
في منطقة بني يوسف، بمديرية المواسط، جنوب محافظة تعز، يمتد -طريق الظفر ذي الطاهرين- كجرح مفتوح يوجع السكان، فهو لم يظهر في خرائط التنمية، لكنه حاضر كل يوم في ذاكرة 12 ألف نسمة، يعيشون على ضفتيه، ويتنقلون عبره بين الخطر والضرورة.
تبدأ معاناة السكان هناك، من أول خطوة، حيث تتكوم الحجارة تحت عجلات السيارات، وتغوص الأقدام في الوحل مع كل موسم مطر، وتتراكم قصص الانتظار واليأس في قلوب سكان أكثر من 24 قرية، تخدمها الطريق وتعد المنفذ الأساسي نحو مديريات دمنة خدير وسامع ومنطقة الحوبان.
وجع بلا نهاية
تروي السيدة “فاطمة علي”، من سكان المنطقة، معاناتها مع مشقة السفر عبر هذا الطريق، وتقول لمنصة ريف اليمن: “في آخر مرة مرض زوجي، حملناه مشيًا على الأقدام، لأنه كان موسم الأمطار، وطريق ذي الطاهرين وعرة جدًا”.
مواضيع مقترحة
-
رصف الطرقات.. مبادرات ريفية لإنقاذ الحياة
-
الطفل مهند وبيع المشاقر: قصة كفاح بزمن الحرب
-
التلفريك في وصاب وريمة: شريان حياة للقرى الريفية
خلال موسم الأمطار الموسمية تتفاقم المعاناة، وتتحول الطريق إلى كابوس يؤرق حياة الأهالي، ويصبح عبور النساء الحوامل مغامرة غير مأمونة، وتقول فاطمة: “الآن أنا حامل، وكل يوم أعيش رعب عدم الوصول إلى المشفى في الوقت المناسب إذا هطل المطر غزيرا وأتلف الطريق”.
بارقة أمل
لم تعد المشكلة حالة طارئة، بل نمط حياة، تعرقل حياة الناس، ويؤكد “أشرف اليوسفي”، أحد السكان، لمنصة ريف اليمن أنه “حين يهطل المطر نُحاصر، فالطريق تتلاشى تحت الماء، ويضطر الأطفال إلى حمل بعضهم للوصول إلى المدارس”.
السائق رفيد مطهر، الذي يعمل في نقل الركاب بين قرى بني يوسف ومدينة تعز، روى تفاصيل مريرة لمنصة ريف اليمن، قائلًا: “الطريق دمرت سيارتي، فكل أسبوع نُغيّر قطعة غيار”. ويضيف: “لا أحد يفكر كيف نعيش، والركاب يتذمرون بسبب التأخير، لكن لا أحد يدرك حجم الخراب تحت العجلات”.
وعلى وقع استمرار معاناة السكان، ولأول مرة منذ سنوات، بدأت السلطة المحلية التحرك، وبحسب مدير عام مديرية المواسط “عبدالجليل الحمادي”، فإن الطريق بات على رأس أولويات المشاريع التنموية المطروحة على المنظمات التي لها تدخلات في المحافظة.

وأكد الحمادي لمنصة ريف اليمن أن “طريق الظفر أحد أبرز الاحتياجات”، لافتا إلى أنه تم اعتماد المشروع لدى منظمة كير بعد تقديمه كحالة عاجلة، وتجري حاليًا التجهيزات النهائية قبل البدء بالتنفيذ، لكن المنظمة اشترطت -كما في معظم مشاريعها- مساهمة مجتمعية بتوفير عشرة آلاف حجر، وهو ما تسعى السلطة إلى جمعه عبر فاعلي الخير.
لم يقف المجتمع متفرجا، بل سجل حضورا إيجابيا، ومنذ أن اشترطت منظمة كير توفير الأحجار، تحرك أبناء المنطقة بشكل غير مسبوق، وتشكلت لجنة محلية، وحددت منطقة لاستخراج الأحجار، وحددت أسماء العاملين، وبدأت العمل على قدم وساق.
وفي نهاية يونيو، شُكلت لجنة تنفيذية تضم مجموعة من أبناء المنطقة للإشراف على التنفيذ وضمان الشفافية، ويؤكد الأهالي أن هذه الشراكة المجتمعية هي الضامن الحقيقي لإنجاز المشروع في ظل غياب واضح للدولة عن مشهد التنمية.
تحرك مجتمعي
التحرك المجتمعي كان فاعلا؛ كون السكان يرون في المشروع بارقة أمل نادرة، “ما لا تفعله السلطة، نفعله نحن بالحجارة والعرق”، هكذا كتب أحد الناشطين في تعليق على فيسبوك.
“شهاب عبدالحليم”، عضو المجلس المحلي، أكد لـ”منصة ريف اليمن” أنهم كانوا حاسمين في تسريع قبول المشروع لدى كير: “سبق أن رفض الصندوق الاجتماعي المشروع لأنه طريق رسمي، لكننا لم نتوقف؛ قدّمنا دراسة فنية، وطرقنا أبوابًا كثيرة، حتى جاء القبول”.

قبل كير كانت هناك مبادرة محلية أطلقها ناشطون من منطقتي العدوة والقحاف قبل سبع سنوات برعاية المغتربين، كانت تحاول شق الطريق بالإمكانات الذاتية. “أحمد الشريف”، أحد مؤسسي المبادرة، يتذكر: “اجتمعنا في بيت مدين طربوش (أحد وجهاء المنطقة)، وأطلقنا مبادرة شبابية بحتة، وفتحنا قنوات تبرع عبر الواتساب، وبدأنا العمل”.
يقول الشريف: “لم نحصل على الدعم من قبل الجهات المعنية، وواجهت المبادرة عراقيل متعددة، مما أدى إلى توقفها مؤقتًا، واليوم مع تبني منظمة كير للمشروع، عادت المبادرة إلى الوراء خطوة، رغم أن روحها لا تزال حاضرة”.
وأوضح الشريف: “ما قمنا به كان نابعًا من وجع الناس، لكننا اصطدمنا بجدار العراقيل، التجربة رغم مرارتها كانت مصدر إلهام لمبادرات لاحقة، وتؤكد أن الحل يكمن في الريف”.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الانمائي، أصبحت الحياة أكثر صعوبة في المجتمعات الريفية في اليمن بسبب تقييد الطرق الوعرة الوصول إلى الخدمات الحيوية، والموارد، والتعليم، وفرص العمل، والإمدادات الغذائية.

The post بني يوسف تعز: وعورة الطريق تحاصر الأهالي ومبادرة تفتح الأمل first appeared on ريف اليمن.