
تمكنت الطالبة الفلسطينية شهد كمال أبو عتيق، ابنة قرية أم خالد المهجرة، والنازحة من مخيم طولكرم، شمالي الضفة الغربية المحتلة، من الحصول على معدل 84% في الثانوية العامة، رغم أنها كانت تأمل بالحصول على معدل مشابه لمسيرتها التعليمية طيلة 11 سنة، والذي كان عادة يفوق الـ90%، إلا أن المعدل كان إنجازاً لها ولعائلتها نتيجة الظروف القاهرة التي عاشتها.
وتروي أبو عتيق لـ"العربي الجديد"، أنها عاشت مع عائلتها خلال سنة الثانوية العامة مرارة التهجير، وتقول: "في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، طردت مع شقيقتي من منزلنا بوحشية، بعدما داهم جنود الاحتلال المنزل عند الغروب، مع عدم السماح لوالدتي بالخروج. حاولت البقاء مع والدتي التي تعاني من ظرف صحي يحجب عنها الرؤية ليلاً، وكانت الكهرباء مقطوعة عند اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي. وبسبب إصراري على البقاء أطلق الجنود الكلاب البوليسية علي، وحينما طلبت أخذ كتبي ودفاتري وحاسوبي المحمول لضمان استكمال دراستي رفضوا".
خرجت شهد من منزل عائلتها من دون أي شيء، بما ترتديه من ملابس فقط، واستخدم جنود الاحتلال والدتها درعاً بشرياً لإجبارها على المغادرة بعدما أجبروها على السير عبر فتحات أقاموها بين المنازل المتلاصقة في المخيم.
كان لواقعة التهجير أثر كبير على شهد، وتقول: "انتقلنا إلى منزل جدي لوالدتي في بلدة عتيل، شمال شرقي طولكرم، بلا كتب، ولا دفاتر، بلا أي شيء. قبل ذلك، كانت الظروف صعبة أيضاً، فقد نزحنا عدة مرات خلال الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة، وعادة ما كان النزوح يستمر لأيام، تعود بعدها العائلة لتجد الجنود قد حطموا محتويات المنزل. لكوني طالبة ثانوية عامة، أحتاج إلى الاستقرار في بيتي، لكني أجبر على مغادرته، وحين أعود أجد البيت محطماً".
رغم بقاء العائلة في منزلها قبل النزوح الأخير، كانت شهد تعاني من تكرار انقطاع الكهرباء، إذ كانت تعتمد بشكل كبير على الدروس الإلكترونية المنشورة على منصة يوتيوب، ولم تكن، كطالبات أخريات، تعتمد على الدروس الخصوصية.
تزامن النزوح إلى بلدة عتيل مع نهاية الفصل الدراسي الأول، وخلال عطلة ما بين الفصلين نقلت ملفها الدراسي من مدرسة بنات العدوية الثانوية في مدينة طولكرم إلى مدرسة بنات عتيل الثانوية. وتضيف: "اضطررت لترك مدرستي، ونقلت ملفي لكي أتمكن من استكمال مسيرتي التعليمية، وهذا كان قاسياً، خصوصاً أنني ذهبت إلى مدرسة عتيل وأنا لا أملك شيئاً، واستعرت الكتب، واستخدمت حاسوب خالي، لكن ما دونته سابقاً من شرح المعلمات والملاحظات كله بقي في المنزل في مخيم طولكرم. في البداية لم أستطع التقدم للامتحانات في المدرسة مع باقي الطالبات، لكن إصراري كان دافعاً لاستكمال الدراسة".
بعد نحو شهر على التهجير وما خلفه من آثار نفسية، أبلغت العائلة بأن منزلها في المخيم سيهدم، ما فاقم الأزمة، قبل أن تكتشف العائلة أن المعلومة غير صحيحة، لكن ذلك ترك أثراً على شهد، والتي كانت متأثرة أيضاً باعتقال شقيقها، الذي لا يزال معتقلاً، وإصابة شقيقها الآخر قبل امتحانات الثانوية العامة بشهر واحد، وهو يعمل سائق تاكسي في مدينة طولكرم، وخضع لعملية زراعة عظام في يده، ولا يزال يتلقى العلاج.
عانت شهد من صعوبة تكوين صداقات جديدة في مدرسة عتيل والاعتياد على المعلمات، لكن الأقسى هو أنها لم تتمكن من العودة إلى المنزل الذي عاشت فيه طيلة عمرها. لم يهدم المنزل، لكنه تأثر بشكل كبير بعد تخريب محتوياته وتحطيم زجاج نوافذه، وما زالت تملك الأمل بالعودة إليه قريباً وانتهاء العدوان على مخيم طولكرم.
تقول شهد: "رغم كل المشكلات، تمكنت من تجاوز الظروف الصعبة، وكان أملي هو إسعاد عائلتي التي وقفت إلى جانبي، واستطعت النجاح رغم كل الصعوبات. في البداية شعرت بالحزن حين علمت بالنتيجة، وهي 84% في الفرع العلمي، إذ كنت أتوقع نتيجة أفضل، لكني تداركت الأمر بعد مدة قصيرة. قلت لنفسي إنني استطعت تخطي كل الظروف، واستطعت التقدم للامتحان واجتيازه".
كان مخطط شهد ولا يزال أن تدرس التحاليل الطبية في جامعة فلسطين التقنية في طولكرم، ويتيح معدلها لها ذلك. وتؤكد قائلة: "الطالب الذي اعتاد على معدل يفوق 90% يحب أن يظل على المستوى ذاته. سأتمكن من الالتحاق بالتخصص الذي أحبه. يكفيني أنني حظيت بأجمل عائلة، ولم يلمني أحدهم على المعدل الذي كان أقل من التوقعات، فعائلتي تعلم تماماً المجهود الذي بذلته، وعبروا عن فخرهم بمعدلي".
