
بين السياسة والتاريخ، تضيء إصدارات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة الشؤون الإيرانية طيلة العقد ونصف العقد الماضي. اليوم، وبعد العدوان الإسرائيلي على إيران، المصحوب بتوجيه ودعم أميركي وغربي استعماريّين استمرا إلى اثني عشر يوماً، تكتسب هذه الكتب أهميتها، من حيث قدرتها، على استشراف واقعنا الراهن، وقراءة السياسات التي تتحرّك وفقها إيران في الإقليم والعالم.
مراجعة في التاريخ والسياسة
يُشكّل كتاب "العرب وإيران: مراجعة في التاريخ والسياسة" (2011) أهمية خاصة، ويعدّ أقدم هذه الإصدارات. حرّره عزمي بشارة ومحجوب الزويري، واشترك فيه: وجيه كوثراني، ومحمد حامد الأحمري، وطلال عتريسي، وفاطمة الصمادي، وعبد الوهاب القصاب، وموسى الغريري، والحسين الزاوي، وعبد العلي حامي الدين، والطاهر عمارة الأدغم، بالإضافة إلى المُحرّرين. تقف دراسات هذا الكتاب عند طبيعة العلاقات العربيَّة - الإيرانيَّة الشائكة التي تتداخل فيها سطوة التاريخ بالعقائد وبالمصالح المتنافرة، في محاولة لاكتناه هذه العلاقات في سياق تاريخي وسياسي معاً، ويتضمّن وجهات نظر متعددة، وآراءً مختلفة.
"التداخل الثقافي العربي - الفارسي" (2014) عنوان كتاب آخر للباحث المغربي رشيد يلوح، صدر أيضاً عن المركز العربي، وهو دراسة للتداخل الكبير بين الثقافتين العربية والفارسية في أول عشرة قرون هجرية. يحاول الكتاب برهنة التداخل الثقافي بين العرب والفرس الذي أرسته العصور الإسلامية الأولى، من دون أن يحمل أية دلالات أيديولوجية أو هيمنة أو إقصاء، وإنما جاء نتيجة موضوعية لمجموعة من العوامل أهمها ظهور الإسلام في بلاد العرب وامتداده عبر الفتوحات إلى البلاد المجاورة التي استوعبته بسرعة واندمجت في إطار تفاعلاته.
البرنامج النووي وسياسات الخارج والداخل
كذلك تناولت إصدارات المركز العربي البرنامج النووي الإيراني من خلال كتاب "تركيا والبرنامج النووي الإيراني - حدود الاتفاق والاختلاف 2002-2016" (2016) للباحثَين الأردنيّين رنا الخماش وعبد الفتاح الرشدان اللذين أضاءا حدود البرنامج وتأثيره في العلاقات بين البلدين نتيجة اختلاف رؤيتيهما للحوادث في بعض البلدان، وطبيعة تحالفاتهما الاستراتيجية الإقليمية والدولية، ومدى تبدل الموقف التركي من الملف النووي الإيراني بعد الثورات العربية.
بدورها، تستكشف الباحثة عائشة آل سعد في كتابها "محددات السياسة الخارجية الإيرانية وأبعادها تجاه دول الخليج في سياق مناقشات النووي الإيراني" (2018) العوامل المحدِّدة لسياسة إيران الخارجية تجاه جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار يتكون من ثلاثة أبعاد: البعد المحلي، والبعد الخارجي، والبعد المتعلق بسياسات الهوية والقومية. وتسعى إلى تحديد الأهمية الاستراتيجية لبرنامج إيران النووي، والاتفاق الذي أُبرم مع الدول الكبرى في عام 2015، وانعكاس هذا الاتفاق على سياسة إيران الخارجية.
مؤلّفات تقرأ السياسات الإيرانية في الإقليم والعالم
أمّا الباحثة الأردنية فاطمة الصمادي فقدّمت كتابها "التيارات السياسية في إيران: صراع رجال الدين والساسة" (طبعة ثانية، 2019)، وتتناول فيه العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، ونشأة التيار الأصولي الإيراني، وولادة التيار الإصلاحي. كما تقدم فيه تعريفاً لما سُمي "الحركة الخضراء" في إيران، وتناقش عدداً من الطروحات التفسيرية بشأن حركة الاحتجاج الأكبر في تاريخ الجمهورية الإسلامية، باحثة في تأثير التيار الأحمدي نجادي، ونشأة تيار الاعتدال في إيران.
في النظام الإقليمي الخليجي
وثّق الفريق الأوّل الركن نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي، رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق يوميات الحرب العراقية – الإيرانية في صورة مذكّرات نشرها أول مرة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "الحرب العراقية - الإيرانية: مذكرات مقاتل" (2014) ويعدّ الكتاب أول رواية للحرب العراقية – الإيرانية يكتبها عسكري عراقي. وفي السياق نفسه أصدر الضابط السابق في الجيش العراقي عبد الوهاب القصاب تعقيباً وتحليلاً لمذكرات الخزرجي، تحت عنوان "الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988: قراءة تحليلية مقارنة في مذكرات الفريق الأوّل الركن نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي"، نحن أمام عسكري عراقي خاض الحرب ضد إيران يقدم قراءة في مذكرات عسكري عراقي خاض بدوره هذه الحرب، وكل منهما في موقع مختلف.
وفي وقت لاحق ترجمت الباحثة فاطمة الصمادي كتاباً بعنوان "نقد الذات: آية الله حسين علي منتظري في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية" (2020). يتمثل المحور الأساسي لهذا الكتاب في النقد الذي يقدمه الراحل آية الله حسين علي منتظري لإجمالي التجربة الإيرانية ضمن مسارين، هما: النقد العام للتجربة وأداء المؤسسات التي نشأت عقب سقوط نظام الشاه، والنقد الذاتي لأدائه ودوره في الكثير من الأحداث التي شهدتها إيران عقب الثورة الإسلامية؛ إذ يضع مسألة العلاقة بآية الله الخميني وخلافته وثلاث عشرة مسألة أخرى في معرض المراجعة والنقد، لنفسه وللآخرين.
ولأن دول الخليج العربي من أكثر الدول تأثُّراً بالسياسات الإيرانية، تناول المركز العربي هذه العلاقة من خلال إصدارين، الأول مؤلّف جماعي بتحرير مروان قبلان، تحت عنوان "دول الخليج العربية وإيران: جذور التنافس في النظام الإقليمي الخليجي وتجلياته" (2023). أما الثاني فعنوانه "إيران والخليج العربي: الحراك السياسي والاجتماعي بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين" (2024) لأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر مصطفى عقيل. يحتوي الكتاب على ثمانية فصول تتمحور حول مواضيع العلاقات العربية - الإيرانية في منطقة الخليج خلال عهود الحكام الإيرانيين في مئة سنة ونيِّف، وما اعتراها من صراع وحروب ووفاق وخلاف ومعاهدات واتفاق وتنافر. ويخصص حصّة وازنة للحديث عن الداخل الإيراني وتطور الحركات المجتمعية في إيران.
من زاوية دينية وحضارية
لا بدّ من الإشارة إلى ثلاثة كتب، ضمن هذا السياق الديني والحضاري، صدرت ضمن سلسلة "ترجمان": "أصول الصفويين: تشيّعٌ وتصوّفٌ وغلوّ" (2018) لميشيل مزّاوي بترجمة ثائر ديب، وفيه يتحرّى المؤلف التاريخ الاجتماعي والسياسي والديني لأواخر القرون الوسطى، بين العهدين المغولي والصفوي، في إيران والعراق والأناضول، وهي فترة شديدة الاضطراب في بقعة تداخلت فيها أقوام عدة، وتداولتها دول وإمبراطوريات. أما الكتاب الثاني فهو "الزيدية في إيران" (2020) لمحمد كاظم رحمتي وترجمة مصطفى أحمد البكور، وهو عبارة عن بحث علمي يسعى لبسط رؤيةٍ متكاملةٍ لتاريخ الزيدية في إيران والعراق واليمن، على الرغم من أنّ الأخبار المتوافرة عن هذه الفرقة ما زالت مشتّتة ومبهمة. والثالث "اضمحلال الإمبراطورية الساسانية وسقوطها - التحالف الساساني - الفرثي والفتح العربي لإيران" (2021) لبروانة هوشناگ بُرشريعتي، ترجمة أنيس عبد الخالق محمود. يعدّ هذا الكتاب من أكثر الكتب إثارة من الناحية الفكرية حول بلاد فارس القديمة، وإضافةً مهمة وكبيرة في حقل الدراسات الساسانية. فهو يعرض إجابة معاصرة وجريئة عن لغز ومعضلة قديمة في نظر المفكرين والمؤرخين، عن سبب الانهيار السريع و"الكارثي" للإمبراطورية الساسانية التي بدت قوية وآمنة في القرن السابع الميلادي أمام جيوش العرب.
أخيراً، تجدر الإشارة أيضاً إلى كتابين، من كتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لم يتخذا من إيران موضوعاً كاملاً، بل عالجا جانباً من تراثها أو تناولا العلاقة معها، وهما: "الصراع العثماني - الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام" (2018) للباحث السوري محمد جمال باروت، و"أوراق سعدون حمّادي" ويضم الكتاب مذكرات ويوميات ووثائق وأوراق السياسي العراقي الراحل سعدون حمّادي (1930-2007)، أحد أبرز قادة الدولة العراقية ومسؤوليها خلال الفترة 1968-2003.
