
عندما تفكر الحكومة المتطرفة في إسرائيل في معاودة شن هجوم عسكري جديد على إيران فإنها يجب أن تضع في حساباتها المعقدة أموراً عدة، منها تكلفة المواجهة الجديدة، والخسائر الفادحة التي لحقت باقتصاد دولة الاحتلال في المواجهة الأولى التي استمرت 12 يوماً وكبدته مليارات الدولارات، ما بين خسائر مباشرة في البنى التحتية والمرافق، وهروب للأموال، وشلل في الأنشطة الاقتصادية، والضغط على سوق العمل، بسبب سحب آلاف من الأيدي العاملة وإلحاقهم كجنود احتياط في جيش الاحتلال. وأقصت الحرب 12 ألف جندي إسرائيلي من سوق العمل، وألحقت الإصابات في صفوف جيش الاحتلال، سواء إعاقات جسدية أو أمراضاً نفسية وعقلية، والتي يتوقع أن تصل إلى نحو 50 ألف جندي وضابط بحلول عام 2028، أضراراً مباشرة بسوق العمل والاقتصاد الإسرائيلي.
كما يجب أن تدرك تلك الحكومة المتطرفة أن الجولة الجديدة من المواجهات مع إيران قد تكون لها انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العالمي والعربي، خاصة على أسواق الطاقة، وأسعار النفط والغاز، وكلفة السلع الأساسية والوسيطة، والمعادن، والمواد الخام، وسلاسل التوريد، وغيرها، وأن المواطن الأميركي والغربي سيتضرر من اندلاع الحرب مجدداً، بل قد تعيد تلك الحرب شبح التضخم العالمي وأجواء الربع الأول من عام 2022 حين اندلعت حرب أوكرانيا.
والأهم أن تدرك حكومة تل أبيب أن نتائج تلك الجولة من المواجهات العسكرية لن تكون سهلة، بل قد تقود إسرائيل ليس فقط إلى أزمة مالية حادة، وتعميق العجز الضخم القائم في الموازنة العامة، وزيادة غير مسبوقة في الدين الحكومي، وتراجع معدل النمو، وجر حكومة نتنياهو نحو تطبيق سياسات التقشف وزيادة الضرائب والرسوم والأسعار، وتقليص النفقات العامة، بل إلى حفرة اقتصادية لا قاع لها.
قد تقود الحرب المقبلة إسرائيل إلى أزمة مالية حادة، وتعميق العجز الضخم في الموازنة، وزيادة غير مسبوقة في الدين العام، وتراجع معدل النمو، وجر حكومة نتنياهو نحو تطبيق سياسات التقشف
حفرة قد تودّع فيها إسرائيل سنوات دولة الرفاهية، وتتحول معها إلى دولة نامية هشة اقتصادياً ومالياً، ينفر منها المستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء، مع تراكم الأعباء المالية الناتجة عن الكلف العالية للحرب على غزة، والمواجهات المتتالية مع طهران، وقبلها المعارك مع حزب الله اللبناني والمقاومة في العراق واليمن وسورية.
ومن هنا يمكن القول إن المواجهة المحتملة بين طهران وتل أبيب لن تكون نزهة للاقتصاد الإسرائيلي المأزوم أصلاً، بل قد تعني نهاية الأسطورة التي تقول إن إسرائيل هي الدولة الأكثر أمناً للاستثمارات الخارجية، والأسرع جذباً للأموال في منطقة الشرق الأوسط، والأعلى ربحية للشركات بين الأسواق الناشئة، وأن مقولة أن الجيش الإسرائيلي "الأكثر أخلاقية" في العالم تحولت إلى أكذوبة كبيرة، بعد أن أصبح أقذر وأحقر جيش في العالم والأكثر دموية في التاريخ الحديث، حيث يشن حرب إبادة جماعية على أهالي غزة منذ أكثر من 22 شهراً.
على حكومة نتنياهو أن تسترجع ذاكرتها الخبيثة ما جرى في الجولة الأولى من المواجهات بين طهران وتل أبيب، فـ 12 يوماً من المواجهات (13 - 24 يونيو 2025) كلّفت الاقتصاد الإسرائيلي ما يزيد عن 52 مليار شيكل (أكثر من 14 مليار دولار)، وبما يزيد عن مليار دولار يومياً، يرتفع الرقم إلى 20 مليار دولار عند احتساب الأضرار غير المباشرة، وأن خسائر النفقات العسكرية المباشرة قدرت بنحو 725 مليون دولار يومياً، إضافة إلى الأضرار الناتجة عن الضربات الصاروخية، والطائرات والوقود، ونشر القوات، وتكاليف إعادة الإعمار والتعويضات.
وأن تتذكر أن صواريخ إيران أصابت بدقة أكثر المرافق الاقتصادية حساسية في إسرائيل، ومنها مصفاة حيفا، أكبر مصفاة نفط، التي تكبّدت خسائر تُقدّر بـ200 مليون دولار، كما تعرّضت المباني السكنية والبنية التحتية ومواقع عسكرية واستخباراتية ومقار الوزارات والبورصة وشركات التكنولوجيا وغيرها لأضرار جسيمة.
وهددت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية عمق تل أبيب والمدن الاقتصادية ومواقع إنتاج النفط والغاز الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط، والأخطر أنها هزت صورة إسرائيل الذهنية التي حاولت دولة الاحتلال ترسيخها لعقود، حيث لم تعد دولة آمنة للعيش والحياة، ومن هنا هرب منها المليونيرات وأصحاب رؤوس الأموال ومستثمرو الشركات.
