خطوة بخطوة... حزب العمال الكردستاني ينتظر مبادرة تركيا
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

على الرغم من أن عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني بدأت خطواتها الأولى بإعلان الحزب حل نفسه في 12 مايو/ أيار الماضي، وتسليم أول مجموعة من قادته ومقاتليه السلاح في فعالية رمزية جرت في مدينة السليمانية، بإقليم كردستان العراق في 11 يوليو/تموز الحالي، إلا أن العملية ما زالت تسير بتأنٍّ وحذر وخشية من الإخلال بالاتفاق من أحد الأطراف، فيما ينتظر قادة "الكردستاني" مبادرة من الحكومة التركية، لكونهم يريدون أن يكون إجراء الاتفاق عبر خطوة من طرف تليها خطوة من طرف آخر. وأثارت تصريحات قيادية بارزة في حزب العمال الكردستاني حيال خطوات إلقاء السلاح وحل الحزب، مخاوف من إمكانية حصول انتكاسة في عملية السلام الحالية، في وقت ما زالت فيه الأنظار تتجه إلى الخطوة التالية. ونقلت وسائل إعلام كردية عراقية، الخميس الماضي، عن القيادية والمسؤولة في حزب العمال الكردستاني هيلين أوميد، تأكيدها أن المضي بعملية السلام يجب أن يكون بإشراف رئيس الحزب ومؤسسه، عبد الله أوجلان. مضيفة أنه "ليس لأحد أن يتوقع مراسم أخرى لإلقاء سلاح مقاتلي الحزب، فهذا ليس ضرورياً، لماذا يجب أن يحول هذا الإجراء إلى استعراض؟ فقد أُرسِلَت الرسالة التي كان يجب أن ترسل، وقد قيل ما كان ينبغي أن يقال".

تركيا تُفرج عن قيادي في "الكردستاني"

وكانت أنقرة قد أفرجت، أول من أمس السبت، عن القيادي في حزب العمال الكردستاني ويسي أكتاش، المعتقل في سجن جزيرة إمرلي مع مؤسس الحزب عبد الله أوجلان، وفق ما أعلنت وكالة ميزوبوتاميا للأنباء المقربة من الحزب. وعملية الإفراج عن أكتاش هي الأولى في مسار "تركيا خالية من الإرهاب" التي انطلقت قبل أشهر وتتواصل مع إلقاء "الكردستاني" سلاحه بدعم حكومي. ومطلع يوليو الحالي، قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جليك، إن عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني المحظور في العراق ستكتمل في غضون بضعة أشهر، وإن آلية تأكيد تضم مسؤولين من المخابرات التركية والقوات المسلحة ستشرف على عملية التسليم. وأوضح في تصريحٍ صحافي، أنه "يجب أن تكتمل عملية نزع السلاح في العراق في غضون ثلاثة إلى خمسة أشهر، وإذا تجاوزت هذه الفترة، فإنها ستصبح عرضة للاستفزازات".

مهند سلوم: الاختبار الحقيقي يكمن في تمكن أنقرة من معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهور الكردستاني من الأساس 

في السياق، أشار حكيم عبد الكريم، عضو لجنة "الحرية لأوجلان"، أحد الحراكات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني داخل العراق، إلى أن "الفعالية الرمزية التي أقدم عليها مقاتلو العمال الكردستاني في مدينة السليمانية، تعتبر حدثاً تاريخياً واستجابة سريعة لأمر أوجلان، وهي نهاية للكفاح المسلح وبداية للعمل السياسي والديمقراطي للعمال الكردستاني داخل الدولة التركية". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوة التي أقدم عليها الحزب في السليمانية، عملية رمزية استجابة لأوجلان لبدء مرحلة تاريخية جديدة، ونهاية الكفاح المسلحة والتوجه نحو العمل السياسي والديمقراطي داخل الدولة التركية". ولفت عبد الكريم إلى أن "الخطوة الأولى من الاتفاق بين تركيا والعمال الكردستاني أنجزت بمبادرة من الأخير، لكن الخطوة الثانية لا بد أن تكون على عاتق الحكومة التركية، عبر إجراء تعديلات في الدستور من اللجنة البرلمانية التي شُكِّلَت، وتثبيت حقوق الأكراد، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء من المرضى والمسنين وتهيئة الظروف القانونية والدستورية لاندماج العمال (الكردستاني) في العمل السياسي".

في المقابل، اعتبر مصدر مسؤول من وزارة الخارجية العراقية، أن "الحكومة في بغداد تراقب خط سير الاتفاق بين أنقرة والعمال الكردستاني، وأن التأني في إجراء الالتزامات يبدو أنه يأتي في إطار منع تكرار تجارب السلام التي فشلت في السابق". وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العمال الكردستاني يبدو أنه جاد فعلاً في إنهاء معاناته والتحول إلى العمل السياسي، لكن الحكومة التركية تسعى للحصول على مكاسب كثيرة من الاتفاق، وربما كانت تريد فرض شروط جديدة، لكن هذه الشروط قد تهدد صمود الاتفاق".

بدوره، بيَّن الباحث بالشأن السياسي العراقي، سامان داود، أن "الجميع ينتظر الخطوة الثانية، وهي تقع على عاتق الحكومة التركية لتطبيع الأوضاع مع الأكراد، من خلال إعطاء مساحة أفضل لفسح المجال أمام أوجلان للحديث عن عملية السلام وتوجيه رسائل إلى قيادات الحزب وجمهوره، وسيكون من المهم إطلاق سراح بعض القيادات السياسية مثل صلاح الدين دمرتاش". واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أنقرة تبحث عن الاستمرارية في هذا الاتفاق، لأن المنطقة لا تحتمل تواصل الصراع، خصوصاً من تنامي الصراع التركي الإيراني الإسرائيلي في المنطقة، وأن تركيا تعتقد أن استمرار الصراع سيسمح للدول الأخرى بضخ الدعم لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي استمرار النزاع، لذلك تركيا ستعمل بجهد كبير لاستمرار الاتفاق".

أما أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند سلوم، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العمال الكردستاني قرر إيقاف العمل المسلح من جانب واحد وحل حزب العمال الكردستاني والتخلي عن سلاحه. وقد حصل ذلك بالفعل، وحرق الأسلحة الرمزي جاء لتأكيد جدية الحزب والتزامه التخلي عن سلاحه، وقد شكل البرلمان التركي لجنة خاصة (بالتعاون مع الجيش وجهاز المخابرات) للإشراف على نزع سلاح الحزب بشكل نظامي، وإعداد قوائم بأسماء المقاتلين لرفعها من سجلات الإرهاب، وكذلك وضع آليات لدمج المقاتلات والمقاتلين العائدين بالمجتمع المدني والاقتصادي، وإتاحة الفرصة لكوادر الحزب لأن تكون فاعلة سياسياً بعد تخليها عن السلاح. هذه اللجنة ترفع تقاريرها لرئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية". ولفت سلوم إلى أن "الاختبار الحقيقي يكمن في تمكن الحكومة التركية من معالجة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ظهور حزب العمال الكردستاني من الأساس، وهي أسباب تتعلق بحقوق الأتراك الثقافية والسياسية، الذين ينحدرون من أصول كردية في تركيا. في المقابل، إن قدرة الأحزاب الكردية على تغيير خطابها التعبوي، يفتح آفاق الاندماج بالمجتمع التركي مع المحافظة على هوية الأكراد الثقافية في تركيا، من دون معالجات حقيقية معقولة لجذور هذا الصراع".


سامان داود: تركيا تعتقد أن استمرار الصراع سيسمح للدول الأخرى بضخ الدعم للكردستاني

حل "الكردستاني" نفسه

وأعلن حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح استجابة لمؤسسه المسجون عبد الله أوجلان، وذلك بعد أيام من إعلانه عقد مؤتمره العام بين الخامس من مايو/أيار الماضي والسابع منه. وجاءت الخطوة التي من المتوقع أن تسدل الستار على صراع استغرق 47 عاماً، بعد مسار عسير ومعقد منذ ظهور الحزب في سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم. وكانت المرحلة الحالية قد انطلقت في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومرت بمحطات عديدة، منها لقاءات مع أوجلان في سجنه، ودعوات من أوجلان للحزب إلى حل نفسه وتسليم سلاحه، وصولاً إلى استجابة الحزب لدعوة مؤسسه. وتوجد جيوب لحزب العمال الكردستاني داخل العراق منذ عام 1984، وتحديداً في سلسلة جبال قنديل الواقعة في المثلث الحدودي العراقي الإيراني التركي، لكن وجوده ازداد بعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990 وخروج المحافظات ذات الغالبية الكردية (أربيل ودهوك والسليمانية) عن سيطرة بغداد في عام 1991. وبعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، تحولت مدن ومناطق كاملة في شمال العراق إلى معاقل رئيسية لـ"الكردستاني"، وهو ما دفع الجيش التركي إلى التوغل في العمق العراقي، وإنشاء أكثر من 30 موقعاً عسكرياً دائماً له في الأراضي العراقية حتى عام 2013.

وبعد اجتياح تنظيم داعش مساحات واسعة في العراق 2014، توسع الحزب إلى سنجار ومخمور وزمار وكركوك تحت عنوان حماية الأيزيديين والأكراد، لتبلغ مساحة الأراضي التي يسيطر عليها أو ينشط فيها "الكردستاني" أكثر من أربعة آلاف كيلومتر مربع. ومن أبرز معاقل الحزب في شمال العراق، سلسلة جبال قنديل، مناطق سيدكان وسوران، الزاب، زاخو، العمادية، كاني ماسي، حفتانين، كارا، متين، زمار ومخمور، سنوني وفيشخابور، في محافظات دهوك، وأربيل، والسليمانية، ونينوى.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية