
في بلد أنهكته الأزمات وتراكمت فيه المعاناة يظهر الموظف اليمني مبتسماً وهو يسمع عن تعافي العملة المحلية.
رغم أنه لم يتسلّم راتبه منذ أكثر من شهرين ولا يجد ما يسد رمقه أو يلبّي احتياجات أسرته.
لا يملك المال لشراء السلع سواء ارتفعت أسعارها أو انخفضت ومع ذلك يشعر بشيء من الارتياح.
كأن تحسن سعر الريال يمثل له انتصاراً صغيراً في معركة طويلة مع الحرمان.
ليست هذه مجرد لحظة عابرة بل صورة حقيقية لواقع آلاف الموظفين الذين باتوا خارج دائرة الاستهلاك.
لا لأنهم لا يريدون بل لأنهم لا يستطيعون وسط ظروف اقتصادية خانقة.
ومع ذلك فإن تحسن المؤشرات الاقتصادية يمنحهم شعوراً بالاطمئنان.
حتى وإن لم ينعكس ذلك التحسن على حياتهم اليومية بشكل مباشر.
فالثقة بالتغيير أصبحت مرتبطة بإمكانية الإصلاح ولو على المدى البعيد.
هذه الفرحة لم تقتصر على الموظف فقط بل امتدت لتشمل المواطن البسيط.
وذوي الدخل المحدود ومن لا دخل لهم ممن باتوا يراقبون الأسعار وهم عاجزون عن الشراء.
ومع ذلك شعروا بأن هناك أملاً بأن القادم قد يحمل انفراجاً في أوضاعهم المعيشية.
فمجرد انخفاض الأسعار أو استقرارها يمنحهم شعوراً بالاطمئنان.
ويخفف من وطأة القلق اليومي الذي يرافقهم في تفاصيل حياتهم.
لكن لا يكفي أن نراهن على التفاؤل وحده في ظل هذا الواقع المعقد.
فالمعالجات الجذرية تظل ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية والنية الصادقة.
من أهم هذه المعالجات انتظام صرف الرواتب لجميع موظفي الدولة.
وتفعيل مؤسسات الرقابة وضمان وصول الموارد إلى مستحقيها بعيداً عن شبكات الفساد.
كما أن تحسين بيئة الاستثمار وتفعيل دور القطاع الخاص يمكن أن يسهم في خلق فرص عمل.
ويساعد في تخفيف الضغط على القطاع الحكومي الذي يعاني من التحديات.
ولكي يتحول هذا التفاؤل إلى واقع ملموس لا بد من خطوات عملية.
يجب تفعيل دور الرقابة الحكومية والمجتمعية بشكل جاد وشفاف.
فالمحاسبة لا يجب أن تكون انتقائية بل شاملة وعادلة.
والرقابة لا يجب أن تكون شكلية بل حقيقية وفاعلة في كل مؤسسة وكل قرار.
لأن المواطن لا يحتاج شعارات بل يحتاج نظاماً يحمي حقوقه ويصون كرامته.
وقد شهدت الأيام الأخيرة نشاطاً رقابياً ملحوظاً من الجهات المختصة.
وهو ما يعزز الثقة ويمنح الناس شعوراً بأن الأمور بدأت تأخذ منحى أكثر جدية.
ويستحق القائمون على هذا الدور الرقابي التقدير لما يبذلونه من جهود وطنية.
في سبيل حماية المال العام واستعادة هيبة المؤسسات التي فقدت ثقة الناس.
فهذه الخطوات تبعث برسائل إيجابية وتؤكد أن الإصلاح ممكن حين تتوفر الإرادة.
ويعلو صوت المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.