
شهدت المحكمة الاتحادية العليا في العراق تحولاً لافتاً، مع إحالة رئيسها على التقاعد، وتسمية بديل عنه، في خطوة تعيد الأضواء إلى المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة في البلاد، والتي أناط بها الدستور الفصل بين السلطات الثلاث، وإنفاذ نتائج الانتخابات وتصديقها، ومع هذا التغيير عبّر سياسيون عراقيون عن تفاؤلهم بإبعاد "الهيمنة السياسية" عن قرارات المحكمة.
وكان مجلس القضاء الأعلى في العراق قد أعلن أمس الأحد، موافقته على إحالة رئيس المحكمة الاتحادية جاسم محمد العميري على التقاعد، وترشيح بديل عنه، منهياً بذلك أزمة امتدت لعدة أيام داخل الجهاز القضائي العراقي، نشأت بسبب اختلافات في تفسير الصلاحيات بين المحكمة الاتحادية من جهة، ومجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى. وجاء القرار بعد أيام من استقالة ستة من أعضاء المحكمة، مع ثلاثة قضاة احتياط، لتتضح أكثر حدة الأزمة القضائية، التي رفضت القوى السياسية الرئيسة التدخل فيها، بما فيها رئاستا الجمهورية والبرلمان.
ووفقاً للنائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، فإن "المحكمة ستعاود عملها قريباً". وقال في تصريح اليوم الاثنين، إن "العميري أخطأ كثيراً أثناء رئاسته المحكمة، وأن أخطاءه دفعت القضاة التسعة إلى تقديم استقالاتهم"، مبيناً أن "القضاة أكدوا أن العميري أراد إدخال المحكمة بالجانب السياسي، وهو ما يؤثر على استقلاليتها". وأشار إلى أن "استقالات القضاة التسعة لم تُقبل، وفقط قُبلت استقالة العميري وإحالته على التقاعد، وتم اختيار البديل الاحتياط ليحلّ محله"، مؤكداً أن "التغيير الحالي بالمحكمة هو فقط أن العميري خارجها، وهي محتفظة بهيكليتها".
تفاؤل بشأن استقلالية المحكمة
وفي السياق، أبدى وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، تفاؤلاً باستقلال السلطة القضائية، وقال في تدوينة له على منصة إكس، "العدل أساس الملك، وبعد الأزمة القضائية مع المحكمة الاتحادية العليا، حان الوقت أن يطالب الجميع بإعادة تشكيل المحكمة الاتحادية وفق الدستور، ووفق المادة 92؛ ثانياً، لكي يتحقق الاستقرار السياسي لدولة العراق الاتحادية الديمقراطية الموحدة ويتحقق استقلال القضاء بعيداً عن التسيس".
العدل أساس الملك. و بعد الأزمة القضائية مع المحكمة الاتحادية العليا،فقد حان الوقت ان يطالب الجميع بإعادة تشكيل المحكمة الاتحادية و فق الدستور ووفق المادة ٩٢ ثانيا لكي يتحقق الاستقرار السياسي لدولة العراق الاتحادية الديمقراطية الموحدة و يتحقق استقلال القضاء بعيدا عن التسيس .
— Hoshyar Zebari (@HoshyarZebari) June 29, 2025
من جانبه، أكد الأكاديمي والمختص بالشأن الدستوري العراقي غسان الجنابي، لـ"العربي الجديد"، أن "المحكمة الاتحادية لا تخضع للسلطة التنفيذية أو التشريعية، وتتمتع باستقلال قضائي، وأن اختيار رئيسها يجري بعد أن يتم بالتصويت والتوافق داخل السلطة القضائية حصراً، وبعد اختياره يتم إصدار مرسوم جمهوري بتثبيته بناء على الترشيح أو التوصية الصادرة عن الجهات القضائية". وأشار إلى أن "اختيار الرئيس يستند إلى قانون رقم 30 لسنة 2005، وأن هذا القانون لم يُستبدل، ويعاني من فرغات تنظيمية، أبرزها عدم وجود نص واضح بشأن اختيار رئيس المحكمة"، مرجحاً أن "ذلك لن يكون له تأثير على تجاوز الأزمة".
وفي الأيام الماضية، أثير جدل بشأن العميري (61 عاماً)، وإمكانية إقالته أو استقالته أو إحالته على التقاعد، وكانت مصادر مطلعة كشفت لـ"العربي الجديد"، عن توجيه اتهامات إلى العميري بالتفرد في القرارات، وتخطي صلاحيات المحكمة الدستورية والقانونية، ومحاباة قوى سياسية وحزبية مختلفة، فضلاً عن أنه أخطأ في تفسيرات وقوانين وفتاوى صدرت عن المحكمة بدوافع سياسية، وهو في أزمة حقيقية ستدفعه في النهاية إلى ترك منصبه سواء بالاستقالة أو الدفع نحو طلب الإحالة على التقاعد.
وخلال فترة تولي العميري رئاسة المحكمة الاتحادية، وُجهت إلى المحكمة اتهامات كثيرة بشأن التعامل "غير المهني" مع عدد من القضايا الحساسة، وأنها محسوبة على "الإطار التنسيقي"، ومن بين قراراتها المثيرة للجدل، سحب السلطة المالية من كردستان، وإقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وإيقاف العمل بقانون العفو العام بطريقة غير قانونية، وانتزاع حق تشكيل الحكومة من الكتلة الفائزة في انتخابات البرلمان عام 2010، كانت آنذاك "ائتلاف العراقية" بزعامة إياد علاوي، ومنِح المالكي فرصة للبقاء لولاية ثانية. كذلك حكمت بإعادة فرز الأصوات يدوياً في انتخابات 2018، بناءً على طلب زعماء أحزاب، وأبرزهم المالكي، وقضت أيضاً بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان العراق وإلغائه، ثم الحكم بمنع تمويل رواتب موظفي الإقليم، وأخيراً الطعن باتفاقية خور عبد الله مع الكويت، التي تنص على ترسيم الحدود المائية بين العراق والكويت.
وتتلخص مهام المحكمة الاتحادية بـ"الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.

Related News

