التضخم وتقلبات الجنيه والضرائب.. ثالوث طارد للمستثمرين من مصر
Arab
5 hours ago
share

تحول التضخم إلى العدو الأول في قائمة المخاطر التي تواجه الشركات والمستثمرين في مصر لتأثيره المباشر في قدرة الشركات على زيادة العرض من المنتجات والمخزون وتراجع طلب المستهلكين. احتلت تقلبات سعر الصرف المرتبة الثانية في قائمة المخاطر التي رصدها "بارومتر الأعمال" عن الربع الأول من عام 2025، الصادر اليوم الاثنين عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، والتي تُوجِد صعوبة أمام الشركات في استيراد المواد الخام وترفع من أسعار مستلزمات الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالإضافة إلى تشوهات تعدد أسعار الصرف، بما يعرقل التعاقدات المستقبلية.

يظهر التقرير الذي تعده نخبة من كبار المستثمرين وخبراء الاقتصاد صورة شديدة التعقيد لمناخ الأعمال والتحديات التي تواجه المستثمرين، لا سيما في القطاع الخاص، مبيناً أن الشركات المصرية، على اختلاف أحجامها، تصنف التضخم أكبرَ خطر مباشر على مستقبل الأعمال، وأن ارتفاع الأسعار لا يضرب فقط القدرة الشرائية للمستهلك، بل يرفع تكلفة الإنتاج ويعقد حسابات التوسع والاستثمار، مبيناً أن التضخم، وإن لم يكن حكراً على خلال العامين الماضيين - إذ شهدت دول مثل تركيا والأرجنتين وحتى ألمانيا مستويات تضخم غير مسبوقة - لكن في الحالة المصرية، تضاعفت حدته بسبب أزمة سعر الصرف وتقييد الواردات.

ويشير التقرير إلى قفزات في أسعار الكهرباء والمياه والرسوم المفروضة على الخدمات الحكومة، وتفاوتها بين المحافظات مع قيود في تصاريح العبور بالمنافذ الحدودية، ما أدى إلى ارتفاع مستمر في تكاليف التشغيل، متوقعاً أن تشهد نتائج الربع الثاني من العام الجاري (إبريل - يونيو 2025) زيادة في مطالبات العمال برفع الأجور مع عدم توافر السيولة النقدية للاستثمار، في وقت أصبحت تتصدر فيه أسعار الطاقة والمياه المعوقات التي تواجه الصناعات التحويلية والسياحة والنقل.

تكشف الارقام قفزات في أسعار الكهرباء والمياه والرسوم المفروضة على الخدمات الحكومة، وتفاوتها بين المحافظات مع قيود في تصاريح العبور بالمنافذ الحدودية، ما أدى إلى ارتفاع مستمر في تكاليف التشغيل

وتأتي المخاوف مواكبة لتقارير دولية صدرت الأسبوع الماضي، تظهر زيادة معدلات خروج "مليونيرات" مصر وبحثهم عن ملاذات آمنة في الخارج بسبب التضخم وتذبذب سعر الصرف وتحملهم الآثار السلبية لقرارات اقتصادية لا يشاركون في صناعتها.

ويبين التقرير نفسه أن شركات كثيرة أبلغت عن فقدان القدرة على تسعير منتجاتها أو توقيع عقود طويلة الأجل، وهو ما أدى إلى توقف استثمارات كانت قيد الدراسة أو التنفيذ، وأن تقلب سعر الصرف وغياب الشفافية بشأن السياسات النقدية يتصاعدان في بيئة تفتقر إلى الثقة ولا يستطيع فيها المستثمر التنبؤ بتكلفة الدولار، ولا يموعد الاستيراد، مشيراً إلى مفارقة حول مواجهة دول كثيرة في المنطقة ضغوطاً على عملاتها، لكن مصر – بحسب التقرير – اختارت إدارة سعر الصرف بشكل غير واضح سنوات، ما خلق فجوة بين السوق الرسمية والسوق الموازية بما شجع على المضاربات، وأفقد الاقتصاد القدرة على جذب استثمارات نوعية طويلة الأمد.

ويفسر عضو مجلس الأعمال المصري – الكندي أحمد خطاب الأزمات التي تواجه الشركات والمستثمرين بأنها مشاكل خطيرة تعد ظواهر عالمية، لا يمكن القضاء عليها دفعة واحدة في أي دولة، خاصة مصر التي تعاني من أزمات جيوسياسية خارجية متكررة، وحالة من تغيير واسع في التحولات السياسية، مشيراً إلى اعتياد القيادات السياسية في الخارج على التدخل في إدارة الاقتصاد، بما يحيده عن مساره الطبيعي، مثل ما يفعل الرئيس الأميركي ترامب حالياً، ومحاولة تدخله في سعر الصرف وخفض معدلات الفائدة، من دون موافقة من الفيدرالي الأميركي أو آليات السوق الحرة.

وقال خطاب لـ"العربي الجديد" إن وجود هذه المشاكل عالمياً لا يعني أن مصر خالية منها، ولكن علينا أن نضع في حساباتنا ما هي النسب المطلوب الوصول إليها بما يضمن القضاء على المعوقات التي تواجه المستثمرين المكلفين حالياً بتوفير فرص العمل لملايين من المصريين، وخاصة الشباب من خريجي الجامعات والعمال وغيرهم، بعد أن وضعت الحكومة سقفاً للاستثمارات العامة، وتوقفت عن تعيين الخريجين أو إلحاقهم بوظائف رسمية إلا بحدود ضيقة، مشيراً إلى حاجة الحكومة إلى وضع أولويات للحلول، وتوفير الدعم المالي الكافي للإدرات التي تعاني من تراكم المشاكل التي تعترض المستثمرين.

تُظهر بيانات "بارومتر الأعمال" أن تكاليف الإنتاج ارتفعت في أغلب القطاعات لأن السبب لا يقتصر على أسعار السلع العالمية أو الشحن، بل يعود إلى ضعف البنية اللوجستية وتأخر الإفراج الجمركي، ومشكلات في إمدادات الطاقة والمواد الخام

تُظهر بيانات "بارومتر الأعمال" أن تكاليف الإنتاج ارتفعت في أغلب القطاعات لأن السبب لا يقتصر على أسعار السلع العالمية أو الشحن، بل يعود إلى ضعف البنية اللوجستية وتأخر الإفراج الجمركي، ومشكلات في إمدادات الطاقة والمواد الخام. وصف المستثمرون الصناعيون المشاركون في التقرير الأزمة بأنها "تحوّلت من تحدٍ طبيعي إلى أزمة هيكلية"، مذكرين بأن الشركات في مصر لم تعد قادرة على الاستفادة من وفورات الحجم أو التخطيط طويل الأجل، كما يحدث في المغرب أو الهند، حيث توجد سياسات صناعية مشجعة وواضحة، بينما في مصر تتذبذب السياسات الاقتصادية، وهو ما انعكس في تقلب القرارات الحكومية، خاصة تلك المتعلقة بالاستثمار والتعامل الضريبي والرقابة المالية.

ذكر ممثلو القطاع الخاص في التقرير أنهم يشعرون بأنهم يعملون في ظل قواعد تتغير فجأة، ولا يُشاركون في صياغتها، ما يتناقض مع ما يحدث في دول المناظرة لمصر في المنطقة، حيث توجد آليات تشاور منتظمة بين الحكومة ومجتمع الأعمال، بينما في مصر، لا يزال الحوار الاقتصادي مرتبطاً بظروف مؤقتة، ويغيب عنه التمثيل الحقيقي للقطاع الخاص، وغالباً ما يُدار في شكل "استماع دون تأثير"، على حد وصف أحد المعلقين على التقرير من رجال الأعمال. وجاءت التقديرات العشوائية للضرائب وتهديد المستثمرين بها في المرتبة الثالثة من المخاطر التي تواجه رجال الأعمال، الذين اشتكت غالبيتهم من النظام الضريبي، من حيث النسب وآلية التطبيق.

يشير تقرير "بارومتر الأعمال" إلى وجود "تقديرات غير دقيقة" و"مطالبات قديمة بأثر رجعي" تُوجِد حالة من انعدام اليقين، وتشجع الشركات والمستثمرين على الخروج من الاقتصاد الرسمي، وفي حين تحاول دول أخرى استخدام الضرائب وسيلةَ دعم وتحفيز للقطاع الإنتاجي، تبدو السياسة الضريبية في مصر أداةً رقابيةً أكثر منها شراكة تنموية، بما يزيد من معدلات الهروب الضريبي، ويدفع الشركات الصغيرة لللتوقف النهائي عن العمل أو الانكماش. ويظهر التقرير أن البيروقراطية لا تزال تمثل كابوساً يومياً للمستثمرين بسبب تعدد الجهات وغياب الربط الإلكتروني الحقيقي بينها، وبطء إصدار التراخيص، والردود غير الحاسمة من قبل الموظفين على المستثمرين، ما ساهم في تصنيف "الروتين الإداري" أحدَ أبرز المعوقات.

يظهر التقرير أن المخاطر التي تواجه المستثمرين ليست حكراً على مصر، فهي تظهر في العديد من الدول بالمنطقة، مؤكداً انفراد مصر بتركيز وتجمع وتراكم الأزمات الخاصة بارتفاع الأسعار وضعف العملة والتضخم والغموض الضريبي والبيروقراطية السلبية في آن واحد، مع غياب رؤية اقتصادية طويلة الأمد والمشاركة المجتمعية، حيث تصدر أغلب القرارات الاقتصادية دون نقاش أو إطار مؤسسي واضح مع القطاع الخاص، وازدواجية دور الدولة بجعل الحكومة طرفاً منظِّماً ومنافساً في الوقت نفسه، خصوصاً عبر الكيانات التابعة لها والأجهزة السيادية، وتآكل الثقة، ليس في المؤسسات فقط، بل في القواعد المشغلة والحاكمة لها، بما يجعل كل قرار استثماري محفوفاً بالشك والمخاطر.

يشير تقرير "بارومتر الأعمال" إلى وجود "تقديرات غير دقيقة" و"مطالبات قديمة بأثر رجعي" تُوجِد حالة من انعدام اليقين، وتشجع الشركات والمستثمرين على الخروج من الاقتصاد الرسمي

طالب مسؤولو الشركات بثبيت السياسة النقدية وسعر الصرف في إطار شفاف وإعادة هيكلة النظام الضريبي على أسس عدالة وشراكة، وتبسيط الإجراءات وربط الجهات إلكترونياً بفعالية، وفتح قنوات حقيقية للحوار المؤسسي مع رجال الأعمال وتحييد الدولة عن النشاط التجاري المباشر، والاقتصار على الدور التنظيمي. أوضح المسؤولون أن مصر لا تعاني وحدها من المخاطر الاقتصادية، لكنها تواجهها بدرجة أعلى وبأدوات أقل فاعلية، وبينما تغادر رؤوس الأموال وتفقد الشركات ثقتها، يبقى مستقبل الاستثمار رهيناً بقدرة الحكومة على التغيير لا فقط في القرارات، بل في النهج نفسه، لأن الإصلاح الهيكلي لم يعد خياراً بل ضرورة بقاء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows