
دعا وزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري إلى ضرورة العودة لإنتاج المسلسلات الدينية في مصر، وذلك خلال لقاء جمعه بعدد من ممثلي الفن، مثل نقيب الممثلين أشرف زكي والممثلة ماجدة زكي والمايسترو أمير عبد المجيد، أمس الأحد.
وطبقاً لما أعلنت عنه وزارة الأوقاف، فقد جرى التباحث في أوجه التعاون المشترك في دعم الدراما الدينية والأنشطة الفنية والثقافية التي تخدم قضايا الوعي وبناء الإنسان، لا سيما في إطار مبادرة "صحح مفاهيمك"، التي أطلقها الوزير من مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي.
وأكد وزير الأوقاف خلال اللقاء أن الدراما الدينية تمثل ركيزة أساسية من ركائز تجديد الخطاب الديني، خصوصاً في عصر الصورة ووسائل التواصل الحديثة، لما لها من تأثير بالغ في تشكيل الوعي الجمعي وتعزيز القيم النبيلة، وأوضح أن رسائل المبادرة تخاطب جميع فئات المجتمع، الأمر الذي يستدعي بثها عبر مختلف الوسائل والوسائط، وبما يتناسب مع المستويات الفكرية والثقافية لكل فئة.
السؤال الآن لماذا اختفت الدراما الدينية في مصر، حتى في شهر رمضان الذي كان يتميز بدخولها المنافسة مع المسلسلات الأخرى؟ فلا أحد ينسى أهم ما عرض على الشاشة من أعمال دينية كان الجمهور يلتفت حولها ويهتم بمشاهدتها، ومنها "محمد رسول الله" و"عمر بن عبد العزيز" و"الإمام الطبراني" و"لا إله إلا الله" وغيرها.
هل السبب هو الكلفة الإنتاجية العالية؟ أم أن بعض الفنانين باتوا يفضلون الدراما الخفيفة القصيرة التي تُصور في أيام معدودة مقابل أجور مرتفعة؟ أم أننا أمام أزمة في الكتابة؟
وقال الممثل المصري أحمد عبد العزيز، الذي سبق له أن قدم العديد من الأعمال الدينية، لـ"العربي الجديد"، إن دعوة وزارة الأوقاف للاتجاه إلى إنتاج الأعمال الدينية "خطوة جيدة تحسب لهم وتدل على مدى إيمان الوزارة بالقوة الناعمة وتأثيرها في الجمهور".
وأضاف أن المسلسلات الدينية اختفت من على خريطة المسلسلات، بما في ذلك الرمضانية، لعدة أسباب، منها كلفة إنتاجها المرتفعة للغاية، وغياب الدعم الحكومي لأعمال الدراما الدينية، معتبراً أنه من الضروري إنتاج عمل واحد على الأقل سنوياً، لترسيخ القيم والمبادئ الدينية، كما أشار إلى أنه ليس من الضروري أن تقدم هذه الأعمال النصح المباشر، بل يمكن صياغتها في قالب اجتماعي يحمل رسائل دينية تصل للجمهور بشكل سلس، خاصةً أن كثيرين لا يتقبلون الوعظ المباشر.
وأشار عبد العزيز إلى أن بعض الممثلين يفضلون عدم المشاركة في المسلسلات الدينية لاعتقادهم أنها لا تحقق الانتشار، وهو اعتقاد خاطئ، إذ يعتمد الأمر على جودة الكتابة، التي تحتاج إلى احتراف وقدرة على إيصال الرسائل ببساطة، إضافة إلى أن بعض القائمين على الإنتاج يتجنبون الدخول في هذا النوع من الأعمال خشية الاصطدام بالرقابة والمحاذير التي تفرضها، ما يؤدي في النهاية إلى العزوف عن إنتاجها، والتركيز على الأعمال الاجتماعية أو الكوميدية الخفيفة.
من ناحيتها، عبّرت الفنانة والمنتجة المصرية سميرة أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن ميلها إلى الأعمال الدينية والتاريخية وان كانت الفرصة لم تسمح لها بالمشاركة سوى في عمل واحد هو فيلم "الشيماء"، وأبدت سعادتها برغبة وزارة الأوقاف في التعاون مع المؤسسات الفنية لإنتاج أعمال دينية، مؤكدةً أن كلفة هذه الأعمال باهظة ولا يمكن لجهة واحدة تمويلها.
كما تمنت أحمد أن تُنتج في مصر مسلسلات دينية حتى لو كانت قصيرة، لتُعرض على القنوات الفضائية والمنصات الرقمية، وذلك لمواجهة ما وصفته بـ"الابتذال الذي يُعرض على الشاشات والهواتف المحمولة".
فيما قال الممثل أحمد ماهر، الذي شارك في العديد من المسلسلات الدينية مثل "لا إله إلا الله" و"رسول الإنسانية" و"الكعبة المشرفة" و"محمد رسول الله"، إن السبب الرئيسي في غياب هذه الأعمال هو الإنتاج، مطالباً الدولة بالتدخل لتمويلها، خاصةً في ظل غياب وزارة الإعلام التي كانت تموّل هذه الأعمال في الماضي، وأوضح أن القطاع الخاص وحده يستحيل أن يتحمل إنتاج عمل ديني ضخم بما يتطلبه من ديكورات ومجاميع وفنانين "يقدمون أدوارهم بقلوبهم قبل ملامحهم، وهي مسؤولية كبيرة"، حسب تعبيره.
أما المخرج مجدي أبو عميرة، الذي كانت أول تجربة إخراجية له من خلال المسلسل الديني الإمام الطبري عام 1987، فأشار إلى أن غياب هذه الأعمال ليس أمراً حديثاً، بل بدأ منذ عام 2011 حين ابتعدت الدولة عن إنتاجها بسبب التعثرات الاقتصادية، وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المنتج الخاص يستصعب المغامرة بإنتاج عمل ديني بسبب ارتفاع كلفته، خاصةً مع الملابس والديكور التي قد توازي ميزانية مسلسل كامل، وأكد أنه حتى لو أقدم المنتج على هذه الخطوة، فإنه قد يواجه صعوبة في تسويق العمل للقنوات الفضائية التي باتت تبحث عن مضمون تجاري مضمون الربح.
فيما رأى السيناريست محمد الباسوسي أن أحد أهم أسباب غياب المسلسلات الدينية هو نقص الكتّاب المتخصصين في هذا المجال، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي حين كان هناك كتاب بارزون مثل عبد السلام أمين، وأضاف أن العامل الإنتاجي حاسم أيضاً، إذ يفضل المنتجون حالياً الأعمال التوثيقية أو الاجتماعية ذات الكلفة القليلة بالمقارنة مع الأعمال الدينية.
واتفقت الناقدة خيرية البشلاوي مع معظم الآراء السابقة، مؤكدةً أن الكلفة الإنتاجية المرتفعة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، تمثل عقبةً أساسيةً أمام إنتاج هذه الأعمال، وأوضحت أن كل عنصر في العمل الديني يحتاج إلى ميزانية ضخمة، بدءاً من تصميم الديكورات التي تناسب الحقبة التاريخية، ومروراً بالمجاميع والكومبارس وأجورهم وملابسهم وإكسسواراتهم، وصولاً إلى الكتابة التي يجب أن تكون على مستوى يليق بعظمة العمل الديني وقدسيته.
