
عربي
تعرّضت الأراضي القطرية لاعتداءين عسكريين جويين في أقلّ من شهرين، فقد تلقت رشقة من المسيّرات الإيرانية في 23 يونيو/ حزيران الماضي في خضم الحرب الجوية بين إسرائيل وإيران. وضمن حالة جنونها الراهنة، قصفت إسرائيل في التاسع من الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) ما قالت إنه قاعة يجتمع فيها قادة حركة حماس.. لم يكن الهجوم الأول الإيراني فعّالا، وفشل الثاني في تحقيق أهدافه، ولكن المعنى السياسي لهما كبير جدا، فقطر حاولت أن تقرّب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران بعدما أنهى ترامب الاتفاق النووي في فترة حكمه الأولى، واستضافت الدوحة في عام 2022 محادثات غير مباشرة بين البلدين، وتمحور الدور القطري حول محاولة إرساء السلم الإقليمي بوضع حدٍّ للمشاحنة الدولية في الشرق الأوسط. وكانت قطر طرفاً فعّالاً إلى الحد الأقصى في محادثات وقف إطلاق النار في غزّة، ومجموعة "حماس" التي استهدفها الهجوم الإسرائيلي كانت الوفد المفاوض ضمن محاولة جديدة لوقف إطلاق النار. ورغم هذا الدور التوفيقي الذي لعبته السياسة القطرية، إلا أن أراضيها لم تكن في منأىً عن الهجمات العسكرية. ورغم كل ما يمكن أن يقدّم من تبريرات، إلا أن ما جرى يبقى اختراقا لسيادة دولة عضو فعال في الأمم المتحدة ذات مسعى حيوي في عمليات السلم العالمي.
أبدت قطر شجاعة في مواجهة هذه الهجمات، واحتفظت فعليا بحقوقها في اختيار الرد المناسب بحسب قوانين الأمم المتحدة. وإذا كان الرد العسكري غير وارد، فهناك ردٌّ آخر، حيث يمكن أن تكون قطر مسلّحة بالفعل بعتاد سياسي مهم جدّاً، يمكّنها من الرد فعلا، وقد التفّت حولها في الهجومين جميع الدول العربية ودول أجنبية عديدة جدّاً. ولا يجب التقليل من هذا، بعدما أرادت إسرائيل بهجومها أن تنتزع من قطر دورها التفاوضي الكبير، ولكن الدعم الذي تلقّته الدوحة جعل دورها في العملية السلمية في غزّة يتعزّز، وقد يكون فشل الهجوم ونجاة جميع القادة الذين استهدفتهم إسرائيل عاملا آخر في تدعيم ذلك الدور، فهي تلقت معلومات استخبارية ساهمت في تفادي النتيجة التي أرادها الطرف المعتدي، بما يعني قدرة قطر على الوصول إلى معلومات حاسمة في اللحظة المناسبة، وكان ترامب قد ظهر عقب الضربة الإسرائيلية مباشرة مندّداً بها وموبّخا نتنياهو لاستهدافه أرض حليف مهم، وإن كانت الغاية التخلص من قادة "حماس".
التزمت الولايات المتحدة بأمن الخليج تاريخيّا، وهناك اتفاقيات تعاون عسكري متعدّدة بينها وبين دوله، وقد تكون أكبر مساندة أميركية قدمت لإحدى دول الخليج هي في 1990 عندما شنت الولايات المتحدة حرباً على العراق لإجباره على الخروج من الكويت. ورغم أن الهجوم جاء بتغطية دولية، كانت للولايات المتحدة الريادة في قيادة العملية وإيصالها إلى نهايتها المعروفة. يُظهر ترامب اليوم ردة فعل قوية تجاه أمن قطر بالذات، فهو استنكر بشدّة الهجوم الإسرائيلي على أراضيها منذ اللحظة الأولى، وأجبر نتنياهو على الاعتذار علناً لقطر، وتوّج اهتمامه الكبير بتوقيع أمر تنفيذي، قبل أيام، يعتبر أي هجوم على أراضي قطر أو سيادتها تهديداً لأمن أميركا، ما يعكس حالة عالية من التعاون، تمكّن قطر من الاستمرار في لعب الدور المعتاد إقليميا، من دون أية خشية من التعرّض لهجوم مماثل في قادم الأيام. ويمكن لهذا الأمر أن يسرّع الآن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، ولقطر حضور جيد على الساحة الغزّية شعبيا وسياسيا، ما يمكن أن يسهل المهمّة.
يأتي أمر ترامب مكافأة مجزية لدولةٍ تبادر إلى إيجاد الحلول لمشكلات مستعصية، ما يجعلها تضطرّ للوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، الأمر الذي يمكن أن يجده طرفٌ ما غير عادل، ويلجأ إلى الحل على طريقة إسرائيل. ولكن يبدو أن مثل هذا لم يعد ممكنا بعد اليوم.
