تحضيرات انتخابات مجلس الشيوخ المصري بلا سياسة ولا منافسة
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المصرية وانتخابات مجلس الشيوخ المصري، تتكشّف معالم أزمة سياسية عميقة. فبينما تتجه الأنظار إلى القوائم المعلّبة، وتستعد لائحة السلطة، "القائمة الوطنية"، لأن تنافس نفسها مرة أخرى، تصدح أصوات نادرة لها وزن سياسي لافت، محذرة من أن الاستمرار في هذا المسار ليس سوى انتحار سياسي، أو بالأحرى، إعلان عن "موت السياسة" رسمياً في البلاد. بحسب جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعي الأسبق وأستاذ الاقتصاد السياسي، ذي التوجهات اليسارية، والشريك في تحالف "30 يونيو" الداعم للسلطة، فإن مصر لم تعد تعاني فقط من "تجريف سياسي"، بل من "موت السياسة"، بعد أن فرغت العملية الانتخابية من مضمونها، وتحولت إلى "تعيين بطعم انتخاب". ويضيف، في مقال نشره قبل أيام، أن نظام القائمة المطلقة المغلقة سلب الناخبين إرادتهم، وجرّد العلاقة بين المواطن وممثله من أي معنى.

من جهته، يكتب الدكتور حسام بدراوي، أحد رموز التيار الليبرالي ونائب سابق في الحزب الوطني (الحاكم قبل الثورة)، مقالاً على صفحات التواصل الخاصة به ونشر بصحف محلية، بعنوان "انتحار سياسي"، محذّراً فيه من تكرار النظام للأخطاء ذاتها التي سبقت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وبنبرة تجمع بين التحذير والتوسل، يدعو بدراوي السلطة إلى الاعتراف بأن "الشكل بلا مضمون لا يصنع شرعية"، وأن "من يكرر أخطاءه لا ينجو منها".

تكرار هزلي لتجربة 2022

يتفق المقالان على أن ما يُحضّر للانتخابات المقبلة، سواء لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ المصري هو تكرار هزلي لتجربة 2020، حينما سيطر حزبا "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" على البرلمان عبر قوائم مُغلقة، وبدعم أمني واضح. وبدلاً من مراجعة التجربة، يجري تكريسها، مع تضخيم الدوائر الانتخابية وإفراغها من أي معنى للتمثيل الشعبي. ويقول عبد الخالق بسخرية لاذعة إن "القائمة الوطنية من أجل مصر" ستنافس نفسها، وإن العملية أشبه بمسرحية من فصل واحد، تُكتب نهايتها سلفاً.


كشف مرشحون حزبيون ومستقلون عن تعرضهم للتضييق من قبل الأجهزة المحلية والأمنية

في لحظة ما، بدا أن "الحوار الوطني" قد يكون منفذاً لإعادة إحياء المجال العام. وقد شارك فيه عبد الخالق نفسه، كما شاركت فيه أطياف من المعارضة والتكنوقراط، وخرجوا بتوصيات مهمة في مارس/آذار 2024، خاصة في المحور الاقتصادي. لكن بعد مرور أكثر من عام، لم يُنفذ منها شيء، وتكررت وعود الحكومة بلا تنفيذ. أما التوصيات الخاصة بإصلاح النظام الانتخابي - والتي دعت إلى نظام مختلط يجمع بين الفردي والقائمة النسبية - فقد جُوبهت برفض قاطع من أحزاب الموالاة، وهو ما عدّه عبد الخالق دليلاً على أن الحوار لم يكن إلا "دراما حزينة" تُستخدم واجهةً خارجية، بينما القرار الحقيقي يصنع في مكان آخر. من ناحيته، يستعيد بدراوي تجربته حين نصح الرئيس الراحل حسني مبارك بالتنحي قبل فوات الأوان، لكنه أُقصي من الحزب الوطني قبل حله عقب ثورة يناير 2011، لمجرد أنه قال ما لا يُراد له أن يُقال. ويرى أن التاريخ يعيد نفسه، لكن في نسخة مشوهة ومغلقة أكثر من أي وقت مضى. فإقصاء الإعلاميين، وتسييس الدين، وتهميش النخب، كلها مؤشرات على نظام لا يتعلم، بل يكرر أخطاءه بإصرار، مما يفتح الباب أمام انفجار لا أحد يمكنه التنبؤ بنتائجه.

وفي الإطار، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن ترتيب مصر في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، جاء في المرتبة 170 من أصل 180 دولة، وهو ما يعكس حجم الأزمة في المجال الإعلامي، وتأثيرها المباشر على المشاركة والاهتمام السياسي. ورغم ذلك، يرى صادق أن هناك فرصة لإعادة بناء الشرعية السياسية على أساس جديد، من خلال إطلاق تدريجي للحريات في مختلف المجالات، وتبني برنامج اقتصادي يُركّز على تحسين أوضاع المواطنين وخفض معدلات الفقر، بعيداً عن سياسات الجباية أو الاقتراض التي أرهقت المجتمع.

تضييق على مرشحين إلى انتخابات مجلس الشيوخ المصري

ولأنّ الانتخابات وإدارتها وطريقة التحضير لها، معيار أساسي لفهم الواقع السياسي المتصحّر في مصر، كشف مرشحون حزبيون ومستقلون في انتخابات مجلس الشيوخ المصري عن تعرضهم للتضييق من قبل الأجهزة المحلية (البلدية) والأمنية، منذ بدء موعد الدعاية الذي حددته الهيئة الوطنية للانتخابات، في 18 يوليو/تموز الجاري، تمهيداً لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ المصري يومي 1 و2 أغسطس/آب المقبل في الخارج، و4 و5 أغسطس داخل مصر. وذكر منافسون لمرشحي "القائمة الوطنية من أجل مصر"، المدعومة من السلطة، أنهم يتعرضون لتضييق واسع في ما يخص الدعاية الانتخابية، سواء على صعيد عقد المؤتمرات الجماهيرية في دوائرهم، أو تعليق اللافتات الدعائية في الشوارع والميادين الرئيسية، التي باتت حكراً على مرشحي القائمة بـ"تعليمات سيادية".

ويقول مرشح عن حزب الجيل على النظام الفردي بدائرة محافظة الدقهلية، إنه "واجه خلال الأيام الماضية صعوبة شديدة في الحصول على الموافقات اللازمة من المحافظة أو مديرية الأمن، من أجل عقد مؤتمر انتخابي لمؤيديه، بينما يسمح بسهولة لأي مرشح من القائمة الوطنية بعقد المؤتمرات الجماهيرية، وتعليق اللافتات الدعائية أعلى الطرق الرئيسية، وفي الميادين والأماكن الأكثر تميزاً في المحافظة". وشملت قائمة المرشحين النهائية إلى انتخابات مجلس الشيوخ المصري 424 مرشحاً على المقاعد الفردية، البالغ عددها 100، بعد استبعاد محكمة القضاء الإداري 41 مرشحاً، وتنازل 4 مرشحين. وبلغ عدد مرشحي الأحزاب 241، والمستقلين 183، من بينهم 60 مرشحاً لحزب مستقبل وطن، و25 لحماة الوطن، و10 للجبهة الوطنية، و9 للشعب الجمهوري، وهي الأحزاب الرئيسية المكونة للقائمة الوطنية.


فاروق أبو عوف: القائمة الوطنية ضمنت الفوز بجميع مقاعد القائمة المغلقة

ويقول المرشح المستقل عن دائرة محافظة القاهرة، فاروق أبو عوف إن "القائمة الوطنية ضمنت الفوز بجميع مقاعد القائمة المغلقة، وعددها 100، نتيجة عدم ترشح قوائم حزبية أو مستقلة منافسة لها، فضلاً عن دفع أحزابها الأربعة الرئيسية بـ94 مرشحاً على النظام الفردي، وهو ما يعني سعيها للفوز بأغلبية كاسحة في مجلس الشيوخ المصري الجديد". ويضيف أبو عوف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يعلم جيداً مدى حظوظ مرشحي أحزاب القائمة في الفوز، ولكنه ترشح رغبة منه في التعبير عن هموم المواطنين، معتمداً في حملته على تواصله المباشر مع الناخبين، وفهمه لقضايا دائرة القاهرة التي تضم 38 حياً في 4 مناطق رئيسية، وتشمل قطاعات سكانية وتجارية وإدارية متباينة، بما يجعلها الدائرة الأكبر من حيث النطاق الجغرافي، والتحديات أيضاً".

في السياق نفسه، يقول مصدر مطلع في حي مصر الجديدة بالقاهرة لـ"العربي الجديد"، إن "لديهم تعليمات مباشرة من المحافظة ووزارة التنمية المحلية بتسهيل إجراءات الدعاية لمرشحي القائمة الوطنية في انتخابات الشيوخ، لا سيما مرشحي حزب مستقبل وطن الحائز للأغلبية في البرلمان"، عازياً تلك التعليمات إلى "دعم الأجهزة السيادية (الأمنية) لأحزاب القائمة، باعتبارها تمثل النظام السياسي الحاكم".

وتصدر قائمة مرشحي مستقبل وطن للنظام الفردي بالقاهرة رجال الأعمال أحمد حسين صبور رئيس مجلس إدارة شركة الأهلي صبور للتطوير العقاري، وجمال أبو الفتوح رئيس مجلس إدارة شركة إيفر جرين للتجارة، ومحمد مظلوم العضو المنتدب لمجموعة شركات مظلوم للتجارة والتوكيلات والاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني والأنظمة المتكاملة. في حين تصدر القائمة المغلقة رجل الأعمال محمد حلاوة المالك لمجموعة حلاوة للصناعات الغذائية الرائدة في صناعة الألبان والعصائر، ومحمد المرشدي مؤسس ومالك شركة "معمار المرشدي" للتطوير العقاري. ووفقاً للقانون، يشترط أن يمول كل مرشح دعايته الانتخابية من أمواله الخاصة، ويجوز له قبول تبرعات نقدية أو عينية من أي شخص طبيعي، أو من الأحزاب، بشرط ألا تتجاوز نسبة التبرع 5% من الحد الأقصى المسموح به للإنفاق على الحملة، والمحدد بقيمة 500 ألف جنيه (نحو 10 آلاف دولار) إجمالاً للمرشح على النظام الفردي.

وحظرت الهيئة الوطنية للانتخابات تلقي المرشحين أي تبرعات من الأشخاص الاعتباريين المصريين أو الأجانب، أو من الدول أو الجهات الأجنبية أو المنظمات الدولية، أو الكيانات التي يساهم في رأسمالها أشخاص أو جهات أجنبية. وكذلك من أي شخص طبيعي أجنبي. وصلاحيات مجلس الشيوخ المصري الحالي أقل كثيراً من مجلس الشورى في عهد حسني مبارك، إذ كان دستور 1971 يلزم بعرض القوانين المكملة للدستور على الأخير، بينما المادة 249 من الدستور القائم جعلت من هذا العرض اختيارياً. ويجري اختيار أعضاء مجلس الشيوخ المصري الـ300، بنظامي الفردي والقائمة المغلقة، لاختيار 200 عضو مناصفة بالاقتراع العام السري المباشر، فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي. وتنص المادة 25 من قانون مجلس الشيوخ المصري بأنه "إذا لم يتقدم في الدائرة الانتخابية المخصصة للقوائم إلا قائمة واحدة، يعلن انتخابها بشرط الحصول على نسبة 5% على الأقل من أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية