تصاعد مقلق لحالات تعاطي قُصّر المغرب المخدرات
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

كشف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في تقرير أصدره أخيراً، عن تحوّلات مقلقة في أنماط تعاطي المخدرات بالمغرب، لا سيما في أوساط الشباب والقاصرين، إذ أظهرت بيانات عام 2023 ارتفاعاً لافتاً في استهلاك المواد المخدرة بين من تقل أعمارهم عن 18 سنة، مقابل استقرار نسبي في صفوف البالغين.

وأشار التقرير إلى أن استهلاك القنب الهندي لم يعرف تغيّراً كبيراً على المستوى العام، إذ انخفض استهلاكه بشكل طفيف لدى القاصرين، وظل مستقراً لدى الفئة العمرية بين 18 و24 سنة، وما فوق 25 سنة. وشهد استهلاك الكوكايين ارتفاعاً طفيفاً بين القاصرين، في مؤشر ينذر بانتشار تدريجي لهذه المادة الخطيرة.

ومن بين أبرز ما سجله التقرير الأممي، الارتفاع الحاد في الاستخدام غير الطبي للأدوية النفسية، إذ تجاوز معدل الزيادة لدى القاصرين 10%، ويشمل ذلك المواد المهدئة والمسكنات التي تستهلك خارج الإشراف الطبي، ما يشير إلى سهولة الحصول على هذه الأدوية، أو وجود اضطرابات نفسية غير مشخصة بين الشباب. ورغم استقرار الوضع العام في شأن مخدر الهيروين، سجل التقرير زيادة تتراوح بين 5% و10% في استهلاكه بين من تقل أعمارهم عن 18 سنة، ما يزيد احتمال وقوع هذه الفئة في حالات إدمان شديد تصعب معالجتها.

وأفاد التقرير بأن 10% من مجموع حالات العلاج من الإدمان في المغرب شملت استهلاك مادة الترامادول، وكان مثيراً للانتباه التفاوت الصارخ بين الجنسين، إذ بلغت نسبة الإناث اللواتي يعالجن من إدمان الترامادول نحو 17% مقابل 9% بين الذكور.

وتطرح المعطيات التي كشفها التقرير الأممي تساؤلات حول دور منظومة الوقاية والتأطير المجتمعي. ويقول الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية الطيب حمضي لـ"العربي الجديد": "يهدد الإدمان حياة الأجيال القادمة وصحتها ورفاهها. الأطفال والشباب المغاربة أصبحوا ضحايا لإدمان المخدرات، ولأنواع أخرى مثل السجائر الإلكترونية والشيشة والشاشات والألعاب الإلكترونية".

ويشير حمضي إلى دراسة مغربية أجريت في عام 2021 حول تعاطي المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة المواد ذات التأثير النفسي خلال حياتهم، وجاء في نتائجها أن 12.5% منهم استعملوا سجائر إلكترونية، و11.4% يدخنون الشيشة، و8.5% مهدئات من دون وصفة طبية، و7.2% الكحول، و5.8% الحشيش، و2.5% الإكستاسي (نوع من المنشطات)، و1.6% الكوكايين، و0.9% الهيرويين.

ويحذر الطبيب المغربي من أن "خطورة إدمان المخدرات لدى فئة القصر تتمثل في أنه يبدأ في سن مبكرة، ما يجعل التكفل بهم أمراً صعباً، كما يفسح في المجال لأنواع أخرى من الإدمان. ويلفت إلى أن بدء الاعوجاج في سن مبكرة يؤدي إلى مضاعفات خطيرة بسبب خصوصية النمو العقلي والنفسي للقصر، فإدمانهم المخدرات يطرح إشكالات ليس للأسر والمدرسة فقط، لكن أيضاً للدولة على مستوى الصحة العامة، إذ يتطلب الأمر تدخلها على مستوى القوانين وتغييرها، وأيضاً على مستوى المدرسة وتأطير وسائل الإعلام من أجل محاربة هذه الآفة.

يقول الباحث في علم الاجتماع عبد المنعم الكزان لـ"العربي الجديد": "يكشف التقرير الأممي معطيات صادمة مثل أن أكثر من ثلث المراهقين في الأحياء الهامشية والمحيط القريب من المؤسسات التعليمية جربوا نوعاً واحداً من المواد المخدرة على الأقل، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء تحولوا إلى مروجين، وأيضاً حدوث تحوّلات في تعاطي المواد المخدرة، حيث سجل استقرار في تعاطي القنب الهندي الملفوف في التبغ، مقابل ارتفاع في المواد المخدرة الأخرى، خصوصاً الحبوب المهلوسة التي أصبحت تجتاح الإناث أيضاً".

ويلفت الكزان إلى أنه لا يمكن أن نحمّل المسؤولية لطرف دون آخر، والتحوّلات المسجلة على مستوى تعاطي القصر المغاربة المخدرات هي نتيجة أسباب عدة، من بينها الاكتظاظ المدرسي وضعف الأنشطة الموازية داخل المدارس، وغياب التوعية بخطورة تعاطي المخدرات، إلى جانب عدم المراقبة. 

ويرى أن الأسباب التي تقف وراء تصاعد تعاطي المخدرات لدى القاصرين تشمل ضعف سلطة الأسرة، سواء بسبب الطلاق أو غياب المراقبة نتيجة انشغال الزوجين في العمل، إضافة إلى غياب فضاءات التنشيط التربوي والرياضي. ويؤكد أن الوقاية من انتشار المخدرات في أوساط القصر تتطلب تشديد العقوبات على مروجي هذه السموم في فضاءات القاصرين، خصوصاً في محيط المؤسسات التعليمية، وتركيب كاميرات في المدارس، وإدماج فرق نفسية متخصصة في المدارس، والتوعية المدرسية بخطورة تعاطي المخدرات.

ويؤكد الكزان ضرورة توعية الأسر والحفاظ على المراقبة اليومية من الآباء بدلاً من الانشغال في الفضاء الرقمي، أي على الأقل استغلال فترات ما بعد العمل في مشاركة الطفل تفادياً لمشاكل الفراغ والحرمان العاطفي. ويشدد على أهمية رفع نسب البرامج الترفيهية والرياضية والتربوية التي تستهدف القاصرين في دور الشباب والمراكز الشبابية والملاعب الرياضية، وتفعيل برامج التدريب المهنية بالنسبة للمنقطعين عن الدراسة.

ويعتبر محللون وخبراء أن "انتشار المخدرات بهذه الوتيرة السريعة يهدد مستقبل المغرب، ويساهم في حدوث اضطرابات اجتماعية وينشر الجريمة، لأن المدمنين يفقدون الوعي بشكل شبه نهائي، ويصبحون قادرين على ارتكاب مختلف الجرائم، خصوصاً تلك المرتبطة بالسرقة بالنشل والعنف، والاعتداءات الجسدية، وأيضاً الانتحار. والمطلوب دائماً هو تدخل مستعجل من مختلف الجهات الأمنية لمحاصرة انتشار المخدرات وتوقيف التجار، وأيضاً لتنفيذ حملات تحسيسية بخطورة استعمال المخدرات وآثارها السيئة على صحة الإنسان وسلوكه الفردي، وأضراره على المجتمع. 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية