
أعلنت السلطات الجزائرية، اليوم السبت، قرارها بسحب كامل البطاقات الخاصة بالدبلوماسيين الفرنسيين، والتي كانت تسمح لهم بالدخول إلى المناطق المغلقة في المطارات والموانئ، لتسليم وتسلم الحقائب الدبلوماسية، ردًا على عرقلة فرنسية لتسليم وتسلم الدبلوماسيين الجزائريين للحقائب الدبلوماسية في المطارات الفرنسية.
وأفاد بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، بأنه "في إطار التطبيق الصارم لمبدأ المعاملة بالمثل، قام مدير الحصانات والامتيازات الدبلوماسية بوزارة الشؤون الخارجية باسترجاع كافة بطاقات امتياز الدخول إلى الموانئ والمطارات الجزائرية التي استفادت منها سفارة فرنسا بالجزائر". ويعني هذا القرار منع وصول أو إرسال المصالح الدبلوماسية الفرنسية في الجزائر للحقائب الدبلوماسية من الجزائر نحو باريس، ردًا على ما وصفتها الخارجية الجزائرية بعراقيل مماثلة من الجانب الفرنسي، كانت قد "اقتصرت في البداية على سفارة الجزائر بباريس، قبل أن يُوسّع نطاق تطبيقها إلى المراكز القنصلية الجزائرية بفرنسا، رغم تعهد وزارة أوروبا والشؤون الخارجية بإعادة النظر في هذا الإجراء".
وللمرة الثانية في غضون 48 ساعة، تم استدعاء القائم بأعمال سفارة فرنسا بالجزائر، جيل بورباو، اليوم السبت، مجددًا إلى مقر وزارة الخارجية "بخصوص استمرار العراقيل التي تواجهها سفارة الجزائر بباريس من أجل إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية، وذلك في انتهاك صارخ للالتزامات الدولية التي تقع على عاتق الحكومة الفرنسية". وهذه الحقائب يتم عبرها إرسال الوثائق والمراسلات والأغراض الخاصة بين وزارات الخارجية للدول والسفارات والبعثات الدبلوماسية في العالم، بشكل محمي وعبر نظام التسليم يدًا بيد من ملحق دبلوماسي إلى موظف في المطار.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت، الخميس الماضي، أن السلطات الفرنسية منعت الدبلوماسيين الجزائريين من حق الدخول إلى منطقة تسلم وتسليم "الحقيبة الدبلوماسية" داخل المطارات الفرنسية، وقررت تطبيق المعاملة بالمثل وتقديم شكوى لدى الأمم المتحدة بشأن خرق الفقرة السابعة من المادة 27 من اتفاقية فيينا، التي تُكرّس صراحة حق أي بعثة دبلوماسية في إيفاد أحد أفرادها لتسلم الحقيبة الدبلوماسية من ربان الطائرة بصورة مباشرة وحرّة. كما كانت الخارجية الجزائرية قد استدعت، في اليوم نفسه، القائم بأعمال سفارة فرنسا بالجزائر (السفير موجود في باريس منذ إبريل/نيسان الماضي) لطلب توضيحات بخصوص هذا الموضوع من المصالح المختصة بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، والتي أكدت أن "هذا الإجراء قد تم اتخاذه من طرف وزارة الداخلية الفرنسية دون علم وزارة الخارجية الفرنسية".
وجاءت تلك التطورات مخالفة تمامًا لتصريحات القائم بأعمال السفارة الفرنسية، جيل بورباو، خلال الحفل الذي أقامته السفارة الفرنسية في الجزائر، بمناسبة العيد الوطني لفرنسا في 14 يوليو/تموز الجاري، بحضور مساعد وزير الخارجية الجزائري، سفيان شايب، حيث كان بورباو قد أكد أن "هناك طريقًا أخرى غير الشقاق، القناعة بأن طريقًا أخرى غير طريق الخصومة ممكنة بل ضرورية، نؤكد رغبتنا في تجاوز الخلافات لا تزال قائمة، ورغبتنا تامة في العودة إلى الهدوء. نعلم بأنها طريق صعبة ولكن أؤكد أننا عازمون على المضي فيها. لأن روابطنا الإنسانية، الكثيفة والوطيدة، تلزمنا بذلك. لأن الفوضى في العالم تجبرنا على العمل معًا لمواجهة التحديات الراهنة".
ومن شأن هذه التطورات المتصاعدة في العلاقة بين الجزائر وباريس أن تدفع نحو قطيعة سياسية ومزيد من الأزمة السياسية غير المسبوقة بين البلدين، إذ لم تصل مستويات الخلافات السياسية بين الجزائر وباريس، خلال العقود الستة الماضية، إلى هذا المستوى من التشنج وردود الفعل والقرارات ذات الصبغة الإدارية الحادة. فقبل يومين من التطور الجديد المتعلق بالحقائب الدبلوماسية، كان موقف آخر قد برز في سياقات الأزمة، في أعقاب قرار فرنسي اتخذه وزير الداخلية، برونو روتايو، بشأن عدم الاعتداد بجوازات السفر التي تمنحها القنصليات الجزائرية للمهاجرين الجزائريين الذين يقيمون بطريقة غير قانونية في فرنسا، بغرض حرمانهم من تسوية وضعيتهم القانونية، وفقًا لاتفاقية الهجرة الموقعة بين البلدين في عام 1968، وهو ما رفضته الخارجية الجزائرية في بيان أصدرته الاثنين الماضي.
واندلعت فصول الأزمة السياسية القائمة بين الجزائر وفرنسا منذ يوليو/تموز 2024، بسبب قرار باريس الاعتراف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، لكنها تطورت سريعًا إلى ملفات ومسائل متعددة، كملفات الهجرة، وترحيل نشطاء جزائريين إلى بلادهم، ووقف الجزائر للواردات الفرنسية، تلاها إلغاء باريس لاتفاق الجوازات الدبلوماسية ومنعها دخول مسؤولين جزائريين إلى أراضيها، وتوقيف دبلوماسي جزائري بمزاعم صلته بقضية خطف ناشط معارض في باريس. وتعقدت الأزمة بشكل حاد منذ شهر إبريل/نيسان الماضي، بعد قرار باريس استدعاء سفيرها في الجزائر، والذي لم يعد حتى الآن، فيما يبقى منصب السفير الجزائري شاغرًا منذ عام كامل.
