5 سنوات على انفجار بيروت: آمال حذرة بالتقدم في التحقيقات
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

مشهدان يختصران خمسة أعوام من تاريخ وقوع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، الأول يتمثّل باستمرار محاولات الانقلاب على التحقيقات والإفلات من العقاب، والثاني إصرار أهالي ضحايا انفجار بيروت على تنفيذ تحركاتهم الشهرية ووقفاتهم الاحتجاجية ومتابعتهم للملف بلا استسلام أو مساومة، ولو أنّ الذكرى السنوية اليوم تحلّ على وقع تطورات بارزة من شأنها أن تعيد الأمل، ولو كان "حذراً"، بإمكان الوصول إلى الحقيقة والعدالة الكاملة المنتظَرة.

انفجار بيروت في ذكراه الخامسة

وفي الذكرى الخامسة لأكبر تفجير غير نووي في التاريخ الحديث، ينفذ أهالي الضحايا اليوم الاثنين، مسيرة في بيروت، للتأكيد أن من دمّر العاصمة وقتل ناسها لا يمكن أن يُترَك بلا حساب، ولرفع الصوت باتجاه التسريع في إصدار القرار الاتهامي، وذلك بعد أعوامٍ من العرقلة وشلّ عمل القضاء، خصوصاً أن المخاوف لا تزال موجودة من استغلال المدعى عليهم ثغرات قانونية أو اختلاق بدعٍ تحول دون استكمال التحقيقات.

وأودى انفجار بيروت الذي وقع عند الساعة السادسة وسبع دقائق مساءً، في 4 أغسطس آب 2020، بحياة 218 شخصاً، وإصابة 7 آلاف تقريباً، متسبباً في دمار واسع، وصلت أضراره إلى مسافة 20 كيلومتراً. وتبين أن الانفجار نجم عن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم سريعة الاشتعال، بقيت مخزنة في مرفأ بيروت منذ عام 2014، من دون أدنى درجات الوقاية. وفي 9 سبتمبر/أيلول 2020، قدّر البنك الدولي، في تقرير أولي، الخسائر الناجمة عن انفجار بيروت بما بين 6.6 مليارات دولار و8.1 مليارات دولار، بينها أكثر من 3 مليارات دولار خسائر اقتصادية.

ماريانا فادوليان: نعمل للإبقاء على إهراءات القمح في مرفأ بيروت، كذاكرة جماعية للوطن بأكمله

ويعوّل أهالي ضحايا انفجار بيروت على عهدٍ جديدٍ دخلت فيه البلاد منذ انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية في يناير/كانون الثاني الماضي، وتأليف حكومة الرئيس نواف سلام في فبراير/شباط الماضي، من أجل كسر حاجز التدخلات في التحقيق ومنع تعطيله، خصوصاً في ظلّ التعهدات الرسمية بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار، علماً أنّهم ينتظرون ترجمة الالتزامات إلى أفعال، ورفع الحماية والحصانات عن كل المسؤولين الضالعين في الانفجار.

وتشدد ماريانا فادوليان، (شقيقة الضحية غايا، ومن جمعية أهالي الضحايا)، في حديث مع "العربي الجديد"، على "أننا نريد العدالة الشاملة والكاملة ونرفض تجزئة الملف بما يسمح بتهريب الأشخاص من المحاسبة أو إفلاتهم من العقاب"، مشيرة إلى أن "جميع المسؤولين عن هذه الجريمة يجب أن يُحاسبوا، ومن يثق ببراءته عليه أن ينزل إلى التحقيق لا أن يعرقله بالحصانات أو الدعاوى التي يرفعها". وتتوقف فادوليان عند التمسّك بالإبقاء على أهراءات القمح في مرفأ بيروت، كذاكرة جماعية للوطن بأكمله وليس للضحايا فقط، وهو ما يعملون عليه ضمن حملة "الشاهد الصامت" مع مجموعة من المهندسين والمواطنين والمنظمات، بحيث يجب أن تبقى وفق تعبيرها، درساً للأجيال المقبلة، يتعرّفون من خلاله إلى 4 أغسطس، ويقفون في وجه الإفلات من العقاب ومنع تكرار جريمة كهذه.

وبعد عامين من التعطيل، قرر المحقق العدلي في قضية انفجار بيروت القاضي طارق البيطار استئناف التحقيقات في مطلع فبراير الماضي، على الرغم من ادعاء القاضي غسان عويدات (النائب العام التمييزي السابق)، عليه، بتهمة اغتصاب السلطة، ومنعه من السفر، واتخاذه قراراً بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، ومنع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قراراته، في خطوة وُصِفت بالانقلابية، واعتُبرت ردّاً على استئناف البيطار عام 2023 التحقيقات، وادعائه على أشخاص جُدد في الملف، من ضمنهم عويدات، وذلك قبل أن يقوم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في مارس/آذار الماضي، بإلغاء قرار عويدات.

وشكّل التراجع عن قرار عويدات محطة أساسية سمحت بإزالة عقبة واجهها التحقيق، خصوصاً أنها أعادت التعاون بين البيطار والأجهزة الأمنية كما النيابة العامة، ولا سيما على صعيد الاستدعاءات والتبليغات، لتتوالى بعدها التطورات في الملف، لعلّ أبرزها، مثول 21 مدعى عليهم أمام البيطار واستجوابهم خلال الأشهر الستة الماضية بحسب ما أحصت "المفكرة القانونية" عددهم، يضمّون موظفين من المرفأ والجمارك وضباطاً من الأمن العام وأمن الدولة وقضاة ووزراء سابقين ورئيس الحكومة الأسبق حسّان دياب، الأمر الذي ساهم "بإعادة بناء الثقة بمسار العدالة"، خصوصاً أن معظم هؤلاء لم يحضر الجلسات سابقاً، وسجلوا تحفظاتهم على صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق أو تذرعوا بدعاوى المخاصمة التي رفعوها ضد البيطار.

وفي ندوة نظمتها "المفكرة القانونية" بمناسبة مرور 5 أعوام على الانفجار، أفادت المحامية غيدة فرنجية من "المفكرة القانونية"، بأن 3 مدعى عليهم رفضوا المثول أمام البيطار الذي بدوره تريث باتخاذ إجراءات بحقهم، كما فعل مع الذين مثلوا أمامه إلى حين ختم التحقيق، وهم: الأول، رجل الأعمال الأوكراني فلوديمير فربونول، الذي يُعتقد أنه مالك أو مدير شركة "سافارو" التي تملك شحنة نترات الأمونيوم، وهو خارج لبنان وبُلِّغ لصقاً. الثاني، القاضي غسان عويدات الذي نفذ انقلاباً على التحقيق، وللتذكير فهو نظر بموضوع تخزين النترات في المرفأ قبل حصول الانفجار، وذلك بناءً على تحقيق مديرية أمن الدولة. والثالث، هو النائب غازي زعيتر، الذي تولى وزارة الأشغال بين 2014 و2016، ويستند الادعاء عليه إلى أنه كانت لديه سلطة مباشرة على المرفأ، وقد علم بوجود النترات من دون اتخاذه إجراءات لحماية العاصمة وسكانها، مشيرة إلى أن "عويدات وزعيتر رفضا الاعتراف بصلاحية المحقق العدلي لملاحقتهما".

وتوقفت فرنجية عند تطور حصل في الفترة الماضية على صعيد دور القضاء بمحاسبة الوزراء، على أمل انسحابه على ملف انفجار مرفأ بيروت، وهو إقرار مجلس النواب والنيابة العامة التمييزية بصلاحية القضاء العدلي بالتحقيق مع وزيرين سابقين بشبهات فساد، هما وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، ووزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان، الذي رُفعت أيضاً الحصانة عنه. وتحدثت كذلك عن ثلاث خطوات أساسية منتظرة لصدور القرار الاتهامي: الأولى، ورود أجوبة على الاستنابات وطلبات المعلومات التي أرسلها البيطار إلى دول أخرى، والثانية، ختم التحقيق واتخاذ الإجراءات بحق الأشخاص الذين مثلوا ولم يمثلوا من المدعى عليهم، والثالثة، مطالعة النيابة العامة التمييزية بالأساس، أي رأيها بمضمون التحقيقات، وهي كبيرة وتتجاوز 60 مدعى عليهم، وفيها مئات من الصفحات والمستندات والتحقيقات.

يوسف لحود: أبرز التطورات التي حصلت هي ترسيخ اجتهادات قانونية مكَّنت التحقيق العدلي من الاستمرار

هيبة تخدم القانون

في المقابل، توقفت فرنجية عند عقبات قد تظهر في مراحل لاحقة، واحدة منها أن المجلس العدلي الذي يفترض أن تؤول القضية إليه، معطّل بسبب فقدان النصاب، بانتظار تعيين قضاة من قبل الحكومة، إلى جانب مصير الدعاوى التي لا تزال عالقة والتي تهدف إلى إزاحة البيطار، بحيث هناك نحو 10 دعاوى بحسب رصد المفكرة القانونية لم تبتّ بعد، إلى جانب الدعوى المقدَّمة من عويدات بحق البيطار، علماً أنه بالرغم من تشكيل الهيئة الاتهامية الخاصة بهذه القضية منذ إبريل/نيسان الماضي، إلا أن القضية لا تزال عالقة ولم يسجَّل تطور فيها.

من جهته، يقول عضو مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت، يوسف لحود، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز التطورات التي حصلت هي ترسيخ اجتهادات قانونية مكَّنت التحقيق العدلي من الاستمرار والوصول إلى خواتيمه، مثل عدم توقيف التحقيق إزاء طلبات ردّ قاضي التحقيق العدلي أو مخاصمته، وعدم وجوب توقف قاضي التحقيق العدلي عن مهامه حكماً في حال الادعاء عليه، كذلك إن التحقيق العدلي قام بمئات ساعات الاستجواب مع المدعى عليهم والشهود لتكوين القناعة الثابتة حول كيفية وأسباب التفجير كذلك لناحية تحديد المسؤوليات والمسؤولين.

ويعتبر لحود أن من أبرز المحطات التي يمكن التوقف عندها في العهد الجديد هي استجابة بعض المسؤولين الكبار من سياسيين وأمنيين للحضور أمام المحقق العدلي لاستجوابهم بصفة مدعى عليهم فيما كانوا سابقاً يتذرعون بطلبات رد ومخاصمة المحقق العدلي، مضيفاً: "أما سبب مثولهم، فأعتقد أن جزءاً منه يعود إلى أن كل حكم جديد يطلّ بهيبة تخدم دولة القانون، وأملنا أن تكون هيبة الدولة مساراً غير منقطع أو متبدّل بين أول العهود وآخرها، كذلك لا ننكر التأثير الذي أضفاه إصرار المحقق العدلي على متابعة تحقيقاته، رغم العوائق الضخمة، ما جعل المتمنّعين عن الحضور يبدلون مواقفهم".

ويشير لحود إلى أن "توقيت صدور قرار الاتهام منوط بحضرة قاضي التحقيق العدلي دون سواه، وإننا نبدأ بالعدّ التنازلي لمهلة إصدار هذا القرار عند اكتمال التحقيقات، التي تتأكد عندما يحيل قاضي التحقيق الملف على النائب العام التمييزي لإبداء المطالعة بأساس الدعوى، إذ بعد ورود هذه المطالعة يعكف قاضي التحقيق على كتابة قرار الاتهام وأعتقد أنه حينها سيصدره بأقصى سرعة ممكنة". أما المسار بعد ذلك، وفق شرحه، "فيكون بعد صدور قرار الاتهام إذ يحال ملف الدعوى أمام المجلس العدلي الذي يباشر مهامه في المحاكمة لحين سماع المرافعات واختتام المحاكمة ومن ثم إصدار الحكم". على صعيد ثانٍ، يلفت لحود إلى أن التقرير الفرنسي الذي صدر أخيراً بالملف، لم يتضمن أي معلومات فنية حاسمة، بل تحقيقات سبقهم فيها البيطار، وبالتالي لم نستفد منها، كذلك فإنها تدور حول الإهمال وليس حول جريمة متعمّدة.

من جهتها، تقول رينا وهبي، منسقة الحملات المعنية بالملف اللبناني في منظمة العفو الدولية، لـ"العربي الجديد": "شعرنا بالارتياح عندما سمعنا التصريحات الأولى للرئيسين عون وسلام، بأن لا حصانات فوق القانون، وأن العدالة لضحايا انفجار بيروت أولوية، فهذا تطور إيجابي على مستوى الخطاب السياسي". لكن بنظرها، فإن "الخطاب وحده لا يكفي، والمطلوب اليوم ترجمة هذه التعهدات إلى خطوات عملية تبدأ بإزالة أي غطاء سياسي عن المتورطين، وإقرار إصلاحات تضمن استقلال القضاء بما يتلاءم مع المعايير الدولية وتحمي التحقيق حتى يصل إلى الحقيقة والمحاسبة، وتوفير بيئة تمكّن التحقيق من المضي قدماً دون تدخل أو عرقلة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية