إغلاق مخيّم الهول... فرصة أخرى لسورية أم تهديد؟
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
بعد سنوات من الجمود الذي لفَّ موضوع مخيّم الهول في سورية، عُقِد قبل أيام مؤتمر دولي يمكن تصنيفه بأنه الخطوة الأولى الأكثر جدّية لإيجاد حلّ (ربّما يكون نهائياً) لهذا الملفّ الذي أدارت دول كثيرة معنية ظهرها إليه وأهملته. وإذ تُعدّ سورية المعنية الأولى به، لأنه يقع فوق أراضيها في مدينة الحسكة، ويُنغِّص علاقاتها مع دول كثيرة، خصوصاً العراق، فإنّ إيجابيات إغلاقه تتعدّى الفوائد التي ستكسبها سورية مباشرة، إلى ما سيكسبه العراق وبقية دول الجوار ودولٍ أخرى كثيرة. وعلاوة على وضع حدّ للكارثة الإنسانية التي يشكّلها هذا المخيّم، ومراكز الاحتجاز الأخرى المشابهة في شمال شرقي البلاد، وتضمّ عناصر وعائلات أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، سيضع إغلاقه حدّاً لأكثر الملفّات تعقيداً وإثارةً للجدل والابتزاز في المنطقة. وعلى الرغم من إهمال العالم له سنوات، هنالك مصلحة لدى الجميع بإيجاد حلّ له، لأنه يعني أغلب هذه الدول، ويمسّ أمنها مباشرةً، بسبب احتجاز عناصر للتنظيم من أغلب جنسيات العالم. إغلاق مخيّم الهول سيضع حدّاً لأكثر الملفّات تعقيداً وإثارةً للجدل والابتزاز في المنطقة وعُقِد المؤتمر الدولي، الذي أُعطي صفة "المؤتمر الدولي رفيع المستوى"، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، في 26 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) بدعوة من الحكومة العراقية ورعايتها، وبالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. ويأتي لتذكير المجتمع الدولي مجدّداً بواجبه تجاه المخيّم، وبالمخاطر التي ما زال يشكّلها على أمن دول كثيرة، مع استمرار القاطنين فيه وفي مراكز الاحتجاز الأخرى (يقارب عددهم وفق المؤتمر 30 ألف شخص) في تبنّي أيديولوجيا تدعم الإرهاب، وارتباط آلاف الأطفال والنساء فيه بتنظيم داعش، إذ تعمل النساء على زرع بذور الكراهية في عقول الأطفال، الذين يرجّح بعضهم أنهم يشكّلون نصف القاطنين فيه، وتجهيزهم للتجنيد المستقبلي في عملياتٍ للتنظيم. وشارك في المؤتمر 180 دولةً وعشرات المنظّمات الحكومية والمستقلّة العاملة في مجال حقوق الإنسان. وكما كان متوقّعاً، جرى التركيز على أهمية إعادة الدول رعاياها من المخيّم من أجل إفراغه، وهو ما ركز عليه الرئيس العراقي، الذي أعلن في كلمته خلال المؤتمر، قرارَ بلاده استعادة جميع رعاياها وإعادة تأهيلهم، داعياً بقية الدول إلى اتخاذ خطوات مماثلة. وجاءت الأنباء الجيدة لسورية عن هذا المؤتمر، في وقتٍ تجد فيه الطبقة الحاكمة الجديدة السورية نفسها وسط واقع من ضبابية الأهداف، وتواضع الإنجازات الداخلية، مقارنةً بالوعود التي قطعتها على نفسها، وللشعب، وكذلك مقارنةً بالفترة غير القليلة التي أمضتها في السلطة، التي قاربت الأشهر العشرة، على الرغم ممّا تلقّته من دعم عربي ودولي يجعلها تنجز ما وعدت به كلّه، وربّما أكثر ممّا وعدت. لذلك يُنتظر من رموز الحكم الجديد أن يتنفّسوا الصعداء، وأن يتهيّأوا لجني فوائد إغلاق المخيّم، التي تتوزع بين مستويات وصُعد مختلفة. غير أنّ المهم استغلال هذه الفرصة، وتوظيف الفوائد المتأتية منها على نحوٍ صحيح، لكي تنعكس مباشرةً فوائدَ تمسّ أبناء الشعب السوري في عيشه وأمانه. وبينما أكّد البيان الختامي الصادر عن المؤتمر ضرورة "احترام سيادة الجمهورية العربية السورية"، خلال تنفيذ عمليات إعادة المحتجزين إلى بلدانهم، فإنّه لحظ في إحدى توصياته ضرورةَ "دعم الحكومة السورية في تطوير آليات لإعادة مواطنيها، وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم وتحقيق العدالة لضحايا الإرهاب". وتأتي التوصية الأخيرة في وقت تكثر فيه عمليات الاستهداف والخطف والقتل على أساس طائفي في سورية، وعميات خطف الفتيات، وسط غياب الشفافية، بل وإهمال السلطات وتقاعسها عن معالجة هذه القضية التي بدأت تتفاعل بعدما تجاوزت جميع الحدود في وقت تصرّ فيه الحكومة على تصنيفها حالات فردية، كما تأتي مع بروز قدرة المتّهمين والمدانين، إن صودف واعتقلت السلطات أحدهم، على الإفلات من العقاب، علاوة على عدم محاسبة القضاء السوري (حتى الآن) أيّاً ممن ثبتت إدانتهم بالمشاركة في مجازر الساحل (في مارس/ آذار الماضي)، ثمّ عادوا وشاركوا في مجازر السويداء بعدها. فهل انطلق البيان من هذه الحقيقة، حين ركّز في "ضمان محاسبة مرتكبي الجرائم وتحقيق العدالة لضحايا الإرهاب"، في حديثه عن الجانب المتعلّق بسورية؟ ربّما تتوجّس الحكومة العراقية من ألّا تعمل الحكومة السورية في ضبط رعاياها في مخيّم الهول، وفي المخيّمات الأخرى بعد إغلاقها، وتركهم يتجوّلون في طول البلاد وعرضها بحرّية، ومن دون أن تجري محاسبتهم على الجرائم الإرهابية التي اقترفوها حين كانوا عاملين في صفوف "داعش". كذلك ألّا تعمل على "توفير برامج إعادة تأهيل وإدماج متخصّصة وغير تمييزية، مع دعم الفئات الحسّاسة مثل المراهقين"، كما جاء في إحدى توصيات البيان. وفي هذه الحالة، سيشكّل هؤلاء نواةً طيّعةً وفعّالةً في أيّ تنظيم إرهابي جديد، أو ربّما ينضمّون إلى بقايا التنظيم الناشطين، وينفّذون أعمالاً إرهابية بين الفينة والأخرى في المنطقة، ما يشكّل تهديداً لاستقرار سورية ودول الجوار، خصوصاً العراق، الذي أظهرت حكومته صلابةً في محاربة التنظيم ومحاسبة أعضائه. إغلاق مخيّم الهول واشباهه من مخيّمات يحسّن صورة دمشق سياسياً ويعطي انطباعاً دولياً أن ثمّة بوادر لاستقرار أمني لم تُرصَد ردّات فعل رسمية سورية حول المؤتمر، سوى الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا)، ولا ما إذا كانت الحكومة العراقية قد نسّقت مع الحكومة السورية لعقده. لكن هذا لا ينفي أن المسؤولين السوريين يدركون ما سيتوفّر بين أيديهم من فرصٍ إذا ما أُغلق مخيّم الهول والمخيّمات الأخرى. وبغضّ النظر عن مدى إدراكهم تلك الفرص من عدمه، إلّا أن ذلك لا ينفي أن إغلاق تلك المخيّمات سيجلب فوائد لسورية على الصعد الأمنية والسياسية والاجتماعية والسياسية وغيرها. ويكفي زوال الخطر الذي كان يشكّله من الناحية الأمنية، لأنه أشبه بقنبلةٍ موقوتة، إذ يُعدُّ خزّاناً بشرياً هائلاً لبقايا تنظيم داعش، كما أن إغلاقه يحسّن صورة دمشق سياسياً، ويعطي انطباعاً دولياً أن ثمّة بوادر لاستقرار أمني، بعد غياب التهديد الذي كان يشكّله، ما يجعل المستثمرين المحجمين عن المجيء إلى سورية يفكّرون بإعادة دراسة خططهم في هذا المجال، خصوصاً إذا ترافق إغلاق المخيّمات مع محاسبة مقترفي المجازر والانتهاكات الأخرى ومعاقبتهم. إلّا أن هذه الثمار المنتظرة لا تجعل دمشق في حلٍّ من التزامات مفروضة عليها، بحكم الضرورة، من أجل إتمام غلق هذا الملفّ، خصوصاً من ناحية الاستعداد لإعادة تأهيل قاطنيه، من نساء ورجال وأطفال سوريين، تأهيلهم من النواحي الفكرية والنفسية لنزع التطرّف وفكر "داعش" من عقولهم، وإخضاعهم لبرامج من أجل إعادتهم إلى صفوف الدراسة، وهو شرط لإتمام عملية التأهيل على نحوٍ ناجع، كما أنها ملزمةٌ بمنع تسرّبهم إلى المدن والقرى السورية قبل إعادة تأهيلهم، لكي لا يبادروا بتنفيذ أعمال إرهابية تقلب الطاولة على الحكم الجديد في سورية، وتعيد قادة البلاد إلى لوائح الولايات المتحدة ودول الغرب الخاصّة برعاية الإرهاب، وهو ما لا ينقص البلاد، وما لا ينتظره أبناؤها.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية