الإغلاق الحكومي: ورقة ترامب الخطيرة
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
بتوقيت الساعة 00:01 من صباح يوم الأربعاء، الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2025، دخلت الولايات المتّحدة الأميركية رسمياً في حالة إغلاق حكومي، هي الأولى منذ نحو سبع سنوات. جاء هذا التطوُّر بعد فشل المفاوضات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونغرس في إقرار مشروع قانون التمويل المؤقّت، الذي كان يهدف إلى تمديد سقف الإنفاق الفيدرالي. وأسفرت حالة الجمود السياسي عن تعثُّر إقرار ميزانية مؤقّتة نتيجة الخلافات القائمة بين الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب والمعارضة الديمقراطية، الأمر الذي سيؤدِّي إلى تعليق مجموعة من الخدمات الحكومية بشكل مؤقّت حتى إشعار آخر. في الواقع، تشهد الساحة الأميركية معركة مالية استثنائية، تختلف عن الخلافات المالية التقليدية، حيث يبدو ترامب مستعدّاً لاستخدام أزمة الإغلاق الحكومي كورقة ضغط لتحقيق إنجاز غير مسبوق في تقليص الميزانية، وهو هدف ظلَّ يعلن عنه طوال الأشهر الماضية. ورغم سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، فإنّ حاجز الـ 60 صوتاً في مجلس الشيوخ يحول دون تمرير أي قانون إنفاق، ممّا يمنح الديمقراطيين نفوذاً حاسماً في هذه المواجهة. تتصاعد حدّة الجدل بين الجمهوريين والديمقراطيين على جبهة الإنفاق الصحيّ، حيث يرفض الديمقراطيون مشروع القانون الجمهوري الذي يرونه تهديداً لقدرة المواطنين على تحمُّل تكاليف الرعاية الصحية، ويؤكِّدون على ضرورة تمديد الإعفاءات الضريبية وجعلها متاحة لعدد أكبر من الأسر متوسّطة الدخل، ويطالبون أيضاً بإلغاء تخفيضات ترامب لبرنامج "Medicaid" ووقف أي تقليص لميزانيات وكالات الصحة الحكومية. حالياً، تتجه أنظار المراقبين إلى معضلة التوقيت المحيط بإنهاء الإغلاق الحكومي، وهو سؤال يصعب الجواب عليه يقيناً في ظلّ المناخ السياسي الحالي، ويمكن أن نستحضر هنا ذكرى الإغلاق الأطول عام 2018 الذي استمرّ 35 يوماً، لذلك فالمخرج مرهون برغبة الأحزاب في التوصُّل إلى حلّ وسط.   بعبارة أخرى، يدور الرهان الحالي حول من سيكسر الجمود أوّلاً، فقد ينتهي الإغلاق بتفاوض الجمهوريين حول دعم الرعاية الصحية الذي يطلبه الديمقراطيون، أو عندما يصبح الإغلاق معقّداً لدرجة تدفع الديمقراطيين إلى التراجع مؤقّتاً والموافقة على تمويل الحكومة. حتى اللحظة، ترفض إدارة ترامب تقديم تنازلات جوهرية، معتمدة على ورقة اللوم الجماهيري الذي يواجه الديمقراطيين باعتباره طرفاً يتحمَّل مسؤولية استمرار الإغلاق. تشهد "وول ستريت" تراجعاً في العقود الآجلة مع انخفاض الدولار، بينما يقفز الذهب إلى قمم تاريخية جديدة متجاوزاً 3895 دولاراً للأونصة. يأتي هذا في ظلّ استمرار الإغلاق الحكومي الذي يعطِّل إصدار البيانات الاقتصادية الحيوية كتقرير التوظيف، ويؤدِّي إلى تسريح 750 ألف موظّف فيدرالي، أي ما يقارب 40%، بتكلفة يومية قدرها 400 مليون دولار، وفقاً لتقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس. وفي خضمّ هذا المشهد المالي المتقلِّب، يبدو أنّ الأسواق تتَّجه بقلق نحو الملاذ الآمن، بينما يستمرّ المشهد السياسي في واشنطن في التقهقر إلى الوراء، دون أيّ بصيص أمل في كسر الحلقة المفرغة من الجمود الذي لا يلوح في الأفق ما يشير إلى حلٍّ ينهيه. في ظل توقُّف التمويل الفيدرالي، تشهد الخدمات الحكومية الأميركية حالة من الانقسام الواضح، فبينما تستمرّ الدوائر الحيوية في عملها دون انقطاع، يظلّ العاملون فيها بدون رواتب مؤقّتاً، ويشمل ذلك قطاعات أمن الحدود، وإنفاذ القانون، والرعاية الصحية، ودائرة الهجرة والجمارك. أمّا الموظفون غير الأساسيين فقد دخلوا في إجازة إجبارية بدون أجر، على أمل استعادة مستحقّاتهم لاحقاً كما حدث في السابق. وينعكس هذا الواقع سلباً على خدمات رئيسية مثل برامج الدعم الغذائي، رعاية الأطفال، المتنزهات العامة، المتاحف الوطنية، المكتبات العامة، والمنح الدراسية التي ستشهد توقُّفاً جزئياً أو كلياً. وفي تأكيد عملي لهذا المشهد، أعلنت صفحات السفارات الأميركية على موقع فيسبوك توقُّفها عن نشر المستجدّات اعتباراً من 1 أكتوبر 2025، مع الاستثناء الوحيد للمعلومات العاجلة المتعلّقة بالسلامة والأمن، في صورة توثِّق حجم التأثير الذي يطاول حتى قنوات الاتّصال الرسمية. تشهد الأزمة الحالية حول إغلاق الحكومة الأميركية منعطفاً خطيراً يختلف جذرياً عن السياقات التاريخية السابقة، حيث تتبنّى إدارة ترامب موقفاً مغايراً يتحدَّى الحكمة السياسية التقليدية التي كانت تتعامل مع عمليات الإغلاق بوصفه خطرا يجب تجنُّبه. فبينما كانت الإغلاقات الطويلة تُعتبر في الماضي عبئاً سياسياً يعطِّل حياة المواطنين ويؤثِّر سلباً على صورة القادة، يبدو البيت الأبيض اليوم مرتاحاً لفكرة إبقاء أجزاء كبيرة من الحكومة متوقِّفة لفترة ممتدّة؛ حيث تتّجه التصريحات الرسمية نحو استخدام الأزمة أداة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، فقد هدَّد مسؤولون بتسريح العمال "غير الأساسيين" بشكل دائم. وأكَّد ترامب نفسه هذا التوجُّه حين لمَّح يوم الثلاثاء الماضي إلى نية استغلال الإغلاق الحكومي المرتقب أداةً لإجراء إصلاحات جذرية، حيث هدَّد بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين الفيدراليين وتقليص مجموعة من البرامج والمزايا الفيدرالية التي يعتبرها غير مجدية، مبرِّراً ذلك بالوضع الجيِّد لبلاده ومؤكِّداً أيضاً أنّ الإغلاق رغم تداعياته قد ينتج عنه الكثير من الخير وقد يحمل في طياته فرصة للتخلُّص من العديد من البرامج غير المرغوب فيها. ويأتي هذا القبول غير المسبوق للإغلاق رغم تداعياته الاقتصادية المثبتة، إذ تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أنّ إغلاقات عام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى قد تسبَّبت في خسائر اقتصادية فادحة بلغت 11 مليار دولار، بما فيها 3 مليارات دولار في شكل خسائر دائمة لم يعوِّضها الاقتصاد الأميركي، الأمر الذي يوضِّح أنّ الإدارة الحالية تنتهج استراتيجية جديدة تعتبر الإغلاق وسيلة مقبولة لتحقيق أهداف سياسية بغضّ النظر عن التكاليف الاقتصادية والاجتماعية. خلاصة القول، تظلّ التبعات الاقتصادية للإغلاق الحكومي الأخير في الولايات المتّحدة مرهونة بعاملين حاسمين، هما مدّته ومدى انتشاره. بيد أنّ الخطر يتصاعد عندما ينحرف الإغلاق عن مساره، فيتحوَّل إلى تسريح دائم للعاملين بدلاً من مجرّد منحهم إجازات مؤقّتة، ممّا يثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني أساساً من وطأة التعرفات الجمركية وتأثيرات الذكاء الاصطناعي. يستند ترامب في ذلك إلى مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" ليستغلّ هذا الإغلاق في تقليص الميزانية إلى حدٍّ لا يمكن بلوغه بأيّ طريقة أخرى، تاركاً المواطن الأميركي العادي يتحمَّل تبعات قراراته المتهوِّرة التي تهدِّد لقمة عيشه، فإلى متى سيستمرّ هذا الوضع؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية