مات الوهم
عربي
منذ 8 ساعات
مشاركة

منذ نشأ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عمل على ترويج وهمين كبيرين، الأول أن إسرائيل هي الضحية، المعرّضة دوماً لمخاطر أمنية، وهي على استعداد دائم لحلول وسط مع العرب الذين يرفضون وجودها. والثاني، أنه لا وجود فعليا للشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون هم مجرّد عرب، وليسوا قوماً لهم مقوّمات الشعوب.

ونتيجة نضال الشعب الفلسطيني الباسل، وما حققته ثوراته المتتالية، طوّرت المنظومة الصهيونية وهماً ثالثاً، استعدادها لحل وسط بالتفاوض مع الفلسطينيين، شريطة أن لا يرتقي إلى مستوى تطبيق حق تقرير المصير، أو إلى دولة فلسطينية حقيقية مستقلة. ولم توجد في كل تاريخ إسرائيل قوة يهودية تقبل بحقّ الفلسطينين في دولة مستقلة، أو بما يسمّى حل الدولتين.

صوت ما يسمّى "الكنسيت" أو البرلمان الإسرائيلي الأسبوع الماضي على قرار ينص على أن "الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض "إسرائيل"، الوطن التاريخي والثقافي والروحي للشعب اليهودي". كما نص على أن قيام دولة فلسطينية يشكّل تهديداً وجودياً لاسرائيل ومواطنيها والمنطقة بأسرها، وأن لإسرائيل الحق الطبيعي والتاريخي القانوني في جميع أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية). وطالب القرار حكومة إسرائيل بتطبيق السيادة والإدارة الإسرائيلية في أسرع وقت على جميع مناطق الاستيطان في الضفة الغربية وغور الأردن.

لم يأت ذلك القرار مفاجئاً، ولا فريداً، إذ سبقه، قبل "7 أكتوبر" (2023)، إقرار الكنيست قانون القومية الذي ينصّ على أن لليهود وحدهم حق تقرير المصير في فلسطين التاريخية. وتبع ذلك قرار منع قيام دولة فلسطينية في يوليو/ تموز 2024، إضافة إلى قرار ضم القدس منذ 1968، ولكن الأهم من القرارات ما تفعله البولدوزرات الإسرائيلية، وما ينفذه الإرهابيون المستوطنون على الأرض. إذ بلغ التوسّع الاستيطاني أرقاماً قياسية لا سابق لها منذ احتلال الضفة الغربية والقدس في 1967، وامتدّت أنشطة الاستيطان الاستعماري إلى ما تسمّى مناطق أ، ب، إلى جانب الاستباحة الكاملة لمناطق ج، وجرّدت السلطة الفلسطينية من كل صلاحياتها الأمنية والمدنية.

يعيش الشعب الفلسطيني اليوم خطراً وجودياً لا مثيل له، وملامح نكبة فاقت في وحشيتها وآثارها نكبة 1948

ومع تربّع الفاشية الصهيونية على مقاعد الحكومة الإسرائيلية، بدأ فعلياً تنفيذ خطّة الحسم الصهيونية، ومضمونها ليس فقط الاستيلاء على كل شبر من أرض فلسطين، بل العمل أيضاً على تنفيذ تطهيرعرقي كامل، يبدأ في قطاع غزّة، لينتقل لاحقاً إلى الضفة الغربية التي بدأت فيها فعلياً، عمليات تطهير عرقي داخلي أدّت إلى تهجير ما لا يقل عن 40 موقعاً سكانياً، وترحيل ما لا يقل عن 65 ألف فلسطيني من بيوتهم، بمن فيهم سكّان مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين. وهكذا يصبح اللاجئون الذين رحلوامن بيوتهم عام 1948 لاجئين مجدّداً، ومنهم بالطبع معظم سكّان قطاع غزّة.

وبمعونة ادارة ترامب الموالية بشكل مطلق لإسرائيل والمخطّطات الصهيونية، لم تعد إسرائيل بحاجة للأوهام. وهي لن تكتفي بالتطبيع مع الدول العربية، بل تريد فرض هيمنتها على المحيط العربي بكامله سياسياً واقتصاديا ًوعسكرياً واستخباراتياً.

وبعد ضعف ردود الفعل العربية والإسلامية على مجزرة الإبادة الجماعية والتجويع التي تنفذها في قطاع غزّة، تطاولت إسرائيل على لبنان وسورية واليمن، بعد أن شنّت حرباً على إيران... وقبل موت الوهمين الأولين، مات الوهم الثالث، منذ تنكّرت إسرائيل حتى لإتفاق أوسلو، رغم كل عيوبه ونواقصه من وجهة النظر الفلسطينية، ولم تعد تعباْ بفكرة التفاوض مع الجانب الفلسطيني غطاء لممارساتها.

يعيش الشعب الفلسطيني اليوم خطراً وجودياً لا مثيل له، وملامح نكبة فاقت في وحشيتها وآثارها نكبة 1948. ولا تمكن مواجهة هذا الخطر بالأساليب والمناهج التي فشلت، ولا باستمرار المراهنة على مفاوضاتٍ لن تحدُث أبداً، أو تمنية النفس بتدخّل وساطة أميركية، بعد أن كشفت الولايات المتحدة أنها شريك كامل في العدوان والمؤامرة.

الفاشية الصهيونية التي تجاوزت كل القوانين الإنسانية، وكل الأعراف البشرية، لن تردع إلا بمقاومتها واستنهاض أوسع حملة عقوبات عالمية ضدها

وفي التعامل مع ميزان قوى مختلّ لا بد من مراجعة جدّية لكل ما سبق، ولكل ما فشل، ولا بدّ من بلورة فهم دقيق وفعّال لطبيعة الصراع الدائر وسبل خوضه. ولا حلّ، بالتالي، سوى تبني استراتيجية وطنية وكفاحية مقاومة ليس فقط للاحتلال، بل أيضاً لكل مشروع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، وكل ما تمثله العدوانية الإسرائيلية من مخاطر ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على كل شعوب المنطقة. ولا تمكن مواجهة هذا التحدّي الهائل، بالقاء العبء كله على عاتق جزءٍ من الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزّة أو الضفة الغربية، بل لا بد من تفعيل طاقات الشعب الفلسطيني والمتضامنين معه في كل مكان وأينما كان. ولا بد من إعادة بناء مشروع نضال وطني شامل، وتجاوز كل الانماط والخلافات الفصائلية التي لم يعد لها معنى، في ظل خطر داهم يلاحق الجميع، بل يهدّد كل وجود الشعب الفلسطيني وبقائه ومستقبله.

ولا بد من إدراك أن الفاشية الصهيونية التي تجاوزت كل القوانين الإنسانية، وكل الأعراف البشرية، لن تردع إلا بمقاومتها واستنهاض أوسع حملة عقوبات عالمية ضدها، وأول خطوة في الاتجاه الصحيح الاعتراف بما يفهمه كل طفل فلسطيني بالفطرة، أن وهم الحل الوسط مات ولن يعود.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية