
عربي
أعاد الكشف عن وجود مقابر جماعية في محافظة شمال سيناء المطالبات الشعبية بضرورة الإعلان عن أماكن جثث الضحايا وتسليمها إلى ذويهم، في ظل ما يعتبره الأهالي غياباً للاهتمام الحكومي بالقضية.
وقال أ. ن، وهو نجل أحد الضحايا الذين قتلوا على يد مسلحين مجهولين لم يُعرف إن كانوا تابعين للدولة المصرية أم لتنظيم "داعش"، إنه لا يزال يتساءل عن مصير جثمان والده الذي قُتل برصاص مسلحين على أحد الأكمنة في مدينة الشيخ زويد عام 2016، من دون أن يُعرف مكان دفنه. وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه بحث طويلاً عن جثمان والده لكنه لم يصل إلى أي نتيجة حتى اليوم، مشيراً إلى أنّ الحديث عن المقابر الجماعية أعاد إليه الأمل بضرورة تحرك الدولة للبحث عن جثامين القتلى وتسليمها لعائلاتهم كي تُدفن في مقابرهم، وحل لغز "الصندوق الأسود" الذي يحيط بحوادث القتل الجماعي.
وأكد أن عشرات العائلات في شمال سيناء فقدت أبناءها على أيدي الجيش المصري أو تنظيم "داعش"، ولم تتمكن من دفنهم بسبب الظروف الأمنية القاسية التي عاشتها المحافظة بين عامي 2011 و2022. ورأى أن الجهات الحكومية، بما فيها الجيش والشرطة والنيابة والصحة، لم تُبدِ أي اهتمام بهذا الملف، ولم تتعامل مع أي طلبات للبحث عن هذه الجثث، على الرغم من أن المحافظة باتت خالية من الإرهاب ويمكن الوصول إلى المناطق التي شهدت الاشتباكات والأحداث الأمنية.
وكانت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، قد كشفت عن أدلة "دامغة" على وجود مقبرة جماعية في شمال سيناء، ما "يورّط" السلطات المصرية في ارتكاب ما اعتبرته جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وجاء التقرير، الذي أصدرته المؤسسة بالتعاون مع منظمة "Forensic Architecture" (الهندسة الجنائية) التابعة لكلية غولد سميث بجامعة لندن، تحت عنوان "قُتلوا بدمٍ بارد".
ووثق التقرير، الصادر الثلاثاء الماضي، احتواء المقبرة على بقايا بشرية لمصريين قُتلوا خارج نطاق القانون ودُفنوا سراً. وأظهر التقرير، المستند إلى أدلة ميدانية وصور أقمار صناعية وشهادات شهود عيان، أن هذه المقبرة تضم رفات مدنيين وسكاناً محليين (بدو) قُتلوا خلال النزاع المسلح بين عامي 2013 و2022. وكشفت الزيارات الميدانية وعمليات الحفر السطحي التي أجراها فريق المؤسسة عن وجود عشرات الجثث تحت طبقات من التربة، ما يشير إلى دفن متسرّع وغير منظم.
كذلك اعتمد التقرير على تحليلات تقنية متقدمة نفذتها "Forensic Architecture"، شملت مقارنة صور أقمار صناعية أرشيفية وحديثة ودمج روايات شهود العيان، من بينهم أعضاء سابقون في المليشيات القبلية المتعاونة مع قوات الأمن المصرية. وخلصت الأبحاث إلى أن الانتهاكات الموثقة - من إخفاء قسري واحتجاز تعسفي وتعذيب ممنهج - انتهت في كثير من الحالات بالقتل خارج نطاق القانون.
وقال الناشط السياسي زهدي جواد من مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إن ملف المفقودين والمختفين قسراً في سيناء "لا يزال يمثل صندوقاً أسود لم يفتح بعد"، رغم انتهاء حالة الطوارئ ومكافحة الإرهاب التي استمرت أكثر من عشر سنوات. وأوضح أن عشرات، بل مئات من أبناء المحافظة، ما زالوا في عداد المفقودين نتيجة عمليات الجيش والشرطة، إضافة إلى من وقعوا ضحايا لتنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن غياب الاهتمام الرسمي بهذا الملف يفاقم معاناة عشرات البيوت في سيناء.
وأضاف جواد أن "من حق هذه العائلات أن تعرف مصير أبنائها، وأن تُسلّم جثامين من تأكد مقتلهم لدفنها بشكل لائق، خصوصاً في ظل تحسن الأوضاع الأمنية وقدرة الأجهزة الحكومية على العمل بحرية في شمال سيناء".
من جهته، شدّد الشيخ أبو محمد السويركي على أن عائلات سيناء "تستحق اهتمام الدولة في هذا الملف الإنساني البحت الذي يمس مشاعر الأسر التي فقدت أبناءها نتيجة الإرهاب أو عمليات الجيش والشرطة". وقال في حديثه لـ"العربي الجديد" إن الكشف عن وجود مقبرة جماعية "أثار قلق الأهالي على مصير جثث عشرات المفقودين الذين تأكد مقتلهم، بغض النظر عن الجهة التي تسببت في ذلك"، داعياً الدولة إلى تقديم رد رسمي يطمئن العائلات والبدء في البحث عن الجثامين وتسليمها إلى ذويها.
