“نقطة اللاعودة” في البرنامج النووي الإيراني.. قصة مفاعل فوردو الأكثر تحصينًا وورقة الضغط والتفاوض الأبرز مع الغرب
Reports and Analysis
9 hours ago
share

تشن إسرائيل هجومًا كبيرًا على الأراضي الإيرانية منذ يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، وهو الهجوم الذي كان أحد أهدافه المعلنة – بحسب التصريحات الرسمية – تعطيل البرنامج النووي الإيراني. 

لذلك، قصفت إسرائيل بعض المحطات والمفاعلات النووية، والتي كان من بينها مفاعل “فوردو” الهام لتخصيب اليورانيوم في إيران، وقد أكدت السلطات الإيرانية أن هناك أضرارًا طالت المفاعل بالفعل.
وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية يوم السبت 14 يونيو/حزيران 2025 إن طهران أكدت تعرض موقع فوردو النووي لأضرار محدودة عقب هجمات إسرائيل.

وأضاف كمالوندي: “هناك أضرار محدودة في بعض المناطق في موقع فوردو لتخصيب اليورانيوم. نقلنا بالفعل جزءًا كبيرًا من المعدات والمواد، ولم تقع أضرار جسيمة ولا توجد مخاوف إزاء التلوث”. وتابع المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية: “لا يوجد قلق من تلوث نووي في محطة فوردو النووية”.

صورة لمفاعل فوردو


فما هو مفاعل فوردو؟


تقع منشأة فوردو النووية في منطقة جبلية محصنة جنوب العاصمة الإيرانية طهران، وقد شُيّدت تحت الأرض لتعزيز حمايتها من أي هجمات عسكرية محتملة. اعترفت إيران رسميًا بوجود المنشأة في سبتمبر/أيلول 2009، بعد أن كشفت عنها أجهزة الاستخبارات الغربية، مما دفع طهران إلى إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك.
تم تصميم فوردو لاستيعاب نحو 3,000 جهاز طرد مركزي، ما يجعلها إحدى أكثر المنشآت النووية تحصينًا في إيران.
تقع منشأة فوردو على بُعد نحو 95 كيلومترًا جنوب غرب طهران، داخل قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني. وقد شُيّدت في نفق صخري على عمق نحو نصف ميل، مما يجعلها أكثر المنشآت النووية الإيرانية تحصينًا.
ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، تضم المنشأة قاعتين رئيسيتين مزودتين بحوالي 3,000 جهاز طرد مركزي من طراز IR-1 موزعين على 16 سلسلة تشغيلية. لاحقًا، جُرّبت وأُدخلت أجهزة طرد مركزي متقدمة مثل IR-2m وIR-4 وIR-6، التي تمتاز بكفاءة تخصيب أعلى وسرعة أكبر.

ويُعتقد أن منشأة فوردو كانت مرتبطة بما يُعرف باسم “مشروع أماد”، وهو برنامج سري يُشتبه بأنه يهدف لتطوير سلاح نووي. كما يشير تصميم المنشأة وموقعها إلى نية واضحة لتحمّل الضربات، وهو ما تدعمه أنظمة دفاع جوي متقدمة.
بموجب الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA)، وافقت إيران على تحويل منشأة فوردو إلى مركز لأبحاث الفيزياء النووية، وتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم فيها لمدة 15 عامًا.
وظيفة المنشأة الأساسية هي تخصيب اليورانيوم، حيث يمكنها إنتاج يورانيوم مخصب بمستويات مختلفة، بما في ذلك نسبة تخصيب تصل إلى 60%، وهي نسبة تعتبر متقدمة جدًا وتقرب إيران من القدرة على تخصيب اليورانيوم بدرجة عسكرية (90%).
تحتوي فوردو على أنظمة متقدمة للتحكم والتهوية وتبريد أجهزة الطرد المركزي، كما أنها مجهزة بأنظمة أمنية متطورة مع وجود غرف مؤمنة لمراقبة العمليات والبيانات. تُدار العمليات في بيئة مغلقة ومحمية، ويُسمح بمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن إيران تتحكم في الوصول وتقييد عمليات التفتيش عند الضرورة.

غير أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو 2018 دفع إيران إلى استئناف أنشطة التخصيب تدريجيًا، حيث وصلت نسبة التخصيب إلى 20% بحلول عام 2021.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رفعت إيران مستوى التخصيب في فوردو إلى 60%، وهي نسبة تقترب بشكل خطير من العتبة اللازمة لإنتاج سلاح نووي.
تقول إيران إن هذا اليورانيوم يُستخدم كوقود لمفاعل طهران البحثي، الذي يُنتج نظائر مشعة تُستخدم في علاج مرضى السرطان. وعلى الرغم من تعليق الأنشطة في المنشأة مؤقتًا في يناير/كانون الثاني 2014 ضمن اتفاق نووي مرحلي، أعادت إيران تشغيل المفاعل لاحقًا مع تصاعد التوترات الدولية.

صورة لمفاعل فوردو بالأقمار الصناعية- جيتي

أهم المواقع الإيرانية


تُعد منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم واحدة من أبرز وأهم المواقع النووية في إيران، ولا يسبقها في الأهمية سوى موقع نطنز. تنتج هذه المنشأة يورانيومًا عالي التخصيب بمستويات تقترب من العتبة المطلوبة للتطبيقات العسكرية، ما يضعها في صميم النزاع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.
وتكمن أهمية فوردو في موقعها الحصين داخل أعماق الجبال بالقرب من مدينة قم، مما يمنحها قدرة استثنائية على الصمود أمام الضربات الجوية التقليدية ويجعل استهدافها عسكريًا أمرًا بالغ التعقيد.
في يونيو 2025، تعرّضت فوردو لغارة جوية ضمن حملة أوسع شنّتها إسرائيل استهدفت مواقع نووية وعسكرية داخل إيران، بهدف تقليص قدرات طهران النووية ومنعها من الوصول إلى مستوى إنتاج سلاح نووي.

شبكة أنفاق


كانت فوردو في الأصل عبارة عن شبكة أنفاق تستخدمها قوات الحرس الثوري، ثم جرى تحويلها لاحقًا إلى منشأة متخصصة في تخصيب اليورانيوم تحت إشراف منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
وأبقت إيران المنشأة سرّية حتى عام 2009، حين كشف قادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عن وجودها في بيان مشترك، مؤكدين أن حجمها وموقعها لا يتناسبان مع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وسمحت طهران لاحقًا لأول تفتيش دولي للموقع في أكتوبر 2009.
شهدت المنشأة على مدار السنوات اللاحقة العديد من التحديثات في التصميم والأهداف التشغيلية. ففي البداية، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لن تخصب اليورانيوم لأكثر من 5%، لكن هذا السقف ارتفع إلى 20% في عام 2011، وبدأ التشغيل الرسمي في ديسمبر من ذلك العام، مع السماح بالتفتيش الدولي.
وقد أكدت تقارير الوكالة بين عامي 2011 و2012 أن منشأة فوردو كانت تعمل وفقًا للمواصفات المعلنة، دون وجود أدلة على تحويل المواد لأغراض عسكرية.

الانسحاب من الاتفاق النووي


أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات إلى شروع إيران تدريجيًا في تقليص التزاماتها. ففي نوفمبر 2019، استأنفت طهران التخصيب في القسم الثاني من منشأة فوردو، وبحلول أوائل عام 2020، كانت قد بدأت باستخدام جميع أجهزة الطرد المتاحة.
وذكرت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران استخدمت ست سلاسل من أجهزة الطرد IR-1 للتخصيب، وتجاوز عدد الأجهزة لاحقًا 1,050 جهازًا. وبحلول أواخر عام 2020، أصدرت إيران أوامر بإنتاج 120 كغم سنويًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.
وفي فبراير 2021، توقفت إيران عن تنفيذ بنود الاتفاق تمامًا، وامتنعت عن تزويد الوكالة بالبيانات، ما دفع الأخيرة للتحذير من تضاؤل قدرتها على التحقق من الطبيعة السلمية للبرنامج.

تصعيد جديد


وسط تصاعد التوترات السياسية في عام 2022، بدأت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في منشأة فوردو، وهي نسبة تقترب بشكل خطير من 90% المطلوبة لتصنيع سلاح نووي.
وفي مارس 2023، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7% في فوردو، مما أثار جدلًا واسعًا ودفع الوكالة إلى المطالبة بإيضاحات عاجلة من إيران.
وفي سبتمبر 2023، منعت طهران عددًا من المفتشين الدوليين من دخول المنشأة، متهمة بعضهم بالتحيز، ما زاد من حدة التوتر. وردت الوكالة في يونيو 2024 بإصدار قرار يدعو إيران لاستئناف التعاون.
وردًا على ذلك، أعلنت إيران عن خطط لتوسيع التخصيب عبر تركيب ثماني سلاسل جديدة من أجهزة الطرد المتقدمة IR-6، مما يتيح التخصيب بشكل أسرع وأكثر كفاءة. وبنهاية الشهر نفسه، أكدت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تركيب هذه الأجهزة وبدء تشغيلها.
وفي تقرير أصدرته الوكالة في ديسمبر 2024، كُشف عن تغييرات كبيرة في تصميم منشأة فوردو، تضمنت اعتماد نظام تخصيب ثلاثي المراحل، ما رفع الإنتاج الشهري إلى أكثر من 34 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يعادل ستة أضعاف المعدل السابق.

صورة بالأقمار الصناعية لفوردو

تحدٍ كبير أمام إسرائيل


المنشأة تُعد تحديًا كبيرًا أمام أي خطة عسكرية غربية أو إسرائيلية لتوجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني، نظرًا لتحصينها تحت الجبل، وهو ما يجعل القنابل التقليدية عديمة الفاعلية ضدها. ويتطلب تدميرها استخدام قنابل خارقة للتحصينات مثل GBU-57، وهو خيار عالي الكلفة سياسيًا وعسكريًا، وقد يؤدي إلى إشعال حرب شاملة في المنطقة. لذلك، غالبًا ما يُشار إلى فوردو في الأدبيات العسكرية الغربية على أنها “نقطة اللاعودة” في البرنامج النووي الإيراني، والتي إن تجاوزتها إيران نحو التخصيب العسكري، فإن الخيارات السلمية ستنحسر.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما زالت تُراقب المنشأة من خلال عمليات تفتيش دورية وكاميرات مراقبة، ولكن طهران قامت في مراحل عدة بتقليص التعاون معها، بما في ذلك تعطيل بعض الكاميرات أو منع الوصول إلى بياناتها. وفي بعض التقارير، كشفت الوكالة أن إيران قامت بتعديل أجهزة الطرد المركزي داخل فوردو دون إشعار مسبق، وهو ما اعتُبر انتهاكًا مباشرًا للاتفاقيات.
من الناحية الاستراتيجية، تعتبر إيران منشأة فوردو ورقة ضغط تفاوضية هامة. ففي كل مرة تتعرض فيها لضغط اقتصادي أو سياسي، تلجأ إلى رفع مستوى التخصيب في فوردو كرسالة سياسية للغرب، مفادها أن الوقت ليس في صالح المفاوضين. كما أن وجود هذه المنشأة في هذا الموقع المحصن يمنح إيران هامشًا من الأمان في حال تم استهداف منشآت أخرى مثل نطنز.

صورة لمفاعل فوردو

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows