ترجمة الأدب العربي في الولايات المتحدة
عربي
منذ يومين
مشاركة
يُطرح على الدوام سؤال ملح عن موقع الأدب العربي في خريطة الترجمة الأميركية، وعن الأسباب التي تجعل حضوره محدوداً على الرغم من تعدّده وثرائه. هذا الواقع ليس مجرد مصادفة، بل نتاج شبكة معقدة من العوامل المتضافرة، منها المقروئية المحدودة للأدب المترجم، والنظرة الاستشراقية التي ما زالت تتحكم في الاختيارات، يضاف إليها عواقب بنيوية عربية داخلية مثل الرقابة وسوء توزيع الكتب العربية الذي يساهم في تقليل فرص وصول الأعمال إلى الناشر الأميركي. تشير الناشرة الأميركية جيل سكولمان، مؤسسة دار أرخبيل (Archipelago Books) في بروكلين بنيويورك، إلى أن عدم إلمام المحررين بلغات أخرى يجعل علاقتهم بالنصوص العربية علاقة غير مباشرة، تنقل إليهم عبر وسيط، وهو ما يفسر ترددهم في نشر الأدب العالمي وصعوبة وصوله إلى القارئ الأميركي. ويضاف إلى ذلك عبء تكاليف الترجمة نفسها، ثم تكاليف الترويج التي تتضاعف مع استقدام الكتّاب من الخارج أو صعوبة استضافتهم في وسائل الإعلام لاحتياجهم إلى مترجم، وهو ما يحدّ من فرص انتشار الأدب المترجم ويحرمه من الاهتمام الذي يستحقه. قدّمت المؤسسات الأكاديمية الأميركية الأدب العربي للقراء على الجانب الآخر، لطالما لعبت المؤسسات الأكاديمية الأميركية دوراً مكمّلاً في إعادة تقديم الأدب العربي إلى الغرب، فلم تتجاهل التراث العربي الكلاسيكي، بل جعلت من نصوص مثل المعلقات والقرآن الكريم وألف ليلة وليلة والمقامات جزءاً من مقرراتها، كما في جامعات واشنطن وأوهايو وإيموري. وفي جامعة كولومبيا، تُقدَّم مقررات عن الكتب الكبرى من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، تتناول نصوصاً عربية مترجمة في سياقها التاريخي والثقافي، فيما تتيح جامعة نيويورك، عبر مساق روائع الأدب الشرق أوسطي وسلسلة مكتبة الأدب العربي، فضاءً أكاديمياً وعملياً للاحتفاء بالتراث العربي وإعادة تقديمه للقارئ الغربي بلغته.  صورة راهنة وعلى الرغم من محدودية إنتاجها، ساهمت بعض دور النشر المستقلة في إيصال الصوت العربي إلى القارئ العالمي. منها دار أرخبيل التي نشرت عدداً من روايات الروائي اللبناني إلياس خوري مثل "أولاد الغيتو" بترجمة همفري ديفيز (2024). وورد إيديشن التي أصدرت نسخة إنكليزية رواية "مقام الريح" للكاتبة السورية سمر يزبك، بترجمة ليري برايس (2024) ، ووصلت إلى القائمة النهائية لجائزة الكتاب الوطني الأميركي للآداب المترجمة. كما أصدرت دار منشورات جامعة تكساس "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان بترجمة هُمفري ديفيز (2022).  وعن منشورات جامعة ييل، صدرت رواية "بريد الليل" للأديبة اللبنانية هدى بركات، بترجمة مارلين بوث (2021)، وأخرى للكاتب المغربي محمد شكري "حكايات طنجة" بترجمة يونس البستي (2023). واختارت دار نيو دايركشنز رواية "تفصيل ثانوي" للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، بترجمة إليزابيث جاكيت (2020). وإلى جانبها، دار فَرّار، شتراوس وجيرو (FSG) التي أصدرت للروائي السوري خالد خليفة "لم يصلِّ عليهم أحد" بترجمة ليري برايس (2023). ومجموعة نصوص بعنوان "العتبة" للشاعرة المصرية إيمان مرسال، بترجمة روبن موغر (2022). غياب إحصاءات دقيقة عن حركة الترجمة في الأعوام الخمسة الأخيرة ومن الجدير الإشارة إلى مشروع مكتبة الأدب العربي الذي أُطلق عام 2010 بدعم من جامعة نيويورك أبوظبي، ويُدار بالشراكة مع منشورات جامعة نيويورك وتجاوزت إصداراته حتى اليوم خمسين عنواناً، مقدّماً للقراء نافذة على التراث العربي، من الأدب إلى الفلسفة والتاريخ والسير، في طبعات ثنائية اللغة تجمع النص العربي المحقق بترجمته الإنكليزية، وأحدثها كتاب "قواعد المنطق" للفيلسوف والمنطقي المسلم نجم الدين القزويني الكاتِبي، بترجمة وتعليق توني ستريت وتقديم بول توم (2024). هذه جميعها أمثلة بارزة على الترجمات العربية إلى الإنكليزية، لكنها لا تمثّل كل ما صدر، بل تكشف بعض الملامح من الحضور العربي المتنامي في فضاء النشر الأميركي. مؤتمرات وورش وإلى جانب النشر، شكّلت المؤتمرات الأدبية منصات لحركة الترجمة، يأتي في المقدمة مؤتمر ALTA، الذي تنظمه جمعية المترجمين الأدبيين الأميركيين منذ عقود، ويُعدّ أكبر ملتقى سنوي في هذا المجال، متنقلاً كل عام بين مدن مختلفة. في هذا الفضاء، تُناقش الترجمة العربية إلى جانب لغات أخرى، وتُقام ورش عمل تفاعلية، وتُتاح فرص للقاء ناشرين ومترجمين من مختلف أنحاء العالم. وإلى جانبه، يسطع مهرجان PEN World Voices في نيويورك، الذي يولي الأدب المترجم مكانة خاصة، واستضاف على مدار سنواته كتّاباً ومترجمين عرباً. أما مؤتمر Translation/Transnation الذي تنظمه جامعة نيويورك، فيمثل ملتقى أكاديمياً يضيء على تاريخ الترجمة وسياقاتها الأدبية والثقافية. وعلى مستوى أوسع، يأتي المؤتمر السنوي لجمعية المترجمين الأميركيين (ATA) بوصفه أكبر تجمع للمترجمين في الولايات المتحدة، ويوفر منصات للنقاش حول تحديات السوق واللغات الأقل حضوراً مثل العربية. وعلى الضفة الإبداعية، يبرز مؤتمر Bread Loaf Translators’ Conference في فيرمونت، الذي يركّز على تبادل الخبرات عبر ورش مكثفة، رابطاً بين الترجمة حرفةً والكتابة إبداعاً. كما يواصل برنامج جامعة أيوا للترجمة الأدبية، أقدم البرامج الأكاديمية في هذا المجال بالولايات المتحدة، استضافته لعشرات الكتّاب والشعراء من الوطن العربي والعالم. من اللافت غياب إحصاءات دقيقة عن حركة الترجمة في الأعوام الخمسة الأخيرة، إذ ما تزال أغلب الدراسات منشغلة بفترات ماضية، كالدراسة المنشورة حديثاً في مجلة Humanities and Social Sciences Communications (2025) التي اعتمدت على قاعدة بيانات "يونسكو" للفترة ما بين بداية الثمانينيات حتى 2012. تكشف نتائجها تفوّق الإنكليزية بوصفها أبرز مصادر الترجمة إلى العربية واستمرار الفجوة بين ما يُترجَم إلى العربية وما يُترجَم منها، بينما تقتصر بيانات مجلة (الناشرون) الأسبوعية المتخصصة في عالم النشر على عرض ما يصلها من دور النشر من تحديثات جديدة من دون ذكر إحصائيات دقيقة. وعلى الرغم من أن هناك تزايداً في الاهتمام العالمي بالأدب العربي لا تزال نسبة المشاريع المنفذة عملياً ضئيلة مقارنة بالإنتاج الكلي للأدب العربي، ما يعني أن الزيادة إن وجدت فهي على قاعدة صغيرة أساساً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية