انتخابات التشيك: صداع للاتحاد الأوروبي مع احتمال فوز الشعبويين
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
يتوجه الناخبون في جمهورية التشيك، اليوم الجمعة، وغداً السبت، إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات لاختيار برلمان جديد، وسط توقعات بعودة رئيس الحكومة السابق الملياردير أندريه بابيش إلى رئاسة الحكومة. وتكتسب الانتخابات في جمهورية التشيك أهمية إضافية على خلفية الاستقطاب الحاد، ومخاوف من تغير في سياسات التشيك نحو أوكرانيا، وإمكانية انضمام بابيش إلى كتلة من زعماء شعبويين في وسط وشرق أوروبا، يمكن أن تثير مشكلات إضافية للاتحاد الأوروبي تتمثل في عدم القدرة على إقرار سياسات موحدة صارمة بشأن دعم أوكرانيا، وفرض عقوبات على روسيا، وكذلك قضايا تتعلق بالهجرة والمالية العامة والإنفاق الحكومي. انتخابات التشيك وكشف استطلاع للرأي نُشر في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، أن حزب "آنو" (نعم باللغة التشيكية، وفي الوقت ذاته اختصار العمل من أجل المواطنين الساخطين) بقيادة بابيش سيفوز بنحو 28% من الأصوات، مقابل 21% لائتلاف يقوده رئيس الحكومة الحالي بيتر فيالا. ووفقاً للاستطلاع الذي أجرته "ستيم" (الصوت) التشيكية، فإن خمسة أحزاب أخرى يمكن أن تدخل البرلمان الجديد ينظر إلى ثلاثة منها شركاء محتملين في ائتلاف حكومي يمكن أن يشكله بابيش. وأظهر هذا الاستطلاع تراجعاً في نسبة الداعمين للملياردير ورئيس الحكومة السابق، مقارنة بالشهور الأخيرة. والأرجح أن دخول الأحزاب الصغيرة على الخط وطرحها وعوداً أكثر جرأة، دفع نحو تغيير في المزاج العام، ولكن نسبة كبيرة من التشيكيين لم تحسم أمرها بعد، ما يفتح مجالاً لمفاجآت في خيارات الناخبين تعتمد أساساً على قدرة الحشد لدى الأحزاب ورفع نسب المشاركة ضمن المواطنين المؤيدين لبرامجها. وكانت استطلاعات الرأي في شهر سبتمبر/أيلول الماضي قد أشارت إلى أن حزب "آنو" سيفوز بنحو 30% من الأصوات. الائتلاف الحكومي الحالي، إذا ما فاز، سيكون مشتتاً، ما يُصّعب إيجاد أرضية مشتركة للعمل المنسق وتتباين نتائج الاستطلاعات في شكل واضح، ما يزيد الغموض حول النتائج المتوقعة. ففي بداية العام الحالي، أظهرت استطلاعات رأي "ستيم" فوز بابيش بنحو 34% من الأصوات. ووفقاً لاستطلاع "إيبسوس" مطلع الأسبوع الحالي، فإن نسبة تأييد حزب "آنو" ارتفعت بمقدار 0.4 نقطة مئوية عن أغسطس/آب الماضي، لتصل إلى 32.6%، بينما تراجعت نسبة تأييد الائتلاف الحاكم الحالي "سبولو" بمقدار 0.4 نقطة مئوية لتصل إلى 21.1%. وأظهر استطلاع رأي أجرته "إيبسوس" في أواخر يوليو/تموز وأوائل أغسطس الماضيين، أن حزب "آنو" بزعامة بابيش يتصدر القائمة بنسبة تأييد بلغت 34.9%. يحظى الائتلاف الحاكم الحالي "سبولو" المكون من أحزاب الوسط: الديمقراطيون المدنيون، والديمقراطيون المسيحيون، بنسبة تأييد تبلغ 21.9%. في الوقت نفسه، قد يدخل حزب الحرية والديمقراطية المباشرة اليميني المتطرف البرلمان بنسبة 13%. ينتقد حزب الحرية والديمقراطية المباشرة، الاتحاد الأوروبي، وهو إلى حدّ ما معادٍ لأوكرانيا. وتعهد زعيمه، توميو أوكامورا، رجل الأعمال التشيكي من أصل ياباني، بإجراء فحص شامل لجميع التأشيرات الأوكرانية في جمهورية التشيك في حال دخول حزبه في ائتلاف. كما يقترح الاحتفاظ فقط بالأوكرانيين الذين يثبتون عملهم في وظائف لا يمكن توظيف مواطن تشيكي فيها. في الوقت نفسه، يجب عدم استبعاد بقاء الائتلاف الحالي في الحكم مع مشاركة قوى سياسية جديدة قد تدخل البرلمان مثل حزب القراصنة التشيكي و"حركة ستاتسيلو!" (كفى!). ولكن المشكلة هي أن الائتلاف بقيادة الأحزاب الحاكمة حالياً، سيكون مشتتاً، ما يُصّعب إيجاد أرضية مشتركة للعمل المنسق. عامل ترامب يتصدر حزب "آنو" استطلاعات الرأي مدفوعاً بوعود بخفض الضرائب، ورفع الأجور، وزيادة دعم الإنفاق، والحدّ من الهجرة، ومواجهة سياسات الاتحاد الأوروبي "الخضراء". ويظهر بابيش دعماً واضحاً لنهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقال في تجمعات انتخابية إن ترامب يُسهم في إحلال السلام، وإن حكومته في حال فاز، ستُعطي الأولوية للتشيك. وخلال فعاليات حملته الانتخابية، دأب بابيش على توزيع قبعات بيسبول حمراء كُتب عليها "تشيكيا القوية" على أنصاره. في المقابل، تتركز الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة الحالي بيتر فيالا في السياسة الخارجية على مواصلة دعم أوكرانيا لضمان بقاء جمهورية التشيك، حتى لو تسبب الدعم في تباطؤ النمو، ويشدد على عدم زيادة الإنفاق الحكومي. وتكشف الاستطلاعات عن صعوبة محافظة فيالا على منصبه. وتكشف استطلاعات الرأي كذلك أن حزب "آنو" لن يحصل على أغلبية مطلقة في مجلس النواب المؤلف من 200 مقعد. يتمثل أحد خياراته في السعي إلى تحالف مع جماعات هامشية مثل حزب الحرية والديمقراطية المباشرة بقيادة توميو أوكامورا، والذي اعتمد عليه أحياناً للحصول على الدعم خلال إدارته السابقة. ومن الأحزاب الأخرى التي قد تلعب دوراً حاسماً، حزب "كفى!" اليساري المتطرف، وحزب "سائقو السيارات" المحافظ. ولا تعد التشيك استثناءً، فالانتخابات الأخيرة في أوروبا كشفت عن زيادة تمثيل القوى الشعبوية وأقصى اليسار الساعية للتعاون مع روسيا في البرلمانات الوطنية. وبعد صعود فيكتور أوربان في المجر بطروحاته الشعبوية، وتقدم حزبه اليميني "فيدس"، نهضت قوى شعبوية متنوعة في شرق أوروبا ووسطها، معظمها تشدد على ضرورة القيم المحافظة التي تروج لها روسيا، كما أن هذه الأحزاب تستغل حالة الخوف من مواجهة عسكرية مع روسيا لتطرح برامج تنطلق من ضرورة إنهاء الحرب وفق الشروط الروسية. ومن أهم الأحزاب المقربة من روسيا في التشيك، حزب الديمقراطية والحرية المباشرة، وهو حزب شعبوي تأسس عام 2015 ولديه 20 مقعدا في الهيئة التشريعية التشيكية الحالية ومن المتوقع أن يحصل على 11%. كما تطرح حركة "ستاسيلو!" (كفى!) بقيادة الشيوعيين أفكاراً قريبة لروسيا، ويمكن أن تحقق حسب الاستطلاعات 7%. من هو بابيش؟ يملك بابيش البالغ من العمر 71 عاماً، شركة أسمدة تطورت لتصبح تكتلاً يضمّ شركات تعمل في مجالات الكيماويات والزراعة وتصنيع الأغذية ومنتجات الغابات. وأسس حزبه "آنو" (نعم) عام 2011 بوصفها مجموعة حملة لمكافحة الفساد، وبحلول عام 2013 أصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان. شغل بابيش منصب رئيس الحكومة بين 2017 و2021. شاب فترة ولايته تحقيق في مزاعم حصول شركته على دعم من الاتحاد الأوروبي عن طريق الاحتيال. اندلعت احتجاجات عام 2019 بعد أن أوصت الشرطة بتوجيه اتهامات له في القضية، واستبدل وزير العدل بحليف سياسي. قُدِّم بابيش في النهاية إلى المحكمة بشأن القضية، وتمّت تبرئته. وعادت القضية للظهور هذا العام. عادت قضية احتيال ترتبط بشركة بابيش إلى الواجهة العالم الحالي يشدّد بابيش على أن التشيك يجب أن تبقى ضمن الاتحاد الأوروبي، ويرفض أي فكرة لتنظيم استفتاء على مغادرة الاتحاد. في المقابل، فإن لديه رؤية براغماتية للشؤون الخارجية، ويبدو أكثر استعداداً من الإدارة الحالية لتحدي الاتحاد إذا رأى فرصةً لانتزاع تنازلات، والأرجح أنه يستلهم هذا النهج من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي صعّب استعداده لاستخدام حق النقض (فيتو) ضد قرارات مهمة في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي لتقديم جبهة موحدة لدعم أوكرانيا. وتعهد بابيش بوقف المساعدات العسكرية لكييف في حال إعادة انتخابه، وقال إنه لن يفي بتعهد بزيادة الإنفاق الدفاعي التشيكي كجزء من خطط إعادة التسليح الأوروبية الأوسع. ويشير برنامج بابيش الاقتصادي إلى احتمال قطيعة مع سياسات التقشف المصممة لمواءمة البلاد مع قواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي. وهو يدعو إلى زيادة المعاشات التقاعدية، وزيادة رواتب موظفي الدولة، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية. كما يريد إعادة شركة الكهرباء الوطنية إلى الملكية الكاملة للدولة. وقاومت الحكومات التشيكية المتعاقبة اتخاذ الخطوة الأخيرة في التكامل الأوروبي (الانضمام إلى اليورو) وحتى الآن تتعامل بالكرونة التشيكية. ويعارض بابيش أيضا تبني العملة المشتركة، وإذا نجح في تشكيل تحالف حاكم مع أحزاب هامشية من أقصى اليمين واليسار معادية للاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى سحب البلاد إلى خارج أوروبا بشكل عميق. في الشأن الأوكراني، أشار بابيش أكثر من مرة إلى أنه سيتم إيقاف المبادرة التشيكية لتزويد أوكرانيا بالذخيرة. ووصف بابيش في تجمع انتخابي الأسبوع الماضي هذه المبادرة بأنها "فاسدة" ومكلفة للغاية على دافعي الضرائب، والتي يجب إنفاقها "على شعبنا". وفي ما يبدو مستبعداً إنهاء المبادرة التي جمعت أكثر من 1.6 مليون قذيفة لأوكرانيا، فإن خفض المساعدات أمر مؤكد (بحال فوزه)، إضافة إلى تشديدات على إقامات اللاجئين الأوكرانيين وربطها بالاندماج في سوق العمل. ويُقلّل مؤسس حزب "آنو" باستمرار من شأن التهديد الذي تُشكّله روسيا على التشيك، ويريد الضغط على أوكرانيا لإحلال السلام بسرعة. وشارك بابيش في تأسيس مجموعة "الوطنيون من أجل أوروبا" اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي. واتهم بابيش رئيس الحكومة الحالي فيالا بمحاولة تصعيد الصراع في أوكرانيا. وقال بابيش في 4 مارس/آذار الماضي: "حذّر الرئيس ترامب بشكل محق الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، وبالتالي أوروبا، من أنه يلعب بالحرب العالمية الثالثة". ومن الواضح أن بابيش يحاول كسب الأصوات عبر استمالة شريحة من المجتمع التشيكي القلقة من أن يؤدي الإنفاق المتزايد على الدفاع إلى تقليص الخدمات المحلية، بالإضافة إلى الأصوات الخائفة من الحرب. ويعتمد مدى تقاربه مع روسيا في حال فاز على تشكيلة الائتلاف الحكومي، فأحزاب أقصى اليسار وأقصى اليمين تتبنى أفكاراً معادية للاتحاد الأوروبي وقريبة من روسيا. وأقر الرئيس التشيكي بيتر بافل في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي بأن هناك خطراً من أن تتبع جمهورية التشيك النهج الشعبوي المناهض لأوروبا الذي تنتهجه جارتاها سلوفاكيا والمجر بعد الانتخابات، وقال: "سيكون من غير المسؤول أن أقول إنه لا يوجد خطر، لأنه على الأرجح سيكون لدينا حكومة مختلفة"، مضيفاً أن ما يصل إلى سبعة أحزاب سياسية لديها فرصة دخول البرلمان. وأوضح بافل أن بابيش لا يعارض الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (ناتو)، "ويدرك أن السبيل الوحيد لضمان أمننا وازدهارنا هو داخل هذه المنظمات"، مشيراً إلى أن الخطر في هذا الصدد يكمن في شركاء حزب "آنو" المحتملين في الائتلاف. ولم يحدد بافل حزبي الحرية والديمقراطية المباشرة وستاسيلو، ولكن الحزبين يطرحان تنظيم استفتاء على عضوية التشيك في الاتحاد الأوروبي و"ناتو". ورغم استبعاد بافل حصول أي تغييرات كبيرة في اتجاه السياسة الخارجية لبلاده، إلا أنه شدّد على أنه سيستخدم حقّه الدستوري في إمكانية استبعاد ترشح أي وزير يشكّك في عضوية التشيك في الاتحاد الأوروبي وحلف "ناتو". ويحق للرئيس في جمهورية التشيك دستورياً، ألا يُرشّح بابيش لمنصب رئاسة الحكومة، ويمكن استغلال فضيحة سابقة تتعلق بحصول إمبراطورية بابيش الزراعية الضخمة "أغروفيرت" على مليوني يورو مساعدات أوروبية من دون أساس قانوني فيما عرف بقضية "عشق القلق"، إضافة إلى موقف أحزاب شعبوية قد يتحالف معها من عضوية التشيك في "ناتو" والاتحاد الأوروبي. وفي التشيك، ليس من النادر أن يُعرقل الرئيس التعيينات الوزارية. فسلف بافل، ميلوش زيمان، الذي تولى منصب الرئيس بين 2013 و2023، كثيراً ما تعرّض للانتقاد لتجاوزه الحدود الدستورية برفضه المتكرر تعيين وزراء مقترحين من الأحزاب الفائزة بالانتخابات. ويكشف الجدل حول أهلية بابيش لتولي المنصب بوضوح عن الصداع الاستراتيجي الوشيك الذي قد يسببه للاتحاد الأوروبي وحلف "ناتو" إذا فاز وتحالف مع شعبويين في وسط وشرق أوروبا مثل أوربان في المجر وروبرت فيتسو في سلوفاكيا، ما يزيد من صعوبة تشكيل إجماع أوروبي بشأن دعم أوكرانيا. ووصف بيتر فيالا الانتخابات الحالية بأنها معركة على مستقبل البلاد الجيوسياسي. وقال في تجمع انتخابي، في مدينة بلزن غرب التشيك الأسبوع الماضي: "الأمر يتعلق بالاتجاه الذي ستسلكه جمهورية التشيك. هل سنبقى ديمقراطية قوية، بكامل حريتها وازدهارها، دولة راسخة في الغرب... أم سننجرف إلى مكان ما في الشرق؟". وبحسب تقرير استقصائي في موقع "فوكس بوت" التشيكي، فإن التشيك تُغمر بالدعاية الروسية والمعلومات المضللة. وكشف الموقع أن حجم الأخبار الكاذبة ارتفع بشكل كبير منذ الحرب الروسية على أوكرانيا (فبراير/شباط 2022) ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ نحو 5 آلاف مقال شهرياً. وذكر التقرير الصادر في نهاية أغسطس الماضي، أن أكبر 16 موقعاً للمعلومات المضللة تنتج محتوى يفوق ما تنتجه جميع وسائل الإعلام التقليدية التشيكية مجتمعة. وبحسب الموقع، فإن حملة الأخبار المضللة المدعومة من روسيا، لا تهدف بالضرورة إلى دعم مرشح بذاته، ولكن من أجل تقويض ثقة التشكيين بالاتحاد الأوروبي وحلف "ناتو"، والقيم الديمقراطية الغربية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية