أثينا: موسكو تستخدم الهجرة سلاحاً في حرب هجينة ضد أوروبا
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

تشهد اليونان، لا سيّما جزيرة كريت ومحيطها الجنوبي، تصاعداً في أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط قادمين من السواحل الليبية، ما دفع حكومة أثينا إلى رفع مستوى التأهب الأمني وتعزيز الإجراءات الحدودية. وتتهم الحكومة اليونانية، ومعها الإيطالية، روسيا باستخدام تدفقات الهجرة سلاحاً في "حرب هجينة" تستهدف استقرار الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع حلفائها في ليبيا.

ووفقاً لصحيفة "Kathimerini" اليونانية، فقد استقبلت جزيرة غافدوس الصغيرة الواقعة جنوب كريت أكثر من 7 آلاف و300 مهاجرٍ خلال النصف الأول من عام 2025، في حين وصل نحو 2,000 مهاجر إلى كريت خلال يومين فقط (6 و7 يوليو/تموز)، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 350% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، رغم أن الأعداد لا تزال أقل من ذروة أزمة اللجوء في 2015. وأشارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) إلى استقبال اليونان أكثر من 24 ألف مهاجر خلال النصف الأول من 2025، مقارنة بـ20 ألفاً في نفس الفترة من العام السابق.

من أين يأتون؟

تستهدف قوارب المهاجرين المنطلقة من الشمال الأفريقي جزيرة كريت لقربها من السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، وتحمل على متنها ركاباً من جنسيات أبرزها:

  • أفغانستان: 31%
  • مصر: 16%
  • سوريا: 6%
  • السودان: نسبة متصاعدة بسبب الحرب الأهلية المستمرة
  • وكذلك من بنغلاديش وباكستان

تصعيد أمني وسياسي: خطاب الغزو وتشريعات مشدّدة

وفي نهاية يونيو/حزيران الماضي، عُين ثانوس بليفريس وزيراً للهجرة في اليونان، وهو المعروف بمواقفه القومية المتشدّدة. ووصف بليفريس زيادة وصول المهاجرين إلى كريت بأنه "غزو منظّم"، داعياً إلى تشديد السياسات والردع. وصدرت تشريعات جديدة تمنع طالبي اللجوء من بعض الجنسيات الأفريقية من تقديم طلبات الحماية لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "انتهاكاً صريحاً لحق اللجوء"، في حين برّرت الحكومة ذلك بأنه "أداة ضرورية للردع"، وبلغة واضحة، توجّه الوزير بكلامه للمهاجرين الجُدد بالقول: "ابقَ حيث أنت.. أنت غير مرحب بك هنا، ولا تستحق الحماية الدولية، ولن تبتزّ اليونان".

وأكد "بالنسبة للذين يدخلون بطرق غير قانونية، الخيار هو السجن أو المغادرة"، متوعداً بالسجن 5 سنوات على من يخالف ذلك، بحسب ما نقلت صحف يونانية وأوروبية. وفي اجتماع لوزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، دعا الوزير اليوناني إلى بناء مراكز ترحيل خارج حدود الاتحاد، مع فرض سجن المهاجرين الجُدد ورفض طلباتهم عند الحدود، وفق تقرير بوليتيكو بتاريخ 23 يوليو 2025. ووصف الوزير زيادة أعداد القادمين بأنها تحدٍ أمني وسياسي، رافعاً سقف المخاوف من أن تتحول كريت إلى "بوابة" لاستخدامها في هجرة جماعية تهدف إلى "استبدال السكان".

روسيا في خلفية الأزمة: حرب هجينة أم تسييس للهجرة؟

ورغم أن جزيرة كريت استقبلت أكثر من 4 ملايين سائح في 2024، إلّا أن السكان المحليين يعارضون إقامة معسكرات دائمة للاجئين خشية التأثير على التوازن الديموغرافي والاقتصادي للجزيرة. ويعيش الوافدون الجُدد حالياً في مخيّمات مؤقتة تفتقر إلى البنية التحتية، وسط توتر متزايد بين السكان والسلطات المركزية في أثينا.

وتتهم الحكومة اليونانية، إلى جانب الحكومة الإيطالية بقيادة جيورجيا ميلوني، روسيا باستخدام الهجرة غير النظامية سلاحاً في حرب هجينة لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي. وعلى ضوء تزايد النقاش حول دور روسي مزعوم في تأجيج قضية الهجرة حذرت ميلوني من أن الكرملين "يدفع موجات لجوء من ليبيا لتقويض أمن أوروبا"، مشيرة إلى أن هذه الأفعال تمثل تهديداً أوسع يشمل الديمقراطية والموارد العامة، وهو ماحذرت منه ميلوني أيضاً في ديسمبر/كانون الأول 2024، خلال قمّة في فنلندا، معتبرة أن روسيا قد تستخدم الهجرة غير الشرعية أداةً لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي، وشدّدت على ضرورة اتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات أقوى لحماية حدوده ومنع روسيا أو أي "منظمة إجرامية" من التحكم في تدفقات المهاجرين غير الشرعيين.

من جهة ثانية، حذر وزير الدفاع الإيطالي السابق، جودو كروستتو منذ مارس/ آذار 2023 من أن مجموعة فاغنر الروسية قد تكون متورطة في دفع المهاجرين لعبور البحر الأبيض المتوسط، في محاولة لزعزعة استقرار أوروبا، كما أشار مسؤول الهجرة في الاتحاد الأوروبي، ماغنوس برونر، إلى أن النفوذ الروسي في ليبيا، بما في ذلك نشر أنظمة دفاع جوي متطورة، يمثل مصدر قلق جيوسياسي حقيقي، مع تعزيز "تسييس الهجرة" جزءاً من حرب هجينة أوسع ضد الأمن الأوروبي. ويبدو أن سلطات أثينا تقود اليوم ضغوطاً لأجل علاقات بين أوروبا وقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بحجة تقوية شرطته وخفر السواحل لمنع تدفق مراكب اللاجئين، وفقاً لما تذهب إليه صحف يونانية.

أوروبا على مفترق طرق من شواطئ كريت

ورغم أن أعداد المهاجرين اليوم أقل بكثير من ذروة أزمة 2015، التي شهدت دخول أكثر من 850 ألف لاجئ إلى اليونان، إلّا أن المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان تلك الفترة العصيبة، وسط تحذيرات من انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع موجات الهجرة المتجدّدة.

وتؤكد أثينا وروما ضرورة اعتبارهما خط الدفاع الأول عن أوروبا، والدعوة إلى دعم مالي وسياسي عاجل من بروكسل، بالإضافة إلى ضغطهما لأجل فتح قنوات تفاوض مع دول العبور مثل ليبيا ومصر والسودان. وبينما كانت كريت يوماً جزيرة سياحية هادئة، تحولت اليوم إلى نقطة التقاء لأزمات دولية معقدة ترتبط بالفوضى في ليبيا، والحرب الباردة بين روسيا والدول الغربية، والصراعات الداخلية داخل الاتحاد الأوروبي. ومع تزايد الخطاب الأمني وتشديد التشريعات، تواجه أزمة اللجوء في كريت اختباراً جديداً لوحدة أوروبا وقيمها الإنسانية، وسط سؤال كبير حول مدى استعداد الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذه التحديات المتشابكة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية