
أوقفت الإمارات رحلات الطيران من السودان وإليه، ما اعتبره بعض المتابعين تهديداً مباشراً لمصالح آلاف العمال والقطاعات المرتبطة بالاستثمار الإماراتي، كما أن ذلك يضع السودان في خانة الدول عالية المخاطر أمام أي استثمار أجنبي محتمل، مما سيؤدي إلى مزيد من التدهور في سعر العملة الوطنية، الجنيه، وتفاقم التضخم وانهيار منظومة الصادرات والواردات.
وأصدرت السلطات الإماراتية قراراً مفاجئاً بحظر جميع الرحلات الجوية من الإمارات إلى السودان والعكس، اعتباراً من الساعة الثانية صباح الأربعاء الماضي.
وأُبلغت شركات الطيران السودانية بالقرار عبر مكالمات هاتفية وردت في ساعات الفجر الأولى. وردت سلطة الطيران المدني السودانية على الخطوة حيث أصدرت بيانا الأربعاء، أكدت فيه أنها فوجئت بالخطوة التي اتخذتها السلطات الإماراتية دون سابق إنذار، والتي شملت منع إحدى الطائرات السودانية من الإقلاع من مطار أبوظبي، إلى جانب حظر هبوط جميع رحلات شركات الطيران السودانية في المطارات الإماراتية.
وقال عاملون في شركات طيران سودانية إن سلطات الطيران المدني الإماراتية أبلغت الشركات السودانية بوقف رحلاتها من مطاري دبي والشارقة وإليهما، وقررت سلطات الطيران في الإمارات حظر شركتي بدر وتاركو السودانيتين من دون إبداء أي أسباب. وأكدوا أن القرار تسبب في حالة ارتباك بمطار بورتسودان، لأنه صدر بعدما أنهى مسافرون على متن طائرة لشركة تاركو إجراءات الخروج.
ووفقاً لشهود عيان، فوجئ الركاب المتوجهون إلى الإمارات بإيقاف رحلاتهم ومنعهم من الصعود إلى الطائرات، رغم إتمام بعضهم لإجراءات السفر ودخولهم صالات المغادرة. وأفادت مصادر داخل المطار أن الخطوط الجوية السودانية تلقت إخطاراً عاجلاً بوقف الرحلات إلى الإمارات فوراً، ما أدى إلى إرجاع جميع المسافرين.
ويقول مراقبون إن الخطوة ستُسهم في تفاقم الأزمات الداخلية، خاصة أن الإمارات تملك استثمارات ضخمة في السودان، كما ساهمت الإمارات في العديد من المجالات الاقتصادية والاستثمارات طويلة الأمد، سواء في البنوك أو شركات الاتصالات والأدوية والسيارات وعمليات التنقيب عن الذهب والنقل الجوي والخدمات اللوجستية، إضافة إلى العقارات وتوظيف الآلاف من السودانيين.
تأثير وقف الرحلات
وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات من أهم الدول التي كانت تدعم السودان منذ سبعينيات القرن الماضي، ولها استثمارات كبيرة داخل السودان، وتُعتبر الوجهة الثانية بعد المملكة العربية السعودية التي يقصدها السوداني مغترباً لأجل العمل، وفيها حوالي 300 ألف سوداني و50 ألف طالب سوداني داخل مدارس وجامعات الإمارات، وهو عدد كبير بالفعل ومؤثر في سوق العمل الإماراتي.
وأشار إلى أنه لا يوجد رجل أعمال سوداني إلا وله مصالح داخل الجهاز المصرفي الإماراتي، حيث إن تحويلات النقد الأجنبي لعمليات صادرات السودان مرتبطة بالدرهم الإماراتي أكثر من الدولار الأميركي، للالتفاف على العقوبات الأميركية التي ظلت تحاصر النظام المصرفي السوداني منذ العام 1997. هذا بخلاف أن هناك مليوناً ونصف مليون سوداني يعتمدون على تحويلات أبنائهم الذين يعملون في الإمارات.
وقال إن الإمارات تُعد من أكبر المستثمرين في السودان، وكانت تمثل شرياناً رئيسياً لدعم السودان في قطاعات حيوية كالموانئ والبنية التحتية والزراعة، وهو ما يجعل القرار محفوفاً بتبعات اقتصادية خطيرة قد تعجّل بانهيار ما تبقّى من مؤسسات الدولة.
وأعلنت الحكومة السودانية، في مارس/ آذار الماضي، وقف تصدير الذهب إلى الإمارات، وقال وزير المالية جبريل إبراهيم حينها إنهم ماضون في الترتيب لأسواق بديلة، من بينها قطر وتركيا ومصر والسعودية، ولم توضّح الحكومة، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على قرارها، الأسواق البديلة لصادر الذهب، خاصة أن 80% من إنتاج المعدن الأصفر موجهة إلى القطاع الخاص. ولا تزال الحكومة تُصدر الذهب إلى الإمارات بعدما فشلت في إيجاد أسواق بديلة للمعدن الذي يساهم بنحو 50% من قيمة الصادرات السودانية، بما يعادل نحو 2.3 مليار دولار.
ويتم تصدير الذهب بنظام الدفع المقدّم، أي يودع المُصدر القيمة الدولارية لصادر الذهب قبل الشحن للخارج. وتعوّل الحكومة على التنقيب عن الذهب من أجل سد الفجوة في الإيرادات الناتجة من فقدانها حوالي 70% من عائدات النفط بعد انفصال دولة الجنوب في العام 2011.
ووفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فإن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% من جراء الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو عامين. وقال رئيس شعبة الصاغة وتجار ومُصدري الذهب في السودان، عاطف أحمد، إن دبي تعتبر السوق الرئيسة لتصدير ذهب السودان بفضل إجراءاتها المبسطة وتحويل الأموال المباشر عبر مجلس الذهب العالمي.

أخبار ذات صلة.
