
كشف تقرير لـ"لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية" أنها سجلت أكثر من 750 حالة "مقاطعة مثبتة" لها ولسلكها الأكاديمي منذ بداية الحرب على غزة، مشيرة إلى خسائر معنوية واقتصادية هائلة نتيجة هذه المقاطعة، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" بتاريخ 25 يوليو/تموز 2025. وتشير هذه الحالات إلى توسع المقاطعة الأكاديمية العالمية لدولة الاحتلال، إذ بلغت نسبة حالات المقاطعة السابقة خلال النصف الأخير من عام 2024 وحتى فبراير/شباط 2025، حوالي 500 حادثة، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي.
وتتراوح أشكال المقاطعة العالمية، لا سيما من جامعات أوروبية وأميركية، بين رفض نشر مقالات في دوريات علمية أو إلغاء منح بعد المصادقة عليها، ومقاطعة كاملة من جانب جامعات أو منظمات تعليمية للعلاقات مع جامعات وباحثين إسرائيليين. وقد أعلنت عشرات الجامعات الأوروبية عن "قطع علاقات" مع جامعات وباحثين في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، وفق "هآرتس". وإلى جانب المقاطعة الأكاديمية الكاملة المُعلنة، هناك "مقاطعة رمادية" غير مُعلنة، تتمثل بعدم تجاوب باحثين أوروبيين مع رسائل إلكترونية من نظرائهم الإسرائيليين، أو بعدم تجديد عقود تعاون بعد انتهاء مدتها مع مؤسسات أكاديمية إسرائيلية.
وقال مدير مقر مكافحة المقاطعة الأكاديمية في لجنة رؤساء الجامعات، عمانوئيل نحشون، إن جميع الجامعات في بلجيكا تقريباً تقاطع إسرائيل، وكذلك 80% من المؤسسات الأكاديمية في هولندا، كما أعلنت مؤسسات كثيرة في إسبانيا والنرويج عن مقاطعة، وسُجلت حالات مقاطعة عديدة في إيطاليا وإيرلندا وسويسرا أيضاً. واعترف رئيس لجنة رؤساء الجامعات ورئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفيسور دانيال حايموفيتش، بأن حالات المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل أشبه بفيروس ينتشر في أوروبا الغربية خلال السنة ونصف السنة الأخيرة.
وأشارت صحف إسرائيلية إلى مؤشر مقلق ظهر مؤخراً، عندما أعلن برنامج "هورايزون" في مجلس البحوث الأوروبي (ERC) عن فوز تسعة علماء إسرائيليين شبّان فقط بمنح، من أصل 100 مقترح تم تقديمه. وفي السنوات الخمس الأخيرة، انخفضت نسبة حصول الإسرائيليين على منح مقابل عدد المقترحات المقدمة إلى البرنامج، والتي تراوحت بين 98 و109، من 29% إلى 9%. وقال رئيس جامعة تل أبيب، البروفيسور أريئيل بورات، إن إخراج إسرائيل من برنامج "هورايزون" سيلحق ضرراً هائلًا بمجال العلوم الإسرائيلي، سواء على مستوى التعاون أو التمويل للأبحاث، ولا يمكن للعلوم في إسرائيل أن تبقى كما هي الآن.
وبحسب "هآرتس"، فإن أحد أسباب هذا التراجع، وفقاً للباحث في معهد وايزمان وعضو لجنة مجلس البحوث الأوروبي، البروفيسور نوعام سوبيل، هو أحداث غزة و"الجرائم الإسرائيلية" هناك. قال: "بتنا نُعتبر ورقة حمراء الآن، والناس في الولايات المتحدة وأوروبا يشاهدون نشرات أخبار مزعجة عن الفظائع في غزة، ما يؤثر على مزاجهم، رغم أن هذه المنح ضرورية للغاية لوجود العلوم في إسرائيل".
وتقول نائبة رئيس جامعة تل أبيب للعلاقات الأكاديمية الدولية، البروفيسورة ميليت شمير، إن المقاطعة بدأت في الولايات المتحدة ثم امتدت إلى أوروبا والعالم، ومعظم حالات المقاطعة تأتي من أوروبا. وأضافت: "أصبحنا نتلقى أسبوعياً ما بين سبعة وعشرة تقارير عن حالات مقاطعة، أي أكثر بثلاث مرات مما كان عليه قبل عام، والسبب هو الصور الصعبة من غزة وقتل الجائعين حول مراكز المساعدات".
اتساع المقاطعة
في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت جامعتان أوروبيتان بارزتان إنهاء تعاونهما مع الجامعات الإسرائيلية بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة، ضمن خطوات مماثلة اتخذتها جامعات أخرى مؤخراً. فقد أعلنت جامعة جنيف إنهاء تعاونها البحثي مع الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب، التي ينتهي العمل باتفاقية التعاون معها في عام 2026، ولن تُجدد بعد ذلك، احتجاجاً على استمرار الحرب. كما أعلنت جامعة إراسموس روتردام تجميداً فورياً للتعاون مع جامعتي "بار إيلان" والعبرية في القدس، وجامعة حيفا.
كما أعلنت جامعة "ترينيتي كولدج" الإيرلندية أنها ستقطع العلاقات مع إسرائيل احتجاجاً على "الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي والإنساني" خلال الحرب. وتقاطع أكثر من 20 جامعة حول العالم إسرائيل بسبب الحرب المستمرة والأوضاع الإنسانية في غزة، بالإضافة إلى تزايد حالات المقاطعة للأكاديميين الإسرائيليين، بحسب ما ورد في تقرير "هآرتس".
وكان المجمع القومي الإسرائيلي للعلوم والآداب قد حذر في مايو/أيار الماضي من شرخ مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يعرض الأكاديميات الإسرائيلية لخطر حقيقي، وذلك في أعقاب إعلان الاتحاد الأوروبي عن مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل بسبب استمرار الحرب المدمرة على غزة، بناءً على موافقة غالبية الدول الأعضاء. وعقّب المجمع على قرار تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج المنح البحثية والتطويرية المرموق (Horizon) التابع للاتحاد الأوروبي، محذراً من خطر حقيقي يهدد بإلحاق ضرر جسيم بالعلوم الإسرائيلية ومستقبل التعاون العلمي مع دول الاتحاد الأوروبي.
تكلف إسرائيل مليارات الدولارات
وتؤكد تقارير اقتصادية إسرائيلية ودولية أن إسرائيل تخسر مادياً بشدة من "المقاطعة الأكاديمية"، إلى جانب أشكال المقاطعة الاقتصادية الأخرى لسلعها وبضائعها، وتُقدر تكلفة هذه المقاطعة بمليارات الدولارات. فقد حصلت إسرائيل على 1.1 مليار يورو منحاً بين عامي 2021 و2024 من البرنامج الأوروبي للمنح الأكاديمية "هورايزون"، ولكن هذه النسبة انخفضت بنسبة 68.5% في عام 2025 بسبب حركات التضامن مع فلسطين من جانب أكاديميين وطلاب.
ووصف تقرير نشره موقع كالكليست الاقتصادي الإسرائيلي في 25 مايو/أيار الماضي هذه المقاطعة بأنها "خط أنابيب الأكسجين"، مؤكداً أن إزالته قد تؤدي إلى انهيار الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن تل أبيب كانت تحصل على أموال من برنامج هورايزون لجامعاتها المتواطئة مع الإبادة، أكثر من أي دولة أوروبية، حتى ألمانيا وفرنسا وهولندا. وأكد التقرير أن إسرائيل كانت تستثمر 1.3 مليار شيكل سنوياً في شراكة "هورايزون"، ما يشكل خسارة اقتصادية كبيرة في ظل تراجع ما تحصل عليه من منح أوروبية أكاديمية.
وتشير تقارير دولية إلى صعوبة تحديد رقم دقيق لمليارات الدولارات المفقودة نتيجة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، لكنها تؤكد أن لهذه المقاطعة أثراً اقتصادياً كبيراً، لا سيما في مجالي البحث والتطوير. وأظهرت دراسة أعدتها مؤسسة "راند" عام 2015 أن حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) إذا ما نجحت، قد تُكلف الاقتصاد الإسرائيلي عشرات المليارات من الدولارات خلال عشر سنوات.
وكان تقرير لـ"حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" قد أكد أن الجامعات الإسرائيلية تشارك في تطوير أنظمة الأسلحة والعقائد العسكرية التي تُستخدم في جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان وغزة والضفة الغربية. كما تقوم، عبر أبحاث ودراسات مزيفة، بتبرير استمرار استعمار الأراضي الفلسطينية، والترويج للتطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين، ومحاولة توفير غطاء أخلاقي لعمليات القتل غير الأخلاقية خارج نطاق القضاء، وذلك مقابل أموال تحصل عليها من جهات أكاديمية أجنبية. إذ تطور جامعة "تخنيون" الإسرائيلية تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات التي تُستخدم في هدم منازل الفلسطينيين.

أخبار ذات صلة.
