سقطرى المهددة بالخطر: هل تنجو جنة اليمن من العبث؟
Reports and Analysis
5 hours ago
share

تواجه جزيرة سقطرى تهديدات متكررة تُنذر بتدهور بيئتها الطبيعية؛ إذ تتفاقم التحديات بفعل المخالفات البشرية، والذي جعلها مهددة بوضعها على قائمة التراث المعرض للخطر، من قبل لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة العلوم والثقافة (اليونسكو)، إلى جانب ذلك تواجه الجزيرة آثار التغيرات المناخية.

وتم إدراج الجزيرة في العام 2008 ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، اعترافًا بكونها واحدة من أكثر الجزر الغنية بالتنوع البيولوجي في العالم، لكن هذا التصنيف أصبح الآن تحت دراسة لجنة اليونسكو التي زارت الجزيرة في يونيو/ حزيران الماضي، وكان سفير اليمن لدى اليونسكو، محمد جميح قد أطلق في يوليو/ تموز 2024  ما وصفه بـ “جرس إنذار قبل اتخاذ قرار تصنيف الجزيرة على لائحة التراث العالمي المعرض للخطر”.

مؤخراً تفاقمت الأضرار البيئية في جزيرة سقطرى نتيجة الأعاصير المدمّرة التي ضربتها في عامي 2015 و2018؛ بسبب موجات الجفاف الطويلة الناجمة عن تغيّر المناخ، حيث أدّت الظواهر المتطرفة إلى تدمير الشعاب المرجانية، وتآكل التربة، واقتلاع نباتات نادرة، بالتزامن مع تزايد المخالفات البشرية.


       مواضيع ذات صلة

الإنتهاكات بحق البيئة

تتنوع الانتهاكات التي تتعرض لها جزيرة سقطرى، سواء بالإنشاءات المخالفة أو الانتهاكات في مواقع المحمية من قبل الزوار بفعل السياحة التجارية العشوائية التي نشطت خلال السنوات الماضية، إذ إن غياب القوانين الصارمة والرقابة الفعالة من قبل الجهات المعنية أسهم في تفاقم التجاوزات.

لا تقتصر التجاوزات البيئية في سقطرى على السياحة التجارية غير المنظمة، إذ تتعرض الجزيرة لمخالفات جسيمة من قبل أطراف أخرى سواء مستثمرين من الإمارات أو السكان، حيث يمارس البعض بناء عشوائياً في المحميات، ونقل أشجار إلى الجزيرة تسببت بنشر آفات، بالإضافة إلى أنشطة ضارة؛ مثل قطع الأشجار، والرعي الجائر.

تُشكل الممارسات خطورة على الأنواع النادرة، مثل أشجار دم الأخوين، التي تنمو بمعدل بطيء للغاية لا يتجاوز 2 إلى 3 سنتيمترات (حوالي بوصة واحدة) سنويًا، هذا النمو البطيء يجعلها عرضة بشكل خاص لخطر الرعي الجائر؛ مما يهدد بقاءها بشكل مستمر.

سقطرى المهددة بالخطر: هل تنجو جنة اليمن من العبث؟
خيام سياح داخل محمية أشجار دم الأخوين من ضمن المخالفات التي تهدد جزيرة سقطرى (الصورة من صفحة شركة سياحية)

كما تُشكل مشكلة الرعي الجائر تهديدًا كبيراً لشتلات أشجار دم الأخوين، حيث تلتهمها قبل أن تتاح لها فرصة كافية للنمو، ونتيجة لذلك فإن بقاء الشتلات الصغيرة لهذه الأشجار النادرة يقتصر فعليًا على المنحدرات الوعرة التي يصعب الوصول إليها، أو ضمن المشاتل المحمية التي توفر لها بيئة آمنة للتطور.

وقال سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) محمد جميح إن “جزيرة سقطرى تواجه مخاطر متعددة تهدد مكانتها كمحمية طبيعية، وتراث عالمي. أبرز المخاطر الاستثمار في المناطق المحمية، على الرغم من الحماية الدولية التي تتمتع بها الجزيرة بموجب اتفاقيات اليونسكو لحماية التراث الثقافي والطبيعي، والتي تحظر الاستثمار في بعض مناطقها، إلا أن هناك استثمارات غير منضبطة”.

وحذر جميح في تصريح خاص لمنصة ريف اليمن من “الزحف العمراني والحضري، إذ يمثل التوسع العمراني المستمر تهديدًا متزايدًا للمحميات الطبيعية في الجزيرة، بالإضافة استنزاف الثروة المائية والسمكية، حيث تتجاوز عمليات الصيد الحد المسموح به؛ مما يؤدي إلى استنزاف مفرط للثروة السمكية والموارد المائية”.


سفير اليمن لدى اليونسكو محمد جميح: يمثل التوسع العمراني المستمر تهديدًا متزايدًا للمحميات الطبيعية في جزيرة سقطرى، بالإضافة استنزاف الثروة السمكية التي تتجاوز  الحد المسموح به.


وأشار جميح إلى “الصيد الجائر للشعاب المرجانية، وتصديرها إلى الخارج، وهي من الانتهاكات الخطيرة التي تتطلب معالجة فورية، بالإضافة دخول السياح غير المنتظم، حيث يؤدي الدخول العشوائي للسياح إلى مناطق حساسة مثل غابة دم الأخوين وبعض تصرفاتهم إلى انتهاك حرمة المحميات الطبيعية”.

تعد جزيرة سقطرى موطنًا لمحميات طبيعية فريدة، وتزخر بتنوع استثنائي من الأشجار، والنباتات، والطيور النادرة، وتتميز بكونها إحدى أكبر جزر المحيط الهندي، و تُقدر مساحتها بحوالي 3682 كيلومترًا مربعًا، وتمتد على طول يبلغ 135 كيلومترًا. وتمتلك مقومات جغرافية تمنحها أهمية عالمية في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

سقطرى معرضة للخطر 

على الرغم من تصنيف سقطرى ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والذي يتطلب الحفاظ عليه بموجب الاتفاقيات الدولية، إلا أن الانتهاكات التي تقع بشكل متكرر للبيئة جعلها مؤخرا مهددة بوضعها في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، ففي يوليو فتحت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في اجتماعاتها بمدينة نيودلهي ملف وضع جزيرة سقطرى.

وفي مايو/ آيار الماضي زار سقطرى فريق دولي مشترك من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو والاتحاد الدولي لصون الطبيعة في مهمة رسمية لتفقد الأحوال البيئية في الجزيرة، بهدف حسم استمرارية تصنيف الجزيرة كموقع تراث عالمي.

سقطرى المهددة بالخطر: هل تنجو جنة اليمن من العبث؟
لجنة اليونسكو في سقطرى تستمع لشهادات ضمن زيارة ميدانية لتقييم الوضع في الجزيرة في يونيو/ حزيران 2025

فيما يخص زيارة لجنة اليونسكو الأخيرة إلى جزيرة سقطرى، أكد جميح لمنصة “ريف اليمن”، بأن التقرير الرسمي للجنة لم يصدر بعد، ومن المتوقع أن يستغرق إعداد التقرير عدة أشهر قبل إعلانه.

وأضاف جميح: “نحن في انتظار نتائج التقرير الصادر عن لجنة اليونسكو، وذلك لاتخاذ الإجراءات اللازمة والفورية التي من شأنها تلافي إدراج سقطرى على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر”.

‏وفي تصريح سابق، أكد السفير اليمني أن “حماية جزيرة سقطرى مسؤولية الحكومة اليمنية والسلطات المحلية، كما هي مسؤولية اليونسكو، باعتبار سقطرى محمية دولية على قائمة اليونسكو للتراث الطبيعي العالمي (…) ‏أية انتهاكات تقدم عليها أية جهة ستتحمل الجهة المعنية المسؤولية أمام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، والهيئات الدولية المعنية”.

سياحة عشوائية بلا رقابة

وشهدت سقطرى خلال السنوات الماضية تنظيم رحلات سياحية من جنسيات مختلفة تنظمها شركات سياحية غالبيتها مقرها في الإمارات العربية المتحدة، وأخرى تعلن أن مقرها في ماليزيا، وكل الرحلات للسياح الأجانب تتم عبر شركة طيران إماراتية من أبو ظبي تعرف باسم “العربية للطيران”.

ولا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد الزوار، وتمتد معظم هذه البرامج لسبعة أيام وثمان ليالٍ، ويتضمن بعضها إقامة مخيمات على الشواطئ دون تهيئة مسبقة، مما يمسّ بالمخزون البيئي، ويعرّض مناطق حساسة للتدهور.

وبسبب استمرار النزاع في اليمن، مازال تفويج السياح الأجانب إلى جزيرة سقطرى مثار جدل عن دور الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في الرقابة والسماح بدخول أفواج السياح، حيث إن هذا الإقبال المتزايد يفرض ضغطاً متنامياً على البيئة الهشّة في الجزيرة.

سقطرى المهددة بالخطر: هل تنجو جنة اليمن من العبث؟
سائحة أجنبية تأخذ إحدى أنواع الحرباء النادرة من أجل صورة (نشرت الصورة شركة سياحية Hallo Socotra)

وتسوّق شركات السياحية لجولات فاخرة يُروَّج لها على أنها “سياحة بيئية”، لكنها لا تلتزم بمضمون اتفاقية إدراج سقطرى ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو التي تلزم بالحفاظ عليها بموجب اتفاقيات دولية.

وقال المرشد السياحي “عبد الرؤوف الجمحي” إن “بعض السيّاح يشعلون النيران تحت أشجار دم الأخوين، وينقشون كتابات على الأشجار النادرة، ويتركون وراءهم النفايات، ويُزعجون الطيور باستخدام الطائرات المسيّرة”، وفق تقرير CNBC.

وحذر عالم البيئة كاي فان دام -الذي عمل في سقطرى لأكثر من 20عاماً- من المخالفات البشرية التي تهدد البيئة في سقطرى. وقال “إن بعض الأنواع المهدّدة بالانقراض تُقتل فقط من أجل صورة سيلفي”، مشيراً إلى أن أنواعاً نادرة مثل الحرباء يتم اصطيادها أو ليلتقط معها السيّاح صوراً تذكارية.

ضرورة وضع معايير بيئية

وقال الاستشاري في مجال السياحة “فاروق العبسي” إن “إدراج جزيرة سقطرى ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي يضع مسؤولية كبرى على عاتق الجهات المعنية”، وأشار إلى ضرورة “إعداد إطار قانوني شامل لحماية المناطق المحمية، ووضع معايير بيئية صارمة تنظم عمليات الإدارة السياحية، بما يضمن استدامة الموارد والحفاظ على الهوية الطبيعية والثقافية لهذا الأرخبيل الفريد”.

وفي تصريح خاص لمنصة “ريف اليمن”، أكد العبسي على “أهمية تطوير أسس علمية مدروسة قبل الشروع في الترويج المكثف لبرامج السياحة البيئية، التي أثبتت عالميًا قدرتها على تحقيق معدلات نمو سريعة، وزيادة مستمرة في العوائد من الإنفاق السياحي الدولي”.


فاروق العبسي: من الضروري وضع معايير بيئية صارمة تنظم عمليات الإدارة السياحية، بما يضمن استدامة الموارد والحفاظ على الهوية الطبيعية والثقافية لهذا الأرخبيل الفريد


وأضاف العبسي: “على الرغم من القيمة البيئية الهائلة لسقطرى، يشهد الواقع الحالي للجزيرة ترويجًا سياحيًا عشوائيًا، وتسعى شركات سياحية متعددة، تحمل مسميات مختلفة وتستفيد من تأشيرات إماراتية، إلى استثمار المقومات الطبيعية والتراثية لسقطرى بعقلية ربحية ضيقة”.

وقال المستشار السياحي إن “هذه الممارسات تهدد سمعة سقطرى على المدى المتوسط والبعيد، وتحدّ من فرص تحقيق تنمية سياحية متوازنة تليق بتراثها الطبيعي والإنساني”.

وتأكيدًا على أهمية جزيرة سقطرى البيئية، أعلنت الحكومة اليمنية سقطرى محمية طبيعية في عام 2000، ثم صُنفت في عام 2003 كواحدة من المحميات الطبيعية الحيوية، وفي عام 2008، تم إدراج الجزيرة رسميًا ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، اعترافًا بكونها واحدة من أكثر الجزر الغنية بالتنوع البيولوجي على مستوى العالم.

The post سقطرى المهددة بالخطر: هل تنجو جنة اليمن من العبث؟ first appeared on ريف اليمن.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows