتجنيد ضعاف النفوس، والسيطرة عليهم لاحقا ينشرها الحوثي لصناعة مجتمع خانع، مشلول، منزوع الإرادة، والابتزاز، وتفكيك المجتمع وإضعاف قواه الحيّة، خاصة فئة الشباب لإسقاط الشباب في فخ التعاطي، والسيطرة الأمنية من خلال الإيقاع بالمعارضين عبر تلفيق قضايا تعاطي أو ترويج، كأداة ابتزاز وكمين قانوني، ثم استغلالهم كمخبرين أو مروجين، أو إسكاتهم تماما.
التقارير الدولية تؤكد ارتفاع نشاط تهريب المخدرات وأن المنطقة البحرية القريبة من اليمن ومنطقة الخليج تحولت إلى محور لعمل العصابات العاملة في المخدرات، حيث أعلنت البحرية الفرنسية.
في مايو 2024 ضبط نحو خمسة أطنان من المخدرات على متن قوارب تقليدية في بحر العرب، تقدر قيمتها بنحو 70 مليون يورو ما يعادل نحو 80 مليون دولار، بعد أسابيع قليلة على إعلان ضبط أكثر من 2.5 طن من المواد المخدرة في البحر ذاته ما يدل على تفاقم الظاهرة وتحول المنطقة وممراتها البحرية الاستراتيجية إلى مركز تهريب وترويج للمخدرات ما يشكل جرس إنذار بشأن الخطر المحدق باليمن والمنطقة.
كما تستغل المليشيات الحوثية، الموقع الجغرافي الحدودي لمحافظة صعدة اليمنية، مع المملكة العربية السعودية في عمليات تهريب المخدرات باتجاه دول الخليج، بعد إغراق المناطق اليمنية المحررة والخاضعة لسيطرتها.
• هناك معلومات عن مصنع للمخدرات في المحويت.. ما مدى صحة هذه المعلومات؟
نعم، تم الكشف مؤخراً عما يشبه معملاً بدائياً لتصنيع المخدرات في محافظة المحويت، وكان يعمل تحت ستار مشروع عشبي أو علاجي، وما تم الكشف عنه جزء من جبل الجليد، والكشف عنه جاء نتيجة صراع داخلي بين أجنحة الجماعة.
المصنع الذي كشف عنه في المحويت يؤكد أن الحوثيين انتقلوا من التهريب إلى التصنيع، وهو مؤشر بالغ الخطورة ما يعني توسعاً خطيراُ في البنية التحتية للمخدرات.
ووفقا للتقارير الدولية والحكومية، تعد هذه الشبكات واحدة من أدوات إيران الاستراتيجية في تمويل أذرعها بالمنطقة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي، التي تستخدم عائدات المخدرات في شراء الأسلحة وتمويل العمليات العدائية.
• كيف يتم إدخال المخدرات إلى صنعاء برغم السيطرة الحوثية على كل المنافذ؟
الدخول يتم عبر شبكات تهريب تابعة للحوثيين، من مناطق الحديدة، وصعدة، والبيضاء. المخدرات تهرب إما من إيران ولبنان عبر البحر، أو من إفريقيا عبر الساحل الغربي.
ولا يمكن أن تمر هذه الكميات الكبيرة دون تواطؤ القيادات الحوثية، وتعد جريمة نشر وتوزيع والترويج والاتجار بالمخدرات جريمة ضد الإنسانية عندما تكون ممنهجة وموجهة ضد مجتمع مدني، وعلى الجهات الحقوقية والقانونية العمل على تقديم ملفات لتجريم الحوثي في المحافل الدولية ليس فقط كمليشيا متمردة بل كمجرم حرب يستخدم أساليب غير تقليدية لتدمير الشعوب.
• ما تعليقكم على إعلان الحوثيين حرق كميات ضخمة من المخدرات؟
هذا مجرد استعراض إعلامي وإعلان دعائي مفضوح، الهدف منه التغطية على تورطهم في التهريب والاتجار، وفي معظم الحالات لا يتم حرق المخدرات الحقيقية، بل كميات رمزية أو وهمية.
اللافت أنه لا يكشف عن تفاصيل القضايا أو المتهمين أو المسارات القضائية، ما يؤكد التستر، والهدف هو ذر الرماد في العيون، والتغطية على التورط العميق في هذه التجارة والترويج ورغم سيطرتهم على المؤسسات القضائية وتطييفها إلا أننا لم نر أي محاكمات علنية أو كشف حقيقي عن شبكات التهريب، ما يؤكد أن الأمر مجرد مسرحية.
ما واجب المجتمع لمواجهة هذا الخطر؟
الواجب كبير، ويبدأ من رفع الوعي بخطر المخدرات، تفعيل الرقابة المجتمعية والإبلاغ عن بؤر الترويج، بناء مبادرات شبابية ومجتمعية وقانونية أهلية لحماية الشباب، وفضح مروجي السموم والمخدرات، والضغط إعلاميا وحقوقيا لكشف شبكات التهريب ومحاسبة المسؤولين.
مليشيا الحوثي التي قتلت الآلاف، ودمرت المدارس والمنازل، واختطفت النساء، لم تكتفِ بكل هذا، بل لجأت إلى سلاح جديد يُصنّف ضمن أخطر أدوات السيطرة وهي المخدرات، ويجب رصد وتوثيق هذه الممارسات والانتهاكات المتعلقة بترويج وتجارة المخدرات وتجنيد الأطفال، ولا بد من تحرك قانوني عاجل لتوثيق هذه الجرائم، ورفعها للمنظمات الدولية، باعتبارها انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني وحقوق الإنسان، وجزء من آلة تدمير ممنهج.
• ما أبرز أنواع المخدرات المتداولة في صنعاء؟
بحسب التقارير التي تردنا فإن صنعاء أصبحت سوقاً مفتوحة لبائعي المخدرات، بمختلف أنواعها إلا أن هناك سبعة أنواع هي الأبرز تتمثل في “الحشيش الأفغاني والإيراني والكريستال ميث (الشبو) والحبوب المخدرة مثل الترامادول والكبتاجون، والهيروين والكوكايين بنسب أقل.
• كيف تُباع هذه المواد في العاصمة؟
يتم البيع في بؤر معلومة من خلال شبكات ميدانية صغيرة، موزعة في الأحياء والأسواق معظمها برعاية مشرفين حوثيين، أو أفراد يتبعون للجماعة، هناك أيضا مبيعات عبر تطبيقات مثل واتساب وتيليغرام، بأساليب مشفرة يصعب تتبعها، وعبر وسطاء (مروجين) بل وحتى بالقرب من المدارس والجامعات.
• كيف يتم استهداف الشباب بهذه المواد؟
بداية، يتم توزيع كميات مجانية للتجربة، ثم يدمن الشاب ويصبح فريسة للابتزاز، وهناك من يطلب منه التجنيد مقابل تغطية نفقات الإدمان، وهناك من يتم تصويره وتهديده، الأسوأ أن بعض المدارس والجامعات لم تعد آمنة من المروجين ويزج بالشباب في أوضاع معيشية تدفعهم للهرب من الواقع عبر المخدرات لاستغلالهم.
• هل صحيح أن الحوثيين يُعطون المخدرات لمقاتليهم؟
نعم، هناك شهادات من أسر مقاتلين حوثيين ومقاتلين فارين، تؤكد أن المخدرات تستخدم خصوصا في تجنيد واستقطاب الاطفال ويتم استخدامها في الجبهات الأمامية في المعارك والشعور بالقوة والرجولة.
الهدف هو تغييب الوعي، وتحييد الخوف، وزرع التوحش وهذه ممارسات خطيرة تحول عناصرهم إلى آلات قتل لا إنسانية بسبب تعاطيهم الشبو والمخدرات، كما أن المخدرات تغذي بشكل مباشر عمليات العنف التي يمارسها الحوثيون، ويستخدم الحوثيون المخدرات لتجنيد الشباب والأطفال والسيطرة عليهم، لزيادة الولاء، ويعطي الحوثيون مقاتليهم الكبتاغون قبل القتال لزيادة طاقتهم ورفع مستوى عدوانيتهم.
• هل توجد إحصائيات دقيقة عن حجم تداول المخدرات في صنعاء؟
للأسف، لا توجد جهة محايدة تستطيع إجراء إحصاءات شفافة، لكن التقديرات تشير إلى أن ارتفاع مهول في صنعاء ومحيطها على تماس مباشر مع المخدرات، سواء تعاطيا أو بيعا أو ترويجا، وهناك زيادة مهولة خاصة بعد 2015، والمؤشرات الميدانية وتقارير منظمات غير حكومية تؤكد أن الأرقام ارتفعت بشكل كبير منذ 2015، والزيادة تفوق 300% في بعض المناطق، خاصة بين الفئات العمرية 15-30 سنة.
• بصفتكم مسؤولا في مجال حقوق الإنسان، ما هي أبرز القضايا التي وصلتك؟
وصلتنا العديد من الشكاوى من أسر فقدت أبناءها بسبب الإدمان، وأخرى تتحدث عن ابتزاز أمني بتهم مخدرات، أيضا لدينا قضايا لأطفال زجّ بهم في سجون خاصة بسبب رفضهم العمل كمروجين وحالات ابتزاز أمني عبر تهم مخدرات ملفقة، والأخطر من ذلك تجنيد الاطفال وتعاطيهم مواد مخدرة لتغييب وعيهم أثناء المعارك.
واللافت للجميع انتشار أنواع من الجرائم كانت تعتبر نادرة الحدوث في اليمن، والتي تتميز بفظاعتها وقسوة مرتكبيها مثل الإقدام على قتل آبائهم وأمهاتهم وأفراد من الأسرة أو الاعتداء عليهم جنسياً بما في ذلك الأطفال، فضلا عن جرأة البعض الذين يقومون بجرائم القتل بهدف الحصول على مبالغ مالية أو أغراض بسيطة قابلة للبيع وتوفير ثمن المخدرات.
ولذلك نؤكد دعوتنا إلى تفعيل دور الأسرة في مراقبة أبنائها ومتابعتهم للحد من انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب على كافة المؤسسات الحكومية وغير حكومية التي تعي خطورة هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع والاقتصاد، وتفعيل دورها في محاربتها، والتوعية بخطورة المخدرات من خلال القيام بمؤتمرات وندوات عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وتشجيع الشباب على فتح مشاريعهم الخاصة، لتوفير فرص عمل وتقليل معدل البطالة وتحقيق التنمية الاقتصادية.
• ما هي رسالتكم الأخيرة؟
رسالتي للمجتمع اليمني، المخدرات ليست فقط مرضاً وخطراً فردياً، بل سلاح حرب تستخدم ضدنا لإسقاط جيل بأكمله، وعيكم هو خط الدفاع الأول، قاوموا بالصوت، بالقلم، بالتوعية، ولا تصمتوا على قاتلكم البطيء، المعركة اليوم ليست فقط مع رصاصة، بل مع حبة وكبسولة و حشيش، ورسالتي لكل بيت يمني، ولكل أم وأب وشاب، المخدرات ليست مجرد جريمة، بل حرب ناعمة تشن علينا لتدمير وعينا وسلب وطننا، واحموا أبناءكم، لا تستهينوا بأي مظاهر غريبة، وكونوا جزءا من المعركة ضد هذا السلاح القذر الذي لا يقل خطرا عن الصواريخ والبنادق.
ظهرت المقالة حوار خاص مع الحقوقي اليمني “فهمي الزبيري” يسلط الضوء على واقع المخدرات في صنعاء أولاً على يمن ديلي نيوز Yemen Daily News.