حي بطن الهوى المقدسي... القضاء في خدمة الاستيطان
Arab
1 day ago
share

يتخوف أهالي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، في القدس المحتلة، خصوصاً أهالي حي بطن الهوى في البلدة، من أن يكون قرار محكمة الاحتلال العليا، في 18 يونيو/ حزيران الحالي، بإخلاء عقار مكوّن من ثلاث شقق سكنية لعائلتي شويكي وعودة في الحي، خطوة متقدمة على طريق إفراغ المنازل الـ87 المهددة في حي بطن الهوى. ويرون في القرار محاولة لاستغلال أجواء الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 شهراً، وكذلك استخدام نصوص قانونية والمنظومة القضائية الإسرائيلية لصالح جمعية عطيرت كوهانيم الاستيطانية، في ظل طفرة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس.

موطئ قدم للمستوطنين في بطن الهوى

تعود أهمية حي بطن الهوى وكل بلدة سلوان إلى الموقع الجغرافي؛ إذ تعتبر سلوان الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى لملاصقتها له. أما حي بطن الهوى فهو جزء من الحارة الوسطى لسلوان، ويبعد مئات الأمتار فقط عن الأقصى، وبالتالي فإخلاء أي عائلة منه يعني موطئ قدم استيطاني لحصار المسجد. ويتعرض أهالي حي بطن الهوى وعددهم أكثر من 700 مقدسي، لضغوطات بهدف إخراجهم من منازلهم، وتسليمها لجمعية عطيرت كوهانيم. ترسل هذه الجمعية الاستيطانية منذ عام 2015، وفق ما يؤكده مسؤول لجنة أهالي حي بطن الهوى زهير الرجبي، لـ"العربي الجديد"، إخطارات قضائية للإخلاء، فيما يبلغ عدد المنازل المهددة بالإخلاء 87 منزلاً، أخلي عدد منها بالفعل خلال السنوات الماضية. وتستند الجمعية الاستيطانية إلى حصولها على قرار ما يسمى القيّم أو الوصي على أملاك الغائبين، بنقل إدارة أرض مساحتها خمسة دونمات و200 متر مربع، بحجة أنها أراضٍ وقفية ليهود قدموا من اليمن، تعود للحقبة العثمانية منذ عام 1881. وأملاك الغائبين مصطلح يشير إلى أملاك الفلسطينيين الذين هُجِّروا عام 1948.


زهير الرجبي: قد يصدر الاحتلال قرارات إخلاء أخرى في ظل غياب ردة فعل

يقول الرجبي إن "اليهود اليمنيين تركوا المنطقة بين الأعوام 1939 و1943، أي قبل إقامة دولة الاحتلال، وباعوا عقاراتهم للفلسطينيين، على اعتبار أن الفلسطينيين استقبلوهم في المنطقة فيما رفضت الأقلية اليهودية الموجودة في حينها استقبالهم، لأصولهم العربية". وبرأيه، فإن الاحتلال قد يستغل الظروف الحالية، متوقعاً إصدار قرارات مماثلة أخرى لاستبعاد وجود ردة فعل في ظل الحرب، سواء من المواطن في القدس، أو من أي جهات داخلية وخارجية.

سنوات من المماطلة

يوضح محامي العائلات (المعنية بالإخلاء)، نائل راشد، لـ"العربي الجديد"، أن "قضايا إخلاء المنازل تدرجت على مدار سنوات في محاكم الاحتلال، وصولاً إلى المحكمة العليا، التي قررت في عام 2020 تعليق قرار محكمة الصلح إخلاء الشقق الثلاث لعائلتي شويكي وعودة، إلى حين حصول المحكمة على رد المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية". تغير المستشار القضائي خلال الأعوام الخمسة الماضية، وظل القاسم المشترك بين المستشار السابق (أفيخاي ماندلبليت) والمستشارة الحالية (غالي بهاراف ميارا)، تجاهل طلب المحكمة وعدم إعطاء الرأي. المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية ومن سبقها، وفق راشد، واصلا "لخمس سنوات عدم تقديم أي شيء للمحكمة". ويضيف أن المستشارة الحالية "تؤكد في كل مرة أنه يجري الاجتماع مع ذوي الخبرة والاختصاص، لأن الملف مهم، إلا أنه في النهاية قال القاضي نوعام سولبرغ -وهو مستوطن- إن المحكمة لم تحصل على رد، وإنها كانت تريد سماع رأي المستشارة القضائية، وحين لم تتقدم به طوال هذه الفترة، فلا داعي لتغيير قرار محكمة الصلح بإخلاء المنازل".

ويتيح القانون، وفق راشد، للمحكمة العليا النظر في الاستئناف بالتئام المحكمة مع الأطراف، بما فيها الدفاع والأهالي، أو دون التئامها وسماعها، مضيفاً أن القاضي قرر أنه لا حاجة لسماع الأطراف، وبالتالي اتخذ قراراً غيابياً. ولا يقتصر الأمر على استغلال الحرب، بل كذلك استغلال القوانين لصالح المستوطنين، فكما يقول راشد، يقع العقار الذي يحوي الشقق الثلاث لعائلتي شويكي وعودة، على قطعتي أرض تحملان الرقمين 96 و97. وينحصر ادعاء الجمعية الاستيطانية بملكية القطعة رقم 96، فيما لا يوجد أي ادعاء بخصوص القطعة رقم 97، إلا أن المحكمة رفضت إبقاء السكان رغم وجود جزء من العقار على أرض أخرى، بادعاء عدم امتلاك الأهالي أوراقاً ملكية. ورغم مرور سنوات طويلة على وجود الأهالي هناك، فقد رفضت المحكمة مبدأ التقادم القانوني بادعاء أن حق القيّم على أملاك الغائبين لا يتقادم، ثم أقرت ما قدمه المستوطنون من تحليل مساحي لحدود الأرض وادعائهم ملكيتها مقارنة بصور جوية قديمة.

ورغم إشارة راشد إلى أن القرار المتعلق بعائلتي شويكي وعودة لا يشكل سابقة قضائية أو مرجعية قانونية يستند إليها في ملفات أخرى، بعكس قرار سابق لعوائل أخرى في الحي نفسه، كان قد أقرّ أن كل أرض تعود للقيّم على أملاك الغائبين، أرض عامة لا تخضع لمبدأ التقادم الزمني، وبالتالي أعطى الحق للقيّم بتحويل إدارة الأرض والعقارات للجمعية الاستيطانية وإخراج المقدسيين منها، ويعتبر قانونيون أن قرار المحكمة العليا الأخير بحق العائلتين، له تأثيره في باقي المنازل.

منظومة استيطانية

ينظر في القدس إلى القضاء على أنه جزء من منظومة الاحتلال التي تسعى لتهجير الفلسطينيين والتضييق عليهم، ليس من باب استغلال أي نص قانوني متاح فقط، سواء من الحقب العثمانية أو البريطانية، ولاحقاً الإسرائيلية، بل كذلك في طبيعة القضاء. فمن ينظر في هذه القضية هو نفسه مستوطن ويميني، وتعامل المحكمة مع القضية، كما يقول نشطاء من سلوان، يؤكد عدم نية الاستماع حتى للمقدسيين. يؤكد الباحث المختص بشؤون القدس، فخري أبو دياب، لـ"العربي الجديد"، وهو من بلدة سلوان، أن "هذا القاضي المستوطن لم يعتمد على أي إثباتات قانونية، ولم يبلغ حتى العائلات، بل اتخذ قراراً دون حضور الأهالي والدفاع عنهم، تحت ستار الحرب والظروف وحالة الطوارئ".

ويضيف أنه "في محاولة لاستغلال انشغال الجميع بالأحداث، أمر (القاضي) العائلتين بالإخلاء خلال 30 يوماً، دون وجود إمكانية أخرى للاستئناف أو النقض". واتخذ القرار، بحسب أبو دياب، دون وجود محامي الدفاع عن العائلات، ولا العائلات نفسها "ما يثبت أن الصراع ليس قانونياً على ملكية، كما يدعي الاحتلال، بل سياسي وعقائدي". ويحذر أبو دياب من استنساخ القرار تجاه عائلات أخرى، وحتى مناطق أخرى في القدس، لكونه صادراً عن المحكمة العليا، ومن استغلال ما تسمى حالة الطوارئ في تمرير قرارات أخرى في المحاكم. بدوره يقول مدير فرع مدينة القدس، في مركز القدس للمساعدة القانونية، رامي الصالحي، لـ"العربي الجديد"، إن "القرار لا يمكن الاستئناف عليه، وبالتالي يصبح قراراً نهائياً له تأثيره في الملفات المشابهة، ليكون جزءاً من سياسة عامة لمحكمة الاحتلال العليا". هذه السياسة، وفق الصالحي، "هي شرعنة الانتهاكات واستهداف منازل المقدسيين وتسليمها للجماعات والجمعيات الاستيطانية، نحو الهدف الرئيسي، وهو إفراغ مدينة القدس، خصوصاً بلدة سلوان".


فخري أبو دياب: الصراع ليس قانونياً على ملكية كما يدعي الاحتلال، بل سياسي وعقائدي

ويواجه مئات المقدسيين في حي بطن الهوى خطر التهجير القسري من منازلهم، بعدما رفضت محاكم الاحتلال، خلال الشهر الحالي، استئنافات قانونية قدمتها عائلات مقدسية ضد قرارات إخلاء منازلها. وأكدت محافظة القدس، في تقرير الثلاثاء 24 يونيو/ حزيران الحالي، أن تلك العائلات تواجه ذلك الخطر بعد رفض الاستئناف لصالح جمعية عطيرت كوهانيم الاستيطانية. وبحسب محافظة القدس، تأتي هذه القرارات ضمن سلسلة أحكام قضائية أصدرتها محاكم الاحتلال منذ عام 2015 ضد أكثر من 84 عائلة فلسطينية تقطن الحي، أي ما يقارب 700 فرد، بدعوى ملكية مزعومة تعود ليهود يمنيين منذ عام 1881. وتُبنى الادعاءات الاستيطانية، وفق محافظة القدس، على قانون إسرائيلي صدر عام 1970، يسمح لليهود بالمطالبة باستعادة ممتلكات ما قبل عام 1948 في القدس الشرقية، بينما يُحرم الفلسطينيون حقاً مماثلاً لاستعادة ممتلكاتهم المصادرة في القدس المحتلة وأماكن أخرى.

وشددت على أن جمعيات استيطانية، أبرزها "عطيرت كوهانيم"، تواصل ملاحقة عشرات الأسر الأخرى في المحاكم، ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تهجير المواطنين المقدسيين وتغيير الطابع الديمغرافي والتاريخي للمنطقة. وشددت محافظة القدس على أن هذا التصعيد يأتي في وقت يتعرض فيه حي سلوان، الذي يقطنه نحو 60 ألف مقدسي، لموجة تهويد مكثفة، تشمل أحياء: البستان، ووادي حلوة، ووادي ياصول، وعين اللوزة، بإشراف مباشر من جمعيات استيطانية مثل "إلعاد"، التي تدير ما يسمى "حديقة مدينة داوود"، وتنفذ حفريات أثرية بهدف تزييف الهوية الحضارية والتاريخية للمنطقة. ودعت محافظة القدس المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية والقانونية، إلى اتخاذ مواقف عاجلة وجادة، تضع حداً لهذا التهجير القسري، وتحاسب الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق المدنيين الفلسطينيين في القدس، وتدعم صمود الأهالي قانونياً وسياسياً وميدانياً.

 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows