سوريا: انتهاكات وحالة طوارئ إنسانية وسط اشتباكات السويداء
Society
1 day ago
share

(بيروت) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن تسعة أيام من الاشتباكات المسلحة والانتهاكات الجسيمة في محافظة السويداء جنوب سوريا تسببت في أزمة إنسانية خطيرة. أدى القتال بين الجماعات المسلحة المحلية التي يقودها الدروز وعشائر البدو المسلحة، والذي تفاقم بسبب طريقة تدخل الحكومة السورية والضربات الجوية الإسرائيلية، إلى انقطاع واسع النطاق للكهرباء والمياه والرعاية الصحية، وأجج خطاب الكراهية الطائفية وخطر الانتقام ضد المجتمعات الدرزية في جميع أنحاء البلاد.

بدأت الاشتباكات الأخيرة في 12 يوليو/تموز 2025، بقتال عنيف بين ميليشيات موالية للشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء، ومقاتلين من البدو موالين للحكومة. مع انتشار العنف، أعلنت الحكومة السورية أنها ستتدخل، ونشرت وحدات من وزارتي الداخلية والدفاع وفرضت حظر تجول في 14 يوليو/تموز. بينما زعمت السلطات أن نشر القوات يهدف إلى إحلال النظام، أفاد السكان بوقوع أعمال نهب وحرق منازل واعتداءات طائفية وإعدامات تعسفية، شملت نساء وأطفال. كما تورطت عشائر البدو المسلحة والميليشيات الدرزية في انتهاكات جسيمة.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "بينما تعاني المجتمعات المحلية في السويداء من النزوح ونقص الغذاء والماء والرعاية الصحية، يُعرقل انعدام الأمن والعقبات السياسية وانعدام الثقة العميق المساعدات الإنسانية. بصرف النظر عن من يسيطر على الأراضي، ينبغي السماح بدخول المساعدات الإنسانية على الفور ودون تدخل".

أفادت الأمم المتحدة أن 93,400 شخص على الأقل نزحوا منذ 12 يوليو/تموز، معظمهم داخل السويداء. دمرت الأضرار الناجمة عن القتال البري والضربات الجوية الإسرائيلية شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات في معظم أنحاء مدينة السويداء. معظم المستشفيات خارج الخدمة بسبب الأضرار المادية، ونقص الموظفين، وحواجز الطرق، وانقطاع الوقود، والإمدادات. تفتقر العديد من الأسر النازحة إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية، مع تزايد المخاطر على الصحة العامة، بما في ذلك تقارير عن وجود جثث غير مدفونة في المناطق السكنية.

في 20 يوليو/تموز، دخلت أول قافلة مساعدات محدودة، نظمها "الهلال الأحمر العربي السوري" (الهلال الأحمر السوري)، إلى السويداء. قال متحدث باسم وزارة الصحة إن الشيخ الهجري رفض دخول الوفد الحكومي المرافق للقافلة. قال عامل في مجال الإغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن وزارة الخارجية أذنت للهلال الأحمر السوري حتى 21 يوليو/تموز بتسليم المساعدات بشكل مستقل، مع توقع وصول قافلة ثانية في وقت مبكر من 22 يوليو/تموز.

قال أحد سكان مدينة السويداء:" لم نحصل على مياه منذ تسعة أيام، والكهرباء مقطوعة منذ بدء القتال. طعامنا كله فَسد، واضطررنا إلى التخلص منها. نحن غارقون في عرقنا. كشطت العفن عن علبة لبن وأطعمتها لأولادي. أكثر ما نحتاجه الآن هو الماء والكهرباء".

وصف شهود الأوضاع في المستشفى الوطني في السويداء بأنها كارثية. قال أحد السكان إن المستشفى مكتظ ولا تتوفر فيه المعدات الطبية الأساسية أو الكهرباء اللازمة لعلاج الجرحى بشكل مناسب. قال: "أصيب ابن عمي بشظايا في مرفقه وبطنه ويحتاج إلى جراحة عاجلة. لكن المستشفى يفتقر إلى المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لإجراء الجراحة".

قال صحفي محلي إنه شاهد العديد من الجثث في المستشفى والمشرحة، بينهم أطفال وعائلات بأكملها. نشر ناشط محلي فيديوهات يظهر فيها ما يُفترض أنه العديد من الجثث، بينها جثة صبي و جثة فتاة عمرها 14 عاما، وأسماؤهم مكتوبة على جباههم. في غياب الطواقم الطبية، نقلت الجماعات المسلحة والمدنيون القتلى والجرحى في مركبات خاصة، بينما وثّق متطوعون عدد القتلى.

أطلع الصحفي هيومن رايتس ووتش على فيديو يُظهر صفحات من سجل الوفيات في المستشفى، تضم أسماء وأعمار وتواريخ وصول وأسباب الوفاة. أحصت هيومن رايتس ووتش 306 أسماء، معظمها وصلت في 16 أو 17 يوليو/تموز، بينها أسماء 23 طفلا على الأقل. نُسبت معظم الوفيات إلى إصابات بطلقات نارية - بعضها في الرأس - وأخرى إلى إصابات بشظايا. قال الصحفي إن هناك العديد من الجثث التي لم تُسجل بعد، بما في ذلك تلك التي لا تزال في المستشفى أو التي نُقلت إلى مرافق خاصة أو ريفية.

في 20 يوليو/تموز، أفاد الهلال الأحمر السوري بوقوع اعتداءات على متطوعيه المحليين، وإحراق مستودع، وإطلاق النار على سيارة إسعاف. قال "الدفاع المدني السوري" إن مسلحين احتجزوا في 16 يوليو/تموز أحد أفراد الاستجابة الطارئة، حمزة العمارين، أثناء قيامة بمهمة استجابة بناء على طلب من "الأمم المتحدة". قالت هيومن رايتس ووتش إن مثل هذه الأعمال تُعرض العاملين في مجال الإغاثة للخطر وتُعرقل جهود الإغاثة.

أشارت مصادر مطلعة إلى أن مكتب وزير الخارجية السوري منع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية من دخول السويداء، بدعوى مخاوف أمنية. أصدرت الوزارة في 20 يوليو/تموز تعميما اطّلعت عليه هيومن رايتس ووتش، أمرت فيه المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية بعدم السفر إلى المنطقة دون موافقة مسبقة. دخول الصحفيين الدوليين إلى السويداء مقيّد أيضا بحسب تقارير.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على جميع الأطراف، لا سيما القوات الحكومية السورية والجماعات المسلحة التي تسيطر على محافظة السويداء، أن تُسهل على الفور المرور الآمن لقوافل المساعدات، وأن تسمح للمهندسين بإعادة الخدمات الأساسية.

يجب احترام وحماية العاملين في مجال الإغاثة والمواد المستخدمة في العمليات الإنسانية. يُحظر شن هجمات على المدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك البنية التحتية المدنية. ينبغي أن تظل الجهود الإنسانية مستقلة ومحمية من التدخل غير المشروع، لا سيما بالنظر إلى انعدام الثقة العميق بين المجتمعات المحلية والحكومة المركزية. على السلطات السورية أيضا أن تسمح للمراقبين المستقلين بالوصول الكامل إلى المناطق المتضررة.

في 16 يوليو/تموز، أدانت الرئاسة السورية الانتهاكات ضد سكان السويداء وتعهدت بالمحاسبة. أعلنت الشرطة العسكرية لاحقا اعتقال جندي واحد لـ "مخالفته للقواعد واللوائح الخاصة بحسن التعامل".

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الهجمات على دمشق والسويداء تهدف إلى الدفاع عن الدروز وفرض منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا.أججت الضربات الجوية المستمرة العداء ضد المجتمع الدرزي بأسره، على الرغم من أن العديد من كبار القادة الدروز وشخصيات الطائفة رفضوا علنا التدخل العسكري الأجنبي ودعوا إلى حل سلمي يتم التفاوض عليه على الصعيد الوطني.

في 16 يوليو/تموز، توسطت الولايات المتحدة في وقف إطلاق النار انسحبت بموجبه القوات الحكومية السورية من السويداء، وسلمت الحكم المحلي والأمن إلى الهياكل التي يقودها الدروز بقيادة الشيخ الهجري، مما أعاد فعليا الحكم الذاتي غير الرسمي للمحافظة.

لم يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار أي أحكام تتعلق بحماية المدنيين أو وصول المساعدات الإنسانية أو المساءلة. لم يتطرق أيضا إلى النزوح الجماعي أو انهيار الخدمات أو تزايد خطر الانتقام الطائفي. لم يُشرك ممثلو البدو في المفاوضات.

عقب وقف إطلاق النار في 16 يوليو/تموز، احتشد آلاف المقاتلين من بدو العشائر من مختلف أنحاء سوريا نحو السويداء بعد أن أفادت وسائل إعلام حكومية عن هجمات انتقامية شنها مقاتلو الهجري على مدنيين بدو. يبدو أن السلطات لم تبذل أي جهد لمنع تحركهم.

وسط الاشتباكات، انتشرت على الإنترنت تهديدات طائفية ضد الدروز في سوريا، مع دعوات إلى مقاطعة الشركات المملوكة للدروز وطرد العمال الدروز، وتهديدات بطرد الدروز من دمشق، ومزاعم بأن الطائفة بأكملها متواطئة مع أفعال مقاتلي الهاجري وتدعم التدخل الإسرائيلي.

في خطاب ألقاه في 19 يوليو/تموز، أشار الرئيس أحمد الشرع إلى المقاتلين الدروز بوصفهم "مجموعات خارجة على القانون" وأشاد بتوافد المقاتلين البدو نحو السويداء، ما يثير مخاوف من أنه يُشجع عمليات الانتقام التي تشنها أطراف غير تابعة للدولة بدلا من تعزيز الأمن بقيادة الدولة تحت سقف القانون.

بحلول 21 يوليو/تموز، عاد الهدوء النسبي إلى السويداء بموجب وقف إطلاق نار جديد، وأعلنت السلطات انسحاب مقاتلي عشائر البدو من المدينة وسيطرة قوات الأمن الداخلي على الطرق الرئيسية. تم إجلاء عائلات البدو المحاصرة في المدينة. رغم أن المسؤولين قالوا إن مغادرة العائلات مؤقتة، لا تزال هناك مخاوف من أن هذه العائلات قد لا تتمكن من العودة بأمان دون ضمانات واضحة. مع ذلك، يواصل السكان الإبلاغ عن تدمير المنازل وتزايد عدد الضحايا وانهيار الخدمات.

قال كوغل: "تمكين الحكومة للجماعات المسلحة غير الخاضعة لسيطرتها لا يؤدي إلا إلى تعميق الفوضى، في وقت تحتاج فيه سوريا إلى قوات أمن تتحلى بالمهنية وخاضعة للمساءلة تمثل جميع الطوائف وتحميها دون تمييز. ينبغي أن يقترن تخفيف حدة التصعيد مع حماية المدنيين وضمان عودتهم الآمنة، وإعادة الخدمات، وبناء الثقة من جديد".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows