
قبل أسابيع وصف مراقبون ومحللون وباحثون مشروع القانون الضريبي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أقرّه الكونغرس، بأنه "أكثر قوانين الضرائب والميزانية الأميركية تراجعاً خلال العقود الأربعة الماضية، وربما على الإطلاق". أطلق عليه ترامب اسم "مشروع القانون الكبير الجميل" الذي ألغى أيضاً صندوق خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري البالغ 27 مليار دولار، وتمويل برنامج الحد من تلوث المناخ البالغ خمسة مليارات دولار، لكنه سيكلف الإدارة 4.5 تريليونات دولار لتغطية ميزات ضريبية هائلة تُثري الشركات الكبرى والأغنياء، من خلال تخفيضات قاسية في الإنفاق العام والبرامج المخصصة للجميع، كما هاجم مباشرة العدالة البيئية والمناخية، عبر إلغاء 400 من 800 منحة.
وبالنسبة إلى سكان مجتمعات في لويزيانا، خصوصاً أولئك الذين يقطنون في الريف والأحياء الفقيرة وسط مدينة نيو أورليانز، تعتبر خسائرهم المتوقعة من مشروع قانون ترامب الضريبي شخصية جداً، فهم يعيشون في بعض المناطق الأكثر تضرراً بالولايات المتحدة، ويعانون من وطأة تلوث الوقود الأحفوري والبتروكيماويات والدمار المناخي عموماً.
ويعمل بعض هؤلاء في منظمات مجتمعية محلية صغيرة، أو يتلقون خدماتها. وسبق أن تلقت هذه المنظمات منحاً من الحكومة الفيدرالية، أو كانت تأمل في الحصول عليها لدعم العدالة البيئية والمناخية من خلال برامج أنشأها قانون خفض التضخم الذي أقرّه الكونغرس عام 2022 في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
ومن بين انتصارات المنظمات المجتمعية الصغيرة في نيو أورليانز، نجاح منظمة "مواطنو سان جون المعنيون"، في دفع مسؤولي مصنع "دينكا" الضخم للبتروكيماويات إلى اتخاذ قرار الإغلاق في مايو/ أيار الماضي، وهو ما عارض ترامب تنفيذه. وسبق أن حظيت المنظمة التي أسسها روبرت تايلور عام 2016 بدعم من الأموال الفيدرالية، ما سمح لها بتهديد قطاعي الوقود الأحفوري والبتروكيماويات وحلفائهما السياسيين في منطقة كانسر ألي بمدينة سانت جون التي تمتد على طول نهر المسيسيبي، وتعجّ بمصانع الوقود الأحفوري والبتروكيماويات التي تتركز في الأحياء السوداء، وتعاني بسبب الانبعاثات السامة في الهواء التي تتجاوز بسبعة أضعاف المعدل الوطني، من أعلى خطر للإصابة بالسرطان في البلاد.
وتحتضن سانت جون مصفاة نفط شركة "ماراثون" للبترول، وأيضاً مصنع "إيفونيك" للبتروكيماويات ومرافق أخرى. وفي عام 2018، أظهرت بيانات وكالة حماية البيئة أن 85% من تلوث الهواء السام في سانت جون يُعزى إلى منشأة واحدة فقط هي مصنع "دينكا" الذي يستخدم مادة "كلوروبرين" البتروكيمائية السامة جداً المُشتقة من الوقود الأحفوري لإنتاج "نيوبرين" الذي يستخدم في إنتاج مطاط صناعي.
أيضاً حصلت منظمة "مواطنو سانت جون المعنيون" على منحة فيدرالية بقيمة 82 ألف دولار لمدة عامين عام 2023 من مركز "ديب ساوث" للعدالة البيئية، وهو منظمة غير ربحية مقرها نيو أورليانز، ما ساعد في بناء قدرات شركاء محليين، حققوا إنجازات مهمة، لكن نجاحهم في معالجة ملفات متوطنة أخرى يتطلب توفير موارد كافية لهم. وقد ألغيت في لويزيانا وحدها أكثر من 12 منحة للعدالة البيئية بقيمة نحو 70 مليون دولار، بينها واحدة بقيمة 500 ألف دولار، قدِمت إلى منظمة "لويزيانا الشاملة" الصغيرة غير الربحية لدعم جهودهما في محاسبة الصناعة، والتخلي عن عملياتها.
وهدفت المنظمة إلى المساعدة في جعل المنازل أكثر ملاءمة للسكن في ظل أزمة المناخ، وتمويل مشروع تجريبي للعزل الحراري، وتغطية المنازل التي لا تزال مسقوفة بأغطية زرقاء بعد أربع سنوات من تدمير إعصار "إيدا" المنطقة، وخفض فواتير الطاقة، والحماية من ارتفاع درجات الحرارة، وتنظيف مواقع مكبات النفايات التي تُشكل مخاطر على الصحة والسلامة، لا سيما في أوقات الأعاصير والفيضانات.
إلى ذلك شملت انتصارات منظمة "إنكلوسيف" في منطقة كانسر ألي زعزعة أعمال مصنع "فورموزا" للبتروكيماويات، ومنع توسع شركة "كوتش إندستريز" وتنفيذ عمليات صناعية جديدة في سانت جون، لكن مسؤوليها وبينهم عدد من النساء تحولوا إلى أهداف. واستقالت الباحثة كيمبرلي تيريل، المتحالفة مع المنظمة، احتجاجاً على "تعمّد رئيس جامعة تولين تكميمها بعدما كشفت أبحاثها أضراراً لا تُحصى وعدم مساواة في صناعة الوقود الأحفوري والبتروكيماويات في لويزيانا".
وفيما يؤكد سكان أن "السياسيين يكرهون أن يفوز المحليون على صناعة البتروكيماويات في سان أورليانز، يقول ريموند سويت، منسّق شؤون المناخ في جمعية "حي هوليغروف ديكسون" التي قدّمت طلباً للحصول على منحة بقيمة 15 مليون دولار، من أجل توسيع جهودها الشعبية لتخفيف آثار تغيّر المناخ: "يتسبب تغيّر المناخ في تدهور الطرق والبنى التحتية. وفي ظل الإهمال ونقص الموارد اللازمة للإصلاحات، يُمكن حتى لهطول أمطار خفيفة أن يُضاعف الفيضانات، ليس في شوارع الأحياء فقط، بل أيضاً في الطريق السريع الذي يُعدّ أساسياً لإخلاء سكان المدينة إذا حصلت كارثة طبيعية".
وأرادت الجمعية استخدام مشاريع قائمة على الطبيعة للمساعدة في الحد من الفيضانات عبر زيادة المساحات الخضراء والتربة، وزراعة الأشجار لامتصاص المياه بشكل طبيعي، وإنشاء مسارات واضحة لتدفق المياه إلى مصارف مياه الأمطار. ويقول سويت: "هجوم ترامب والكونغرس على العدالة البيئية والمناخية استهداف لنا لأننا حققنا فوزاً تلو آخر، وهم يخسرون فقط".
