
في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان منذ أواخر عام 2019، تحول التوك توك إلى وسيلة نقل شعبية مفضلة في عدد من المناطق، لا سيما ذات الدخل المحدود، ما أدى إلى انتشاره بشكل كبير حتى أصبح خارج السيطرة. ورغم أن القانون اللبناني لا يجيز استخدام التوك توك وسيلةَ نقل عامة، فإن الواقع فرض خلاف ذلك، وهو ما دفع وزارة الداخلية أخيراً إلى إصدار قرار يمنع استخدامه لنقل الركاب ويقصره على الاستخدام الفردي أو نقل البضائع فقط، وهو ما أثار احتجاجات واسعة من قبل أصحاب هذه الوسيلة في مدن لبنانية، أبرزها طرابلس وصيدا والبقاع.
التوك توك وسيلة نقل رخيصة
بدأ ظهور التوك توك في شوارع لبنان بشكل ملحوظ قبل نحو خمس سنوات، وتزايدت أعداده مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وتراوح أسعاره بين 1500 و3000 دولار، بحسب الحجم والمواصفات، ويسجَّل قانونياً في لبنان تحت فئة "دراجة آلية ثلاثية العجلات" مخصصة للاستخدام الفردي أو التجاري. ورغم ذلك، تحول "التوك توك" إلى وسيلة نقل عامة غير مرخصة، نظراً لكلفته التشغيلية المنخفضة مقارنة بسيارات الأجرة، إذ لا تتجاوز أجرته ثلث تعرفة النقل التقليدي، ما جعله مقبولاً لدى شريحة واسعة من السكان.
في الثامن من يوليو/ تموز الجاري، أصدرت وزارة الداخلية اللبنانية تعليمات لقوى الأمن بتطبيق القانون ومنع "التوك توك" من نقل الركاب التزاماً بقانون السير ومراعاةً للسلامة العامة. وفي هذا السياق، صرح رئيس بلدية طرابلس عبد الحميد كريمة لوكالة الأناضول بأن البلدية بدأت تنفيذ القرار، وأكد أن تنظيم هذا القطاع أصبح ضرورة في ظل "الفوضى" الناتجة عن انتشاره غير المنظم. وأوضح كريمة أن عدداً كبيراً من عربات التوك توك يجوب شوارع المدينة بشكل غير قانوني، مشدداً على أهمية تخصيص مسارات لها وتنظيم عملها بما يتناسب مع واقع طرابلس، المدينة الثانية من حيث المساحة بين مدن البلاد.
مطالب التقنين
قوبل قرار وزارة الداخلية برفض واسع من سائقي التوك توك، الذين يعتبرونه تهديداً لمصدر رزقهم، خصوصاً في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة. وأشار طارق عاصم، وهو أحد السائقين في طرابلس، إلى أنه اضطر للاستدانة لشراء العربة وإعالة أسرته، مضيفاً: "القرار مجحف، ومستقبلنا بات في المجهول". أما زكريا مراد، فقال إنه اشترى "التوك توك" بمبلغ ثلاثة آلاف دولار، ودفع نحو 600 دولار لتسجيله رسمياً في مصلحة السير، ويتابع: "نفاجَأ اليوم بقرار يمنع نقل الركاب". وطالب مراد الحكومة بإيجاد حلول أخرى بدلاً من المنع الكلي، مؤكداً أن التوك توك أصبح وسيلة نقل أساسية لأكثر من 500 سائق في طرابلس وحدها.
من جهتها، ترى فاطمة العلي، وهي من مستخدمات "التوك توك"، أن هذه الوسيلة تلبي حاجاتها اليومية بسهولة، معتبرة أن حظرها سيضر بشريحة واسعة من المواطنين. أما وسام العبد، وهو أحد سكان طرابلس، فأشار إلى أنه يعتمد على "التوك توك" وسيلةَ نقل لكونها أسرع وأقل كلفة من سيارات الأجرة التقليدية. وأشار العبد إلى أنه "بدلاً من حظره، يجب التوصل إلى حل لا يمنع هذه الوسيلة من تقديم خدمة التوصيل داخل المدن".
فجوة في النقل العام
بدورها، أصدرت جمعية "حقوق الركاب" (غير حكومية) بياناً في 11 يوليو/ تموز الجاري، دعت فيه إلى تعديل قانون السير اللبناني ليتماشى مع واقع استخدام "التوك توك" باعتباره وسيلة نقل منخفضة الكلفة تخدم الطبقات الفقيرة والمناطق المحرومة من خدمات النقل العام. وأشارت الجمعية إلى أن غياب مشاريع نقل جماعي فعالة، مثل المترو أو القطارات، ساهم في اعتماد شريحة واسعة من اللبنانيين على بدائل منخفضة الكلفة مثل "التوك توك"، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وفوضى النقل في البلاد.
وأكدت الجمعية أن الحكومات المتعاقبة عجزت على مدى السنوات الماضية عن توفير خيارات نقل مستدامة ومنخفضة الكلفة، تُخفف أعباء التنقل، ما دفع المواطنين إلى البحث عن بدائل تلبي احتياجاتهم اليومية بأسعار مقبولة. ويفتقر لبنان إلى منظومة نقل جماعي متكاملة، إذ تقتصر وسائل النقل العمومية على سيارات الأجرة والباصات الصغيرة والكبيرة، بينما تغيب وسائل النقل الحديثة مثل المترو والقطار، ما يزيد أعباء التنقل، خصوصاً على ذوي الدخل المحدود. وفي ظل هذا الواقع، يبقى "التوك توك" خياراً عملياً في كثير من المناطق، لكنه في الوقت نفسه يشكل تحدياً للسلطات بين الحاجة إلى التنظيم وواقع الفقر الذي يدفع المواطنين إلى التمسك به.
