ميلوني المشتاقة إلينا في تونس دوماً
عربي
منذ ساعة
مشاركة

تمكّنت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، من تحطيم الرقم القياسي لزيارة مسؤولين كبار لتونس، فمنذ تولّيها رئاسة الوزراء، التي لم تتجاوز بعد ثلاث سنوات، زارت تونس خمس مرّات، آخرها في إبريل/ نيسان 2024، ووُقّعت آنذاك اتفاقات تخصّ مجال الطاقات والتعليم العالي ودعم المؤسّسات الاقتصادية الصغرى والمتوسّطة، غير أن تنفيذها ومردوديتها (بعد أكثر من سنة) ظلّا محدودين، ولا نعثر منذ عقود على مشروع تنموي كبير في تونس وراءه إيطاليا، فحتى الصين البعيدة منّا أقامت عدة مشاريع تشمل البنية التحتية ومراكز ثقافية، فضلاً عن مركز تكوين دبلوماسي منحته هديةً لوزارة الخارجية التونسية، ويُعدُّ تقريباً الأكبر أفريقياً.
كثافة زيارات السيدة جورجيا ميلوني لا تشمل زيارات وزراء حكومتها المتعدّدة، وخصوصاً وزراء الداخلية والخارجية والدفاع، ما يدلّنا على ملاح التعاون الإيطالي التونسي، الذي يبقى في أغلبه ذا طابع أمني خالص، رغم ما يرد بين حين وآخر من حديث عن مشاريع تنموية بين البلدَين، وتحديداً الطاقة التي تشمل إنجاز شبكة تبادل كهربائي عابرة للمتوسّط، إلخ. الأخبار التي توردها صفحة رئاسة الجمهورية التونسية في "فيسبوك" عن تلك الزيارات تعيد تقريباً العبارات المكرّرة نفسها في زيارات بقية المسؤولين، وتدور في مجملها حول تبادل وجهات النظر حول القضايا المشتركة، وتمتين التعاون بين البلدَين وتطابق وجهات النظر في كلّ القضايا المطروحة، غير أنها أضافت هذه المرّة "الحرص المشترك على مزيد من دعم التعاون الثنائي في عدد من المجالات، ومن بينها على وجه الخصوص تلك المتعلّقة بالنقل والصحّة والفلاحة والطاقة. وضرورة تكاتف جهود جميع الأطراف المعنية من أجل تنظيم جسور جوية للعودة الطوعية للمهاجرين غير النظاميين، الموجودين على التراب التونسي، مع تفكيك الشبكات الإجرامية.

تصريحات قيس سعيّد تجاه إيران، التي تشي بسعيه لتوثيق العلاقات معها، وتقاربه مع الصين وروسيا حثّت ميلوني على زيارة تونس

جرى التطرّق إلى عدّة مسائل إقليمية إلى جانب الأوضاع في فلسطين السليبة وجرائم الإبادة المتواصلة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني". غير أن في ما تنقله وكالات الأنباء الإيطالية (نوفا وآكي وراي)، عن هذا "الحدث الهامشي" في ترتيب أخبارها، بعض الاختلاف مع الرواية التونسية، مؤكّدة أهمية التنسيق الأمني من أجل مكافحة ظاهرة الهجرة السرّية الى جانب التعاون الاقتصادي، غير أنها لم تشر مطلقاً إلى القضية الفلسطينية، التي لا تزال إيطاليا تقاربها مقاربةً متخلفةً عن موجات التعاطف الرسمي لعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي. ففيما ذهب وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا (بعد تلدّد كبير) أخيراً إلى إدانة سياسة التجويع في غزّة، ظلّت إيطاليا الرسمية صامتةً صمتاً أقرب إلى التواطؤ، ولا يمثّل هذا الموقف غرابةً، والحال أن السيدة ميلوني تقود حكومةً من أقصى اليمين الإيطالي، فضلاً عن تراثها الذي يمتدّ إلى جدّها موسوليني. غير أن هذه الزيارة أخيراً التي جاءت فجأةً (لم تُعلَن مسبقاً) ولم تدم غير ساعات، لا يرى متابعوها أنها تقليدية بشأن تعاون اقتصادي أو أمني بين البلدَين. كانت إيطاليا والجزائر دوماً حاضرتين بكثافة في كلّ التحوّلات التي مرّت بها البلاد، فالتحوّل السياسي الذي عرفته تونس سنة 1987، جرى بتنسيق مخابراتي إيطالي جزائري وثيق. ولذلك، ظلّت عين إيطاليا دوماً على ما يجري في تونس، وربّما لم تغلّ يدها لتوجيه ما يجري لمصلحتها إن لم تكن هي التي حرّكت أياديها الخفية لتؤمّن مصالحها. وتثير زيارة ميلوني عدّة أسئلة، وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة مسعد بولس (المستشار السياسي للرئيس ترامب) تونس، فالتقى الرئيس قيس سعيّد، ولم ترشح عن اللقاء غير أنباء شحيحة، كما قد سبقتها زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون روما، إذ عاد غانماً بأكثر من 30 اتفاقية تعاون قطاعية، غطّت تقريباً جلّ المجالات الاقتصادية. وجاءت زيارة ميلوني قبل يوم من انعقاد قمة ثلاثية في إسطنبول جمعت الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وميلوني ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد دبيبة.

إيطاليا والجزائر كانتا دوماً حاضرتين بكثافة في كلّ التحوّلات في تونس

تصريحات الرئيس قيس سعيّد تجاه إيران، التي تشي بسعيه لتوثيق العلاقات معها على جميع المستويات، مباشرةً بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل وأميركا عليها، وتقاربه مع الصين وروسيا (زار سعيّد الصين في مايو/ أيار 2024)، قد تكون حثّت ميلوني على زيارة تونس للقاء الرئيس سعيّد، ومحاولة ثنيه عن الذهاب بعيداً في تحالفات بديلة قد تخلّ بالتوازنات وتجعل تونس خارج المدار الغربي الأطلسي، والمتوسّط على عتبة تغيرات جيوسياسية كبيرة.
تكاد تردّد ميلوني على مسامعنا أغنية وردة رحمها الله: "وحشتوني وحشتوني... أهلا أهلا بأعز الحبايب"، بألحان الرائع بليغ حمدي.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية