بعد مفاجأة تركي الفيصل
Arab
4 hours ago
share

صحيحٌ أن تركي الفيصل بلا حيثيّةٍ رسميةٍ في بلده، العربية السعودية، إلا أنه من أمراء الأسرة المالكة. وصحيحٌ أن أي موقفٍ يصدُر منه لا يعبّر، بالضرورة، عن وجهة نظر المملكة، إلا أنه قد يؤشّر (أحياناً) إلى مزاجٍ سياسيٍّ في أوساط صنّاع القرار فيها. وإذا قال قائلٌ إن لدى رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق (1977– 2001) ميولاً ظاهرةً إلى أن يبقى شخصُه حاضراً في فضاءات النقاش السياسي العربي العام، بمشاركاته في منتدياتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ، وبمقالاتٍ يكتبها، ومحاضراتٍ يلقيها، فهذا لا يقلّل من أهمية الانتباه إلى أفكارٍ وآراء يعلنها، وإن يحدُث أن تُناقضَ واحدةٌ أخرى. وهذا هو يلفت الأنظار إلى مفاجأته التي أشعلت تساؤلاتٍ بصددها، تُحاول تفسير المدى الذي ذهبت إليه، وقد كتب إننا، لو كنّا في عالمٍ يسوده الحياد والعدالة، لرأينا قاذفات B2 الأميركية تُمطر ديمونة ومواقع إسرائيلية أخرى بالقنابل، وذلك في مقالة نشرها في صحيفة إماراتية بالإنكليزية الخميس الماضي، بعد ضرب قاذفاتٍ أميركيةٍ مفاعلاتٍ نوويةً في إيران، وذكَّر بأن "إسرائيل تملك ترسانةً نووية، ولا تخضع لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ولا لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
لا تصل سقوف خيالنا إلى الذي اشتهاه تركي الفيصل، وهو سفيرٌ سعوديٌّ سابقٌ في الولايات المتحدة، أن تضرب الأخيرة البرنامج النووي الإسرائيلي. ولكن، في الوسع أن تُلتقط هذه الانتباهة، فيجري التحشيدان، الإعلامي والسياسي، باتجاه إخضاع منشآت هذا البرنامج ومفاعلاته للتفتيش الدوري من الوكالة الأممية المختصّة، طالما أن العالم كله مستغرقٌ في "التحذير" من البرنامج الإيراني الذي تعرّضت مواقعُه، أخيراً، لقصفيْن، إسرائيلي وأميركي، الأمر الذي جعل الأمير السعودي يخلع عن نفسه ثوب الداعية السياسي، ويكتب بلغة الناقم من ممالأة الغرب إسرائيل ونفاقه لها عندما عاقب روسيا ودعم هجومها (إسرائيل) على إيران. وفيما ليست منسيةً رسالةٌ من نجل الملك فيصل مفتوحةٌ إلى ترامب، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وابتهجت بـ"الانتصار الرائع" للأخير في انتخابات الرئاسة الأميركية، نجدنا نقرأ للرجل في المقالة المفاجئة امتناعه عن زيارة الولايات المتحدة، حتى يغادر "السيد ترامب" منصبه. ولسنا نعرف ما إذا كان الرئيس اطّلع على تلك الرسالة، وعلى أخرى مغايرة الوقْع، نشرها الفيصل في فبراير/ شباط الماضي، وتعلقت بمشروع تهجير الغزّيين، وكتب فيها: "عزيزي الرئيس ترامب: الشعب الفلسطيني ليس مهاجراً غير شرعي ليتم ترحيله إلى أرض أخرى...".
أعلى تركي الفيصل صوته ضد الإسناد الأميركي للحرب الوحشية على قطاع غزّة، وضد "الترخيص المجّاني من العالم" الذي حصلت عليه إسرائيل لمواصلة حربها هذه، وهو الذي كان قد تحمّس لتطبيع الإمارات معها، وبدا محبِّذاً تطبيعاً سعودياً مُمكناً، على أن يأتي عند إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة وعاصمتها القدس الشرقية. وهنا، يحسُن التدقيق في هذا الخطاب، فالخارجية السعودية في بياناتها ترى أسبقيّة هذه الدولة على إقامة أي علاقاتٍ بين الرياض والدولة العبرية، وليست نتيجة هذه العلاقات، وقد أكّد هذا ولي العهد، محمد بن سلمان، في افتتاحه أعمال دورة مجلس الشورى في سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما قال إن بلاده "لن تتوقّف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك".
وبهذا وذاك، نصبح أمام معطيين: أحدهما أن السعودية مدعوّة إلى التمسك بمطلب الدولة الفلسطينية هذا، وبالمبادرة العربية للسلام التي كانت صاحبتها، في مواجهة العبث الدعائي الذي تنشط فيه إسرائيل، في غضون القتل اليومي في غزّة، في ترويج تطبيع عربيٍّ واسعٍ مرتقبٍ معها، تكون المملكة ضمنه. وثانيهما أن عملاً عربياً، سياسياً وإعلامياً، يلزم أن يركّز على مشروع نووي عسكري لدى إسرائيل تخفيه عن أنظار العالم، ويُجاز لها امتناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تفتيشه، فيما القناعة العربية العامة وجوب خلو المنطقة من كل أسلحة الدمار الشامل. وليست منسيّةً مطالبات عمرو موسى، إبّان كان وزيراً للخارجية المصرية، بأن ينتبه العالم إلى هذا المشروع الخطر، ثم لم تُسمع أصوات عربية  نادت بهذا، حتى فاجأنا تركي الفيصل بأن غياب الإنصاف في العالم لا يجعلنا نرى قاذفاتٍ أميركيةً تضرب ديمونة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows