لجنة التحقيق الدولية تواصل زيارتها إلى السويداء وسط قيود على التنقل
عربي
منذ يومين
مشاركة
تواصل لجنة التحقيق الدولية زيارتها إلى السويداء جنوبي سورية، بعد أكثر من شهرين على الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة في يوليو/تموز الماضي، وخلّفت أكثر من ألفي قتيل في مواجهات عنيفة بين مجموعات مسلحة من العشائر مدعومة بعناصر من القوات الحكومية، من جهة، ومليشيات من الطائفة الدرزية من جهة أخرى. وقالت الناشطة الحقوقية من مدينة السويداء باسمة الزغبي، إن اللجنة وصلت إلى المحافظة قادمة من دمشق بعد حصولها على الموافقات الرسمية اللازمة، وبدأت عملها بزيارة عدد من المواقع المتضررة في ريف السويداء الغربي، إضافة إلى المشفى الوطني، حيث استمعت إلى شهادات الكادر الطبي وتسلمت مجموعة من المقاطع المصورة التي توثق سقوط مئات المدنيين خلال الهجوم. وأضافت لـ"العربي الجديد" أن أعضاء اللجنة رصدوا الأوضاع الإنسانية المتدهورة في المحافظة، مشيرين إلى أزمة الخبز الناتجة عن توقف الأفران عن العمل بعد انقطاع مادة الطحين منذ أيام، فضلًا عن النقص الحاد في الأدوية، خصوصًا تلك الخاصة بالأمراض المزمنة كالسرطان والسكري والفشل الكلوي، في ظل غياب أي حلول ملموسة. ورأى المحلل السياسي فاروق المدني، أن استقلالية لجان التحقيق الدولية "تبقى نسبية" في ظل التدخلات الإقليمية والدولية في الملف السوري، موضحًا أن "القوى المتدخلة غالبًا ما تسعى لتوجيه نتائج التحقيق بما يتماشى مع رؤيتها للحل، مما يضع اللجنة تحت ضغط سياسي قد يؤثر على حياديتها". لكنه شدد على أن "اللجنة لا يمكنها تجاهل التوثيقات الدقيقة التي قدمها أبناء السويداء والتي تكشف حجم الكارثة الإنسانية والانتهاكات التي وقعت". وأضاف المدني لـ"العربي الجديد"، أن "السؤال الجوهري هو ما إذا كانت اللجنة قادرة على كشف تسلسل الأوامر والمسؤولين الحقيقيين عن المجازر، وهل تملك الجرأة لتحميل وزارة الداخلية مسؤولية التقصير في حماية المدنيين، وبالتالي مسؤولية السماح للعشائر بالوصول إلى السويداء؟"، مشيرًا إلى أن "القانون الدولي يحمّل الدولة واجب حماية المدنيين، ما يجعل الحكومة السورية تتحمل التبعات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر". وتزامنت زيارة اللجنة مع تزايد الجدل حول ما سمي بـ"اللجنة القانونية في السويداء"، التي فرضت، السبت الماضي، قيوداً على حركة السكان داخل المحافظة وخارجها، مشترطة الحصول على موافقات مسبقة لمغادرة المنطقة لأسباب علاجية أو سفر خارجي. وأظهرت وثائق متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي توقيع العقيد نزار الطويل قائد قطاع شهبا، والشيخ معين، رئيس اللجنة الأمنية التابعة لزعيم الطائفة حكمت الهجري، على القرار الجديد، في خطوة أثارت استنكارًا واسعًا بين الأهالي والناشطين المحليين الذين وصفوها بأنها "محاولة لفرض سلطة موازية خارج إطار الدولة". وفي الوقت الذي تؤكد فيه السلطات الحكومية أن طريق دمشق- السويداء يعمل بشكل طبيعي، وأن الإجراءات الأمنية تهدف إلى "تعزيز الاستقرار"، نفى محافظ السويداء، مصطفى البكور، لـ"العربي الجديد"، أي علاقة للحكومة بـ"اللجنة القانونية"، مشيراً إلى أن التصاريح الرسمية تصدر حصراً عن المؤسسات الحكومية، وداعياً المواطنين إلى عدم التعامل مع أي جهة محلية غير معترف بها. وأوضح البكور أن الجهات الرسمية في المحافظة تعمل على "إعادة انتظام المؤسسات المدنية والخدمية، وضمان عودة الحياة الطبيعية بعد ما مرت به السويداء من ظروف صعبة"، مؤكداً أن "محاولات بعض المجموعات فرض لجان أو سلطات محلية أمر مرفوض قانوناً، ويتعارض مع مبدأ الدولة الواحدة وسيادة القانون". وقال المحافظ إن الحكومة "تتعامل مع الملف الإنساني في السويداء بأولوية قصوى، وقد تم خلال الأسابيع الماضية تسيير عدة قوافل تجارية وإنسانية لتأمين المواد الأساسية والطحين والأدوية"، مشيراً إلى أن "هناك جهوداً حثيثة لإعادة تشغيل الأفران والمشافي التي تضررت، وضمان وصول الخدمات إلى جميع المناطق دون استثناء". وأضاف أن "الجهات الحكومية ملتزمة بتسهيل حركة المواطنين من وإلى المحافظة، وكل من يدّعي عكس ذلك يهدف إلى خلق حالة من الفوضى والتشويش على عمل الدولة"، لافتاً إلى أن طريق دمشق- السويداء "مفتوح ويعمل بشكل طبيعي تحت إشراف الأجهزة الأمنية والمرور لضمان سلامة المسافرين". وختم البكور بالقول إن "ما تحتاجه السويداء اليوم هو الهدوء وعودة الثقة بالمؤسسات، وليس مزيداً من الانقسام أو تشكيل كيانات محلية تتحدث باسم الناس دون تفويض منهم"، مؤكداً أن "الدولة ستتابع إجراءاتها القانونية بحق كل من يعرقل جهود إعادة الاستقرار أو يتورط في أعمال ترهيب أو تقييد لحرية التنقل". لكن شهادات من داخل المحافظة تفيد بأن مجموعات تابعة لـ"الحرس الوطني" بالتعاون مع "اللجنة القانونية" وضعت آلية جديدة لدخول السكان وخروجهم، تتضمن تقديم طلبات سفر لمكاتب الحرس، وغالباً ما تُقابل بالرفض إلا في الحالات الطارئة أو لحاملي تأشيرات سفر خارجية. كما تشير مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى أن الدخول إلى السويداء بات مشروطًا بموافقة مسبقة، والتأكد من عدم انتساب الشخص إلى أجهزة الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية. متابعة الأوضاع الإنسانية في السويداء ورغم القيود المفروضة على التنقل، شهدت المحافظة خلال الأسابيع الماضية دخول عدة قوافل تجارية وإنسانية عبر طريق دمشق- السويداء، في إطار ما وصفته الحكومة بـ"الاستجابة الطارئة" للأوضاع المعيشية. فقد دخلت، في 22 سبتمبر/أيلول، قافلة مؤلفة من 72 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية والخدمية، تلتها في 27 من الشهر ذاته قافلة أخرى تحمل أكثر من 200 طن من الطحين ومواد غذائية أساسية، ثم قافلة تجارية ضخمة مطلع أكتوبر/تشرين الأول ضمت 110 شاحنات، أعقبتها قافلة جديدة في الرابع من الشهر ذاته تضم 35 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية والخضراوات واللحوم ومواد البناء. وذكرت مصادر محلية أن جزءاً من هذه المساعدات دخل بدعم من منظمات إنسانية محلية مثل "تكافل الشام"، بالتنسيق مع السلطات السورية ومحافظة السويداء. من جانبه، نفى مدير الأمن في السويداء، سليمان عبد الباقي، وهو قائد سابق لتجمع "أحرار جبل العرب"، صحة ما وصفها بـ"ادعاءات" الهجري حول حصار الحكومة للمحافظة، مؤكداً في تصريح صحافي أن "المجموعات التابعة للهجري هي من تفرض القيود على حركة السكان، وتمنعهم من المغادرة". وقال إن "السويداء محاصرة من الداخل، من قبل مجموعات خارجة عن القانون تتحكم بحياة الناس وتمنعهم من التنقل". ورغم نفي الحكومة وجود حصار، تشير الوقائع إلى تدهور في الأوضاع الإنسانية، بعد تخريب أكثر من 35 قرية في الريف الغربي والشمالي والجنوبي وتهجير آلاف العائلات خلال أحداث يوليو/تموز الماضي، في وقتٍ تتضارب فيه الروايات حول الجهة التي تتحمل المسؤولية عن الكارثة. وتأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه دمشق إعادة تثبيت حضورها الإداري والأمني في المحافظة، بعد أشهر من الاحتجاجات والمواجهات التي تحدت سلطتها المركزية. وتحاول دمشق، وفق مراقبين إعادة رسم خريطة النفوذ المحلي عبر تعيين شخصيات جديدة مثل عبد الباقي في مناصب أمنية، وإعادة فتح قنوات التنسيق مع الزعامات التقليدية، في مقابل محاولات الفصائل المحلية فرض إدارة ذاتية. ومع استمرار الانقسام في الروايات وتضارب الاتهامات، تبدو لجنة التحقيق الدولية أمام اختبار صعب بين كشف الحقيقة والاصطدام بالسياسة. 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية