
أعادت وزارة الداخلية المصرية إدراج تركيا ضمن بيان رسمي بشأن "خلية إرهابية" قالت إنها كانت بصدد تنفيذ عمليات عنف داخل البلاد. البيان الصادر الأسبوع الماضي، الذي أعلن "إحباط مخطط إرهابي" منسوب لحركة "حسم" المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، لمّح إلى أن قيادات الحركة تتخذ من الأراضي التركية "مركزاً لتوجيه وتحريك العناصر الإرهابية". واعتبر مراقبون قرار وزارة الداخلية المصرية تحولاً مفاجئاً، ويستدعي التساؤل حول ما إذا كان ذلك مجرد توصيف أمني معتاد، أم أن خلفه رسائل سياسية ضاغطة ومتصلة بملفات إقليمية أكثر تعقيداً؟ وشهدت العلاقات المصرية التركية مساراً تصالحياً متدرجاً، منذ 2021، بعد سنوات من التوتر السياسي والدبلوماسي في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي في 2013.
جاهد طوز: بيان وزارة الداخلية المصرية لا يمكن قراءته بشكل إيجابي
قرار وزارة الداخلية المصرية
ترجمت تلك التهدئة بمضاعفة سنوية لحركة التجارة والاستثمارات أعقبها تبادل السفراء، واستئناف الحوار الدبلوماسي، ولقاءات أمنية ووزارية مكثفة. وكان لافتاً خلال تلك الفترة غياب أي إشارات سلبية من القاهرة تجاه أنقرة في البيانات الرسمية، خصوصاً تلك الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية في الأساس، وباقي الوزارات. لكن البيان الأخير كسر هذا العرف الضمني، بإقحام مباشر لتركيا بوصفها مقراً "لتحركات عناصر إرهابية"، ما يعيد للأذهان خطاب ما قبل 2019 الذي اتسم بالعدائية المتبادلة، رغم قيام أنقرة بملاحقة العديد من منسوبي الإخوان المقيمين على أراضيها. يضع بعض المراقبين هذا التحول في إطار ما يمكن تسميته بـ"الضغط الإعلامي ـ السياسي" من الجانب المصري، خصوصاً في ملف طالما شكّل مصدر توتر بين البلدين، وهو تسليم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم يحيى موسى، المتهم الأول في قضايا بارزة منها اغتيال النائب العام المصري هشام بركات. وقد يرتبط التصعيد المصري أيضاً بخلافات كامنة في عدد من الملفات الإقليمية التي لا تزال محل تجاذب بين البلدين، أبرزها ملف تعيين الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس في ليبيا، إذ ترى القاهرة أن أنقرة تمادت في توقيع اتفاقات بحرية تنتهك حقوقها الاقتصادية، وتدعم نفوذها العسكري في غرب ليبيا، ما يتعارض مع الرؤية المصرية للأمن القومي. وأيضاً الوجود التركي في القرن الأفريقي، خصوصاً في الصومال، حيث تدير أنقرة قواعد عسكرية وبرامج تدريب واسعة للجيش الصومالي. وهذا التمدد يُنظر إليه في القاهرة باعتباره منافساً مباشراً لمصالحها الأمنية في البحر الأحمر وخليج عدن.
في السياق، قال جاهد طوز، المستشار السابق في رئاسة الوزراء التركية، لـ"العربي الجديد"، إن "بيان وزارة الداخلية المصرية لا يمكن قراءته بشكل إيجابي، وما يلفت الانتباه فيه أنه ذكر تركيا بالاسم، بينما تحدث عن دول أخرى بشكل عام من دون تسميتها، وهو ما يُعد أسلوباً عدائياً يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية. كذلك، فإن النظام المصري يركز دائماً على وجود عناصر الإخوان في تركيا، بينما يتجاهل وجود قياداتهم في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا، رغم أنهم ينشطون بحرية هناك". وأضاف: "في المقابل، فإن مصر نفسها تحتضن قيادات من تنظيم فتح الله غولن، الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً، وتمنحهم منابر إعلامية وتعليمية. وهذا التناقض يُضعف من مصداقية الخطاب المصري".
حسين هريدي: التجاوب التركي مع المطالب المصرية في هذا الملف لا بأس به
التعاون الأمني بين مصر وتركيا
من ناحيته، قال حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ"العربي الجديد"، إن "التعاون الأمني بين مصر وتركيا يسير بشكل جيد حتى الآن"، مضيفاً أن "التجاوب التركي مع المطالب المصرية في هذا الملف لا بأس به حتى إشعار آخر". أما الباحث في العلاقات الدولية، عمار فايد، فاستبعد وجود أزمة في العلاقات بين مصر وتركيا، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "تأكيد السلطات المصرية وجود من تزعم أنهم مسؤولون عن حركة حسم في تركيا، لا يعني بالضرورة أن الملف سيتحول إلى أزمة بين البلدين، خصوصاً في ظل تنامي المصالح المشتركة".
وتشير الأرقام الرسمية إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 10 مليارات دولار عام 2024، يأمل المستثمرون المصريون والأتراك زيادتها إلى 15 مليار دولار عام 2026، لتصل إلى 20 مليار دولار عام 2030. وعلى الرغم من تعطش القاهرة للاستثمارات الأجنبية، فإن الأجهزة الأمنية، ما زالت تعطل طلب المستثمرين بالبلدين، إعادة العمل بخط النقل السريع "رو - رو" الذي يسمح بحركة تجارة السلع بين تركيا ودول الخليج عبر الموانئ المصرية، من دون إجراءات تفتيش جمركي، والذي ساهم في تنشيط انتقال السلع بين البلدين، خلال الفترة بين عامي 2012 و2014، بينما سمحت بخط مواز يربط بين الموانئ المصرية والإيطالية، العام الماضي، من دون حسم لاستعادة مشروع تجاري مهم يخدم البلدين.

أخبار ذات صلة.
