إيران: مخاوف من توقف صادرات النفط وتشديد العقوبات
Arab
7 hours ago
share

مثّلت الحرب الإسرائيلية والأميركية على إيران تحدياً كبيراً لاقتصادها المأزوم الذي يعاني منذ سنوات من تضخم مرتفع، وتراجع متواصل في قيمة العملة المحلية، واضطرابات في أسواق الصرف، وعجز في الميزانية، وغياب الاستثمارات الخارجية، وضعف القطاع المصرفي والمالي، والاعتماد على الاقتصاد الريعي، واحتمالية وقف صادرات النفط في حال تشديد العقوبات الأميركية.

ومع بدء العدوان الإسرائيلي ثم الأميركي على إيران في 13 يونيو/حزيران الماضي، توجهت الأنظار نحو الاقتصاد الإيراني المتأزم لرصد تداعيات الحرب عليه، غير أنّ المؤشرات الاقتصادية الإيرانية بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، لم تختلف عن سابقاتها قبل الحرب، على خلاف التوقعات. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أنّ الأزمة الاقتصادية في إيران مرشحة على الأرجح لمزيد من التفاقم مستقبلاً، في ظلّ غياب أي أفق لاتفاق إيراني أميركي، يؤدي إلى رفع العقوبات التي ترهق الاقتصاد الإيراني منذ سنوات.

البورصة أبرز المتضررين من الحرب

عن أبرز القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تضررت خلال الحرب، قال الخبير الاقتصادي الإيراني، إيرج يوسفي، إنّ البورصة كانت السوق الوحيدة التي تضررت، لكن لعدة أسباب لم تتضرر القطاعات الاقتصادية الأخرى في البلد، قائلاً عن هذه الأسباب إنّ فترة الحرب لم تكن طويلة بما يكفي لكي تتضرر البنى التحتية للقطاعات الاقتصادية، أو تنفد المواد الأولية أو المنتجات والسلع الأساسية من المخازن، ولم تلحق بالمنتجات أو مخرجات القطاعات الاقتصادية أضرار تذكر. وأضاف يوسفي أن المشكلة الوحيدة كانت في سوق الأسهم، حيث توقفت البورصة عن العمل، مما أدى بطبيعة الحال إلى ظهور نظرة سلبية لدى المستثمرين وأصحاب الأسهم تجاه رؤوس أموالهم، وكما لوحظ عند إعادة فتح البورصة، بداية الأسبوع، تحولت جميع المؤشرات إلى اللون الأحمر، وشهد هذا القطاع خروجاً حاداً للأصول.

وأعادت السلطات الإيرانية، السبت الماضي، فتح سوق رأس المال بعد 12 يوماً من الحرب، ليسجل المؤشر العام للبورصة هبوطاً قدره 62000 نقطة، أي أكثر من 2%، كما انخفض مؤشر الوزن المتساوي بنسبة 1.68%. في الوقت ذاته، خرج من السوق أكثر من 2450 مليار تومان (30 مليون دولار)، ليصل معدل خروج السيولة إلى أكثر من 60%، ويسجل بذلك رقماً تاريخياً في تعاملات سوق الأسهم.

وشدد يوسفي على أنه، بالإضافة إلى قصر مدة الحرب، فإن العقوبات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة جعلت المنتجين يحتفظون عادة بمواد أولية تكفي لعدة أشهر، ولهذا لم تُصب القطاعات الإنتاجية بأضرار خلال 12 يوماً من العدوان، مؤكداً أن هذا الإجراء رغم أنه يفقد تبريراً اقتصادياً كبيراً، لكنه أدى إلى عدم نفاد المواد الأولية بشكل ملحوظ، وخلال فترة ما بعد الحرب سيجري تعويض أي نقص، لذا لم تُلاحظ أضرار كبيرة في قطاع الإنتاج، بينما شهدت قطاعات السوق والخدمات أضراراً واضحة.

وبحسب الخبير الاقتصادي الإيراني، فإنّ السوق كانت مغلقة خلال أيام الحرب، وهو ما ألحق ضرراً بقطاع الخدمات التجارية، لافتاً إلى أنّ إغلاق الأسواق بخاصة في القطاعات الرئيسية، مثل الذهب والدولار، يؤدي بشكل طبيعي إلى غياب تقلبات الأسعار، ومن جهة أخرى فإنّ موسم الحرب كان يتزامن مع فترة الذروة في إنتاج القمح والبقوليات والشعير والفواكه الموسمية، وعليه لم تشعر السوق بأي نقص في السلع الأساسية خلال فترة الحرب.

وشهدت الأسواق في الأيام الأولى للحرب حالة من الهلع لدى المواطنين واندفاعهم إلى المتاجر، لكن مع مرور الأيام تبيّن أنه لا وجود لأزمة حقيقية في السلع الأساسية، ولا في القطاع الإنتاجي، وهو ما ساهم في أن تهدأ المتاجر، وتختفي الطوابير أمامها، بحسب الخبير الإيراني. وأكد يوسفي في حواره مع "العربي الجديد" أنّ قطاعات الخدمات والأسواق، مثل سوق طهران وبعض القطاعات الطبية والخدمية الأخرى، واجهت صعوبات بسبب إغلاق العاصمة، وانتقال معظم السكان مؤقتاً إلى المدن الأخرى هرباً من الحرب.

وأشار الخبير يوسفي أيضاً إلى أن سعر الدولار لم يشهد ارتفاعاً كبيراً خلال فترة الحرب، بل ارتفع بنسبة تراوحت بين 10 إلى 12%، بسبب أنشطة المضاربين خارج نطاق السوق، حيث ارتفع سعر الصرف من 825 ألف ريال لكل دولار إلى 940 ألف ريال، لكنه عاد وانخفض مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار، اعتباراً من الثلاثاء الماضي، مضيفاً أنّ السعر ارتفع قليلاً في الأيام الأخيرة فقط، بسبب ركود سوق الأسهم، وسوق العقارات، وسوق السيارات، مما أدى إلى انتقال السيولة نحو سوقي العملات والذهب.

وسجلت معدلات التضخم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الإيراني الجاري (من 21 مارس إلى 21 يونيو) نسباً بلغت 31.9%، 33% و34.1% على التوالي، حيث تظهر المتوسط لهذه المعدلات رقماً يبلغ 33%. وذلك في حين بلغ متوسط التضخم في ربيع العام الماضي 36%.

أزمات ما بعد الحرب

مع إعلان وقف إطلاق النار، وانتهاء المواجهات الإيرانية الإسرائيلية، أقله في الوقت الراهن، باتت الأنظار تتجه إلى الاقتصاد الإيراني، والذي لا يقتصر فقط على إعادة البناء والتعمير، بل يجب أن يستفيد من هذه الصدمة، باعتبارها فرصة لصياغة نموذج جديد لإصلاح الهياكل المتآكلة، وإعادة تعريف السياسات الداعمة، وتعزيز الثقة العامة، وإعادة وصل الروابط مع العالم الخارجي. لكنّ هذا الطريق ليس سهلاً، فاقتصاد ما بعد الحرب يقف اليوم عند نقطة صعبة تفرض عليه مواجهة العجز في الميزانية، وغياب الاستثمارات، وضعف النظام المصرفي، إلى جانب تلبية الاحتياجات المعيشية العاجلة للمواطنين، وفق محللين.

في هذا الإطار، يرى حميد رضا صالحي، رئيس لجنة الطاقة في غرفة تجارة إيران، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الحرب ولقصر مدتها لم تؤثر بشكل خاص وسلبي في الاقتصاد الإيراني، باستثناء سوق البورصة. غير أنّه يؤكد أنّ الاقتصاد الإيراني سيبقى بعد الحرب يواجه المشكلات السابقة نفسها، مثل العقوبات، وعجز الموازنة، واختلال التوازن في قطاع الطاقة، والتضخم.

وأشار صالحي إلى أنّ جميع هذه العوامل تُساهم في زيادة السيولة النقدية في الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي سيترك آثاراً سلبية مع استمرار التضخم وعجز الموازنة. وأكد أن عدم الانفتاح على العالم، واستمرار العقوبات حتى اليوم، حالَ دون تحقيق نموّ ملحوظ في الإيرادات غير النفطية، ما قد يُشكل تحدياً في المستقبل.

يشار إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لعجز الميزانية في إيران هو انخفاض أسعار النفط العالمية. فعلى الرغم من أن الحكومة الإيرانية حددت في مشروع موازنة العام الحالي سعراً للنفط عند 63 يورو، أي ما يعادل حوالي 72 دولاراً للبرميل، فإنّ تراجع السعر العالمي للنفط إلى نحو 65 دولاراً للبرميل يشكل تحدياً أمام البلاد التي تواجه عقوبات أميركية شاملة وقاسية، ساهمت في عدم دخول نسبة كبيرة من إيرادات النفط ضمن دورة الميزانية.

كما أفاد رئيس لجنة الطاقة في غرفة تجارة إيران، في حديثه مع "العربي الجديد"، بأنّ الحكومات الإيرانية والبرلمان اتجهوا منذ سنوات إلى تنظيم اقتصاد البلاد، بناء على استمرار العقوبات وانخفاض العائدات النفطية، ما اعتبره "فرصة لدفع الاقتصاد الإيراني تدريجياً للخروج من نمط الاقتصاد الريعي الحكومي المعتمد على النفط وتقليص حجم القطاع الحكومي". وبحسب صالحي "من شأن هذا المسار أن يُوجّه الاقتصاد الإيراني نحو الإنتاجية ويُساهم في تحقيق النمو الاقتصادي".

وأشار الخبير الإيراني إلى أَن التهديد الأبرز الذي قد يواجه الاقتصاد الإيراني مستقبلاً يتمثل في إمكانية توقف صادرات النفط. كما تناول تحدياً آخر هو اختلال التوازن في قطاع الطاقة، حيث إن عوائد هذا القطاع منذ سنوات تعاني من انخفاض كبير ولم تحقق وضعاً جيداً. وتشير البيانات إلى أن نسبة العجز في الكهرباء والغاز أثناء ذروة الاستهلاك تبلغ 33% و35% على التوالي من القدرة الإنتاجية للبلاد، بينما وصل العجز في البنزين والديزل إلى 20% و5% على التوالي من القدرة الإنتاجية لهذين المصدرين للطاقة.

ووفقاً للتقديرات، فإن عجز الطاقة السنوي يُلحق بالبلاد خسائر تقارب 20 مليار دولار، أي ما يعادل ضعف حصة الحكومة من عائدات النفط في العالم الحالي. يأتي ذلك في وقت تظهر فيه الدراسات الخاصة بأكبر منتجي الطاقة في العالم، وفي مختلف أنواع الطاقة، أن إيران تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج النفط والمكثفات الغازية، والثالثة في إنتاج الغاز الطبيعي، والرابعة في إنتاج الموارد الهيدروكربونية، والحادية عشرة في إنتاج الكهرباء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows