
عربي
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، أمس الأربعاء، في استوكهولم، فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، وهم العالم العربي الأميركي عمر ياغي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والياباني سوسومو كيتاغاوا من جامعة كيوتو، والأسترالي ريتشارد روبسون من جامعة ملبورن، وذلك لتطويرهم الهياكل المعدنية العضوية.
وقالت أكاديمية نوبل في بيان: "نجح الباحثون الثلاثة في إنشاء هياكل جزيئية ذات مساحات كبيرة يمكن للغازات والمواد الكيميائية الأخرى أن تتدفق من خلالها، ويمكن استخدام هذه الهياكل المعدنية العضوية في استخلاص المياه من هواء الصحراء، أو التقاط ثاني أكسيد الكربون، أو تخزين الغازات السامة، أو تحفيز التفاعلات الكيميائية".
والبروفيسور عمر ياغي، هو أستاذ في الكيمياء، وأحد أبرز رواد الكيمياء الشبكية الحديثة، وله دور رائد في تحويل هذا المجال من نظرية أكاديمية إلى تطبيقات عملية، وهو يحمل الجنسيات الأميركية والأردنية والسعودية، لكنه فلسطيني الأصل.
ولد ياغي عام 1965 في العاصمة الأردنية عمّان، لعائلة فلسطينية نزحت من يافا بعد النكبة في عام 1948، ونشأ في بيئة فقيرة، إذ حكى أنه عاش مع تسعة من إخوته في غرفة واحدة من دون كهرباء، وكانت المياه تصلهم لبضع ساعات في الأسبوع، وغرست هذه المعاناة في نفسه الرغبة الشديدة في إيجاد حلول علمية للمشكلات التي يعاني منها الملايين حول العالم، ليقرر لاحقاً تكريس حياته لهذه المهمة.
هاجر ياغي إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة، وكان حينها لا يتقن اللغة الإنكليزية، لكنه سرعان ما برز أكاديمياً، وحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي في عام 1990، وفي منتصف التسعينيات، شارك في تأسيس ما يُعرف حالياً باسم "الكيمياء الشبكية"، وهي فرعٌ يتيح تصميم مواد بلورية ذات بنية منتظمة ومسامية نانوية يمكن التحكّم بها بدقة.
ومن بين أبرز إنجازاته تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs) والهياكل العضوية التساهمية (COFs)، وهي مواد تمتلك مساحات سطحية هائلة يمكن أن تصل إلى 7 آلاف متر مربع لكل غرام، مع قدرة استثنائية على امتصاص الغازات أو جذب جزيئات الماء من الهواء. لكن أكثر إنجازاته أهمية كانت تطوير أجهزة لاستخراج المياه من الهواء، حتى في الصحارى القاحلة حيث درجة الرطوبة لا تتجاوز 20%.
أحد الحائزين على جائزة نوبل في الكيمياء اليوم هو البروفيسور عمر م. ياغي - وهو أردني فلسطيني يعيش ويعمل في الولايات المتحدة الأمريكية منذ ان كان عمره ١٥. pic.twitter.com/LpJ2c27mBa
— Samar D Jarrah (@SamarDJarrah) October 8, 2025
وفي تجربة شهيرة بمختبره في بيركلي، شاهد ياغي قطرات الماء تتكون داخل صندوق مغلق باستخدام بلورات MOF، ليقول بتأثر: "كانت رؤية تلك القطرات واحدة من أروع اللحظات في حياتي، فهذا يعني أن بإمكاني خلق ماءٍ حيث لا ماء".
وتعد هذه التقنية التي تعمل بالطاقة الشمسية ولا تحتاج إلى الطاقة الكهربائية، حلاً واعداً لمئات الملايين حول العالم الذين يعيشون في مناطق تعاني من شح المياه. وفتح هذا الابتكار الباب أمام تطبيقات علمية وعملية هائلة، إذ تُستخدم هذه المواد حالياً في استخلاص الماء من الهواء، بعد أن جرى تطوير أجهزة تعتمد على هذه الأطر، باتت قادرة على تجميع المياه الصالحة للشرب من الهواء.
كما تُستخدم التقنية كمرشحات (فلاتر) عالية الكفاءة لتنقية المياه من الملوثات والمعادن الثقيلة، وتساهم أيضاً في احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ما يساعد في التخفيف من آثار الاحتباس الحراري، كما تُستخدم في تخزين غاز الهيدروجين بكفاءة عالية، وهو ما يُعد خطوة أساسية نحو مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة.
وإلى جانب جائزة نوبل 2025، حصل البروفيسور ياغي في السابق على جوائز مرموقة عدة، أبرزها جائزة "كافلي" للكيمياء في عام 2018، والتي تُعدّ من أرفع الجوائز في العلوم، وفاز في عام 2024، بجائزة "نوابغ العرب" عن فئة العلوم الطبيعية عن إسهاماته الكبيرة في مجال الكيمياء الشبكية، كما تم تصنيفه مراراً ضمن "أكثر العلماء تأثيراً في العالم"، بفضل أكثر من 300 بحث علمي أنجزها حتى الآن.
ويعرف البروفيسور عمر ياغي بدعمه للباحثين الشباب من العالم العربي، وسعيه لفتح أبواب العلوم أمام الأجيال الجديدة، ولا يعتبر فوزه بجائزة نوبل مجرد اعتراف بعبقريته العلمية، بل أيضاً تكريم لرؤية إنسانية جذرت العلم في خدمة الإنسانية.
وقالت عضو مجلس الأعيان الأردني، آسيا ياغي، وهي من بنات عمومة العالم عمر ياغي، لـ"العربي الجديد"، إن والده كان مهتماً بالعلم، وبذل كل شيء من أجل أن يُكمل أبناؤه تعليمهم، وأغلب أفراد عائلته سافروا إلى الولايات المتحدة، وبقي أخٌ وحيدٌ فقط في الأردن، لكنه لم ينقطع عن زيارة الأردن، إذ يحرص على زيارات دورية، وفي عام 2017، منحه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وسام التميز من الدرجة الأولى تقديراً لجهوده الرائدة في مجال الأبحاث العلمية والتعليم.
بدوره، قال رئيس جمعية ديوان آل ياغي في الأردن، نزار عبد المجيد ياغي، لـ"العربي الجديد"، إن العالِم عمر ياغي كان يزور المملكة كل عام أو عامين، ويلتقي الأهل والأقارب، رغم أن والديه توفّيا قبل أكثر من عشرين عاماً. وأضاف أن له أخٌ وحيد في الأردن.
الأردني من أصول فلسطينية عمر ياغي يفوز مع 3 باحثين آخرين بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025 pic.twitter.com/kp1fUqTngs
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 8, 2025
ولم يسلم البروفيسور ياغي من الانتقادات أيضاً، ففي مايو/أيار 2018، انتقدت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل قبوله جائزة المؤسسة الاسرائيلية Wolf foundation في الكيمياء، والتي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار، كما استهجنت تصريح ياغي بأنه يشعر بالتقدير والفخر لمنحه الجائزة من قبل "صندوق وولف".
يُذكر أن العالم المصري أحمد زويل هو أول عربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء في عام 1999، تقديراً لاكتشافه علم كيمياء الفيمتو، والذي أتاح دراسة التفاعلات الكيميائية في زمنٍ قصير جداً، ما أحدث ثورة علمية في فهم حركة الذرات والجزيئات.

أخبار ذات صلة.
سورية.. ولادة وطن أم إعلان نهايته؟
العربي الجديد
منذ 8 دقائق

السعودية.. بيع صقر منغولي بـ650 ألف ريال
العين الإخبارية
منذ 11 دقيقة