
من العراق إلى سورية يبرز جيل من الشباب بمبادرات ثقافية وفكرية تسعى إلى استعادة دور الكلمة في مواجهة العنف والتهميش. ففي مجالي الشعر والترجمة، تتشكل مشاريع جديدة بعيدة عن القوالب الجاهزة، وتفتح مساحات للحضور والتأثير. في سورية، أعلنت مجموعة "سُلَّم"، وهي مجموعة شبابية مبادرة بعنوان "مسيرة يحيى شربجي" لتشجيع المحتوى الثقافي السلمي. بينما وُلدت "جماعة صفر الشعرية" في العراق، في الوقت نفسه، مبادَرةً تهدف إلى فتح مسارات جديدة للشعر العراقي. فهل هي صرخة مؤقتة أو بناء واقعي لصوت جديد؟
"الكتابة لأن الصمت لم يَعُد كافياً"، بهذه العبارة أعلنت مجموعة من الشعراء العراقيين انطلاقة مبادرتهم الشعرية الجديدة، ردّاً على ما وصفوه بالاعتياد على البشاعة وتسليع الإنسان وتسطيح المفاهيم. من هنا، وُلدت "جماعة صفر الشعرية"، مبادرةً تهدف إلى فتح مسارات جديدة للشعر العراقي المعاصر، وتضم ثمانية شعراء شباب.
محاولات لخلق مضمون ثقافي بعيداً عن الأطر المؤسساتية
في حديث لـ"العربي الجديد"، يوضح عامر الطيب، أحد الشعراء الثمانية المبادرين، أن فكرة الجماعة أعقبت حوارات مطوّلة تمحورت حول نقد الواقع الثقافي العراقي الراهن. ويضيف: "صفر هي محاولة للنظر في دور الشعر والحيّز الذي يشغله جيلنا. الشعرية العراقية تعاني من هشاشة واضحة في مواجهة السياسي والاجتماعي، ولا يمكن للشعر، ضمن سياقه الحالي، أن يكون فاعلاً حقيقيّاً، لكنه أيضاً يجب ألّا يظل مختبئاً في عزلة قاتلة". أما عن دلالة الاسم، فيوضح الطيب أن "صفر" لا تشير إلى بداية زمنية، بل إلى لحظة وعي مشتركة بين الشعراء، نابعة من إحساس جماعي بضرورة مواجهة الواقع السائد بأدوات شعرية جديدة".
وتشرح الشاعرة نور درويش، مُؤسّسة الجماعة، لـ"العربي الجديد" ما يميّز "صفر" من غيرها من التجارب السابقة، قائلة: "التوقيت هو ما يصنع الفارق. في عالم يدفع الناس إلى التفريغ من ذواتهم ومن أسئلتهم العميقة، ويحاصرهم بعجلة الإنجاز والشهرة، تأتي الجماعة في لحظة تحتاج فيها الأشياء إلى مَن يعيد إليها روحها المسلوبة. نحن نكتب ونشتغل على النص من دون قيود شكلية، سواء أكان عمودياً أم حرّاً أم نثريّاً، المهم هو الاشتغال العميق على المعنى".
أما الشاعر صفاء سالم إسكندر، فيشير في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن علاقة "جماعة صفر الشعرية" لا تقتصر على القارئ العراقي بل هي قائمة مع القارئ العربي أيضاً، من خلال ما نشره أعضاء الجماعة من أعمال في دور نشر عربية. ويضيف: "نعمل على توسيع هذا الجسر عبر وسائط متعددة، من المطبوع إلى الرقمي، بما يتيح للنصوص أن تتحرك وتتجاوز الحدود الضيقة".
في سياق مختلف من حيث الوسيلة، ومتشابه من حيث جدوى الكلمة، أطلقت مجموعة "سُلَّم"، وهي مجموعة سورية شبابية لا عنفية، مشروعاً ثقافيّاً بعنوان "مسيرة يحيى شربجي"، تكريماً لذكرى أحد أبرز وجوه العمل السلمي في داريا، الذي اعتُقل مرات عدة قبل أن يُعلَن إعدامُه داخل معتقلات النظام السابق عام 2013. يسعى المشروع إلى نشر مبادئ السلام والعدالة المجتمعية، من خلال منصة مفتوحة للكتابة والترجمة والتوثيق، تركز على أربعة محاور: النساء والعمل اللاعنفي، واللاعنف والإعلام والدراما، واللاعنف والتعليم، وتاريخ الحركات اللاعنفية السورية.
تُفتح المشاركة أمام الشباب السوريين لكتابة مقالات ودراسات، أو ترجمة نصوص، أو تقديم أعمال فنية وبصرية تعبّر عن مفاهيم اللاعنف والسلم الأهلي، من دون فرض وصاية فكرية، ما يتيح تنوّعاً في الأصوات ضمن إطار المبادئ التي تؤمن بها. ووفقاً للقائمين على المشروع، فإنّ اسم يحيى شربجي ليس تمجيداً فرديّاً، بل تكريمٌ لقيمٍ مثّلها ورفاقه، ولسعيهم إلى سورية يسودها السلام والكرامة.
