"العربي الجديد" يقابل الناشطة على متن سفينة "حنظلة" هويدا عراف
عربي
منذ يوم
مشاركة

بينما تواصل سفينة حنظلة إبحارها منذ الأحد الماضي لكسر الحصار عن غزة، متخطيّة محاولات العرقلة التي تمثلت في تخريب محركها، ووضع مادة حارقة في إحدى حاويات المياه على متنها، التقى "العربي الجديد" مع هويدا عرّاف، الفلسطينية-الأميركية، المرتحلة هذه المرة إلى شعبها، لمواكبتها ورفاقها في رحلتهم المتوقع أن تعترضها إسرائيل. ولئن اعتقل جيش الاحتلال نُشطاء سفينة "مادلين" في المرّة السابقة، تصر عرّاف ورفاقها على المحاولة من جديد، تقول: "لم تهاجم إسرائيل مادلين بشكل غير قانوني فحسب، بل استخدمت العنف ضدّنا منذ 2008، يوم بدأنا الجهد المدني لمواجهة الحصار الإسرائيلي غير القانوني وتحديه". ثم في 2010 هاجمت إسرائيل أسطول "مافي مرمرة" وقتلت 10 من المتطوعين وأصابت العشرات واختطفت نحو 700 مدني من المياه الدولية. مع ذلك "لم ولن نستسلم لفكرة أن العنف والقوة العسكرية أقوى من الحقوق التي نناضل من أجلها"، تقول عرّاف، "نرفض فكرة التعايش مع الحصار، والوقوف مكتوفي الأيدي في وقت يموت الرُّضّع جوعاً وتُمحى عائلات بأكملها".

"حكوماتنا تُساهم في جرائم ضد الإنسانية"

العضوة المؤسّسة لحركة التضامن العالمية تلفت إلى أن اعتراض "مادلين" أظهر إلى أي مدى إسرائيل مستعدة "للحفاظ على حصارها الوحشي"، لكن هذا الاعتراض أيضاً "ذكّرنا بأن العالم بحاجة إلى الاستمرار في المقاومة. كل محاولة، كل سفينة، كل فعل تحدٍّ، يُضعف الصمت والتواطؤ اللذين سمحا لهذا الحصار بالاستمرار طوال 17 عاماً". وتجزم: "نُبحر ليس لأن الأمر سهلاً بل لأنه الصواب". دافع انضمام ابنة معليا في الجليل الأعلى، يبدو بديهياً، فهي كما تتابع حديثها إلى "العربي الجديد" كانت جزءاً من طلائع القوارب التي حاولت كسر الحصار الإسرائيلي صيف 2008 قائلة "من المحزن أنّ نُدين المجتمع الدولي على تقاعسه، إذ لا نزال نكرر ذلك بعد 17 عاماً". تقول بصفتها أميركية: "فشلت حكوماتنا فشلاً ذريعاً. كان ينبغي أن تكون من تتحرك لحماية القانون الدولي. لكنها في هذه الحالة تساهم وتشارك في جرائم ضد الإنسانية، ولا يمكننا أن نصمت حيال ذلك".

كونها محامية وأمّاً أيضاً تشير إلى أنها تشعر "بثقل هذه اللحظة في التاريخ"، وتقول: "حكومتي -الولايات المتحدة- تُمكّن للإبادة الجماعية. لم أنضم إلى هذه السفينة لمجرد إيصال المساعدات، بل لمواجهة هذا التواطؤ، ولأقف إلى جانب الفلسطينيين في غزة الذين تخلّى عنهم ما يُسمّى بـ'المجتمع الدولي'.. نُبحر من أجل العدالة والكرامة والحياة".

"مستعدون لتعريض أنفسنا للخطر من أجل غزة"

أمّا عن الغاية الأساسية التي يسعى الناشطون العالميون على متن "حنظلة" لبلوغها، فهي مجموعة من "الرسائل العاجلة والمترابطة" أوّلها إلى الشعب الفلسطيني: "لستم وحدكم. نحن نراكم ونسمعكم، ولن نتخلى عنكم. هذا الحصار ليس قانونياً فقط بل غير إنساني، ورغم صمت حكوماتنا أو تواطئها، فإن أصحاب الضمائر حول العالم ينهضون". تكمل: "نحن مستعدون لتعريض أجسادنا للخطر لنقف مع غزة ومن أجلها ولكي نكسر الحصار، ونقول بأفعالنا: حياتكم لها قيمة.. رحلتنا فعل تضامن إنساني ونداء إلى العالم: لا تدَعوا طفلاً آخر يُقتل بصمت"، كما ينقلون عبر "العربي الجديد".

أمّا رسالتهم الثانية، فهي إلى حكوماتهم: "أنتم تفشلون قانونياً، وأخلاقياً، وتاريخياً. تدّعون أنكم تمثّلون القيم الديمقراطية لكنكم تبرّرون وتعزّزون العقاب الجماعي لشعبٍ بأكمله. إن تقاعسكم وتواطؤكم يشكّلان جزءاً من هذه الإبادة الجماعية، وجزءاً من مشروع الاستعمار الإسرائيلي المستمر منذ عقود لأرض وحياة الشعب الفلسطيني"، ويؤكدون: "نحن هنا لنقول: لن نسمح للتاريخ بأن ينسى ما فعلتموه. وفي الوقت نفسه، نستمر في مطالبتكم بفعل ما هو صائب: فرض عقوبات حقيقية على إسرائيل، وتطبيق القانون الدولي، والمساعدة في إنهاء هذا الحصار. وحتى تتحركوا، سنتحرك أولاً".

بينما تحرك المجتمع المدني في العالم بالفعل منذ شروع إسرائيل في هذه الإبادة للضغط على الحكومات، لكنّ للناشطين رسالة لهؤلاء أيضاً: "عندما تفشل الحكومات في تحقيق العدالة، يكون من واجبنا -نحن الشعوب- أن نتدخل. لا يمكننا أن نقبل العيش في عالم تُمنح فيه دولة خاضعة للتحقيق بارتكاب إبادة جماعية الحق في أن تُقرر هل سيُسمح بوصول المساعدات، وإن وُجدت، إلى الشعب الذي تستهدفه. فهذا ليس محض فشل في السياسات، بل انهيار أخلاقي كامل". يتابعون داعين الشعوب إلى "الانضمام إلينا: للنهوض والمقاومة ومواجهة هذا الحصار غير القانوني، وغير الأخلاقي، والقاتل معاً".

إيصال حليب الرضع عمل مهدد للحياةَ

السفينة التي تحمّل حليباً للرضع المجوعين في غزة تُعد ترجمة حيّة لعبارة "مهمة محفوفة المخاطر". وبما أن عرّاف محاميّة مختصة بالقانون الدولي ترى أن "من غير المقبول أخلاقياً وجنائياً أن يصير إيصال حليب الأطفال إلى الرُضّع المجوّعين عملاً يهدّد الحياة"، لأن عرقلة المساعدات الإنسانية وخاصة الغذاء للأطفال يمثل "انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقات جنيف". تؤكد عرّاف أن منع وصول المساعدات إلى المدنيين، ولا سيما عندما يؤدي ذلك إلى المجاعة، "جريمة حرب"، وأن إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال "تتحمّل المسؤولية القانونية، كما أن الولايات المتحدة بتمويلها وتسليحها هذه الجرائم وحمايتها من المساءلة شريكة ومتواطئة أيضاً".

تستطرد: "دعونا نكن واضحين: لا تمتلك إسرائيل أي سلطة قانونية للمهاجمة أو التدخل في محاولتنا إيصال المساعدات إلى غزة، لأنه ليس لها سيادة على المياه الفلسطينية كما أكدّت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024 ولا يمكنها فرض حصار هو غير قانوني في جوهره". تشرح أيضاً أن "هذا الحصار يُشكّل عقاباً جماعياً، وهو جريمة حرب بموجب القانون الدولي لأنه يتسبب في أذى مفرط للمدنيين، وخاصة الأطفال.. الأسوأ من ذلك أنه يُستخدم أداة للتجويع المتعمد، وهو ما يُعرّفه القانون الدولي بأنه عمل غير إنساني، وقد يُشكّل فعل إبادة جماعية".

"عندما تفشل الدول يلزم تدخل أصحاب الضمائر"

على مدى عقدين فرضت إسرائيل الحصار غير القانوني ودون رادع، وغضّ المجتمع الدولي الطرف، ولذلك ترى عرّاف أن الفشل "ليس في القانون، بل في غياب الإرادة لتطبيقه، فالقانون الدولي لا تكون له قوة إلا بقدر الالتزام بتطبيقه". ولهذا "نحن، كأعضاء في المجتمع المدني العالمي، نتحرك، لأنه عندما تفشل الدول في حماية أبسط حقوق الحياة والكرامة، يصبح لزاماً على أصحاب الضمير أن يتدخلوا". وتضيف: "نُبحر لنقول: تجويع المدنيين جريمة حرب، والحصار غير قانوني، والإبادة الجماعية يجب أن تتوقف، والمذنبون يجب أن يُحاسبوا، وسوف يُحاسبون".

على الجانب الآخر، تتعالى التخوّفات من اعتراض الاحتلال طريق "حنظلة"، وعن الاستعدادات لمواجهة ذلك تقول عرّاف: "نعلم المخاطر، فلإسرائيل تاريخ طويل في استخدام القوة وحتى القاتلة ضد الأساطيل السلمية، ولهذا أجرينا تدريبات على اللاعنف، ووضعنا بروتوكولات في حال اعتراضنا". كشفت أيضاً لـ"العربي الجديد" أن "العديد منّا واجه تهديدات، أو مراقبة، أو حتى اعتقالاً في السابق"، مستدركة: "الخوف لن يوقفنا، فما يعانيه أهل غزة يومياً أكثر رعباً من أي شيء نواجهه في البحر. عدم الإبحار لمواجهة الحصار.. وقبول عالم يُسمح فيه ذلك أكثر خطورة على الإنسانية".

"نحارب قوى هائلة بموارد محدودة"

إلى جانب كل ما تقدّم من تحديات لأسطول الحرية وجه آخر من التكافل والتضامن الاجتماعي العالمي؛ وفق ما تكشفه عرّاف عن تمويل الرحلة، "معظمنا جمع المال من مجتمعاتنا وأصدقائنا وعائلاتنا. لا حكومات تدعمنا، ولا مؤسسات كبيرة تموّل هذا العمل"، لافتةً إلى أن أكبر تحدٍّ يواجه الناشطين "أننا نحارب قوى هائلة بموارد محدودة جداً، لكننا نتغلب على ذلك بالتضامن وبمساهمات الناس بـ10 دولارات أو 20، أو ما يستطيعون". وتتابع: "إنه جهد شعبي من القاعدة، ويذكرنا بأن هذه الحركة مدعومة من الناس لا السياسة".

بينما تتواصل المبادرات الإنسانية كـ"حنظلة"، يستمر المجتمع الدولي في تجاهل معاناة سكان غزة التي تتفاقم يوماً بعد آخر. ما تقدّم تصفه عرّاف بأنه "ليس لا مبالاة، بل جبن وتواطئ". والسبب أن "كثيراً من الحكومات تخشى ردات الفعل السياسية أو فقدان التحالفات، والآخر يفضل ببساطة قوة إسرائيل على حياة الفلسطينيين". لكن الشعوب "ليست غير مبالية، فقد شهدنا احتجاجات ضخمة، ومعسكرات طلابية، وإضرابات عمالية، وأساطيل حرية". كما تقر بأن التحدي "جعل الحكومات تتبع إرادة شعوبها لا أجندات مستغلي الحروب أو أنظمة الاستعمار الاستيطاني".

رداً على سؤال "العربي الجديد" عن كيفية تقضية الناشطين الوقت على السفينة والأجواء بينهم، وعن طبيعة المشاعر التي تراودهم كلما باتوا أقرب إلى شواطئ غزة، شرحت أن قضاء الوقت متنوّع المستويات، "فهو عاطفي وروحي وعملي ولوجستي". تقول: "هناك إيقاع ثابت لأيامنا: نعقد اجتماعات منتظمة، نتشارك الوجبات، نقوم بتدريبات اللاعنف، نناقش السيناريوهات المحتملة، كما نكرس جزءاً كبيراً من وقتنا للتواصل والإعلام، ولنقل رسالتنا إلى العالم، والدعوة للدعم، وشرح أسباب خوضنا هذه المهمة". كذللك، لفتت إلى أن الرحلة ليست كلّها لوجستيات وتخطيط، "فهناك غناء وتبادل للقصص وصلوات.. توجد لحظات هادئة من التأمل والكثير من الدموع، خصوصاً حين نتحدث عن الناس في غزّة، وفي مقدمتهم الأطفال، ونذكّر أنفسنا باستمرار لماذا نحن هُنا".

"نعم يمكن للناس كسر الصمت وتغيير التاريخ"

تبقت للسفينة أيام معدودة للوصول إلى شواطئ غزة والمشاعر السائدة بين من عليها "ليست الخوف أو القلق"، بل "الحب والعزم والأمل.. نحمل ثقل ما هو على المحك لكننا نسمو بالإيمان بأن الناس العاديين موحدين بضميرهم يمكنهم المساعدة في كسر الصمت وتغيير مجرى التاريخ".

في غضون ذلك، تدرس حركة التضامن العالمي، وأسطول الحرية تنظيم أسطولٍ كامل من السفن لكي تكون الرسالة أقوى وأكبر، كما تكشف عرّاف، كما أن الفكرة غير جديدة "طالما تصوّرنا ودعونا إلى أسطول كامل من السفن يشارك فيه الناس والمنظمات وحتى الحكومات متحدين الحصار.. في 2010، نظمنا أسطول حرية غزة وهو جهد منسق لسفن حملت أكثر من 700 مدني وأكثر من 10,000 طن من المساعدات".

في المقابل، "ردت إسرائيل بقتل عشرة من رفاقنا وجرحت العشرات في المياه الدولية". ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف القمع الإسرائيلي بل ازداد. وتقول: "تعاونت بعض حكومات البحر المتوسط بنشاط عبر منع قواربنا من مغادرة الموانئ ما ساعد عملياً في دعم الحصار". صحيح أن هذه عقبات كبيرة، "لكنها لم ولن تكسر عزيمتنا"، كما تؤكد. كشفت عرّاف أيضاً أن "عدداً من المجموعات حول العالم يعملون للحصول على قوارب والاستعداد لأسطول عالمي أكبر ومنسق، وهذه هي الرؤية التي نعيد البناء عليها مرة أخرى". مع أن السفينة في النهاية قد لا تصل وجهتها، فإن للناشطين رسالة للفلسطينيين في غزة مفادها: "أنتم لم تُنسوا. نحن نراكم ونقف معكم، ولن نتوقف عن محاولة الوصول إليكم. سواءً وصلنا إلى الشاطئ أو تعرضنا لهجوم في البحر، اعلموا أن قلوبنا مرتبطة بكم. لن نتوقف حتى ينتهي الحصار ويُحقَّق العدل. نبحر لكسر الحصار ولكسر الصمت أيضاً، وإنهاء الإبادة الجماعية ولكي تتحقق فلسطين الحرة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية