
ردت الحكومة الجزائرية، مساء الاثنين، على تقارير هيئات مالية دولية، تحدثت عن تباطؤ في نسبة النمو وعجز في الموازنة والميزان التجاري، وتحليلات سياسية أخرى أصدرتها أحزاب محلية، كانت تطرقت إلى ما اعتبرته فشلاً سياسياً وانسداداً في الأفق الحكومي، وشككت في قدرة الرئيس عبد المجيد تبون وحكومته على تحقيق انتقال سياسي واقتصادي حقيقي.
ونشرت وكالة الأنباء الجزائرية تقريراً يدافع عن "المنجزات السياسية والاقتصادية" التي حققتها البلاد منذ تولي تبون الرئاسة، وقال التقرير إنّ الجزائر "تسجل نسبة نمو للناتج الداخلي الخام تصل إلى 4.2%، وهو أداء أشادت به مؤسّسات مالية دولية عدّة، واعتبرته دليلاً على الصمود والقدرة على التعافي"، مشيراً إلى أن "الصادرات خارج المحروقات واصلت نموها، لتبلغ نحو 7 مليارات دولار في سابقة تاريخية تؤكد قدرة البلاد على الانتقال نحو نموذج اقتصادي جديد يخدم الأجيال القادمة".
واعتبر تقرير الوكالة الجزائرية أن "تنويع الاقتصاد والطموح التنموي، والمراهنة على مرحلة ما بعد المحروقات، تمثل أبرز تحديات عهد الرئيس تبون. ففي بلد ظلّ مرتهناً لعائدات النفط، كرست مساعي النهوض بالصناعة، وتحديث الزراعة، ودعم الصادرات خارج المحروقات إرادة واضحة لبناء اقتصاد متنوع، مدر للثروات وفرص العمل"، مشيداً بما وصفها "بحرب السكك الحديدية"، "كرمز للمعركة من أجل النهوض الصناعي"، فالانتصار فيها بحسب التقرير "يعني شقّ طريق نحو الازدهار، واقتحام أسواق جديدة، وتعزيز العمق الأفريقي، ونسج دبلوماسية ترابطية قائمة على المصالح المشتركة مع الشركاء"، إضافة إلى "اقتحام اقتصاد المعرفة عبر إنشاء مدارس وطنية متخصّصة في الذكاء الاصطناعي، مع تقديم دعم متزايد للبحث العلمي والمقاولاتية الذاتية، لإعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل التكنولوجي، ودعم الشركات الناشئة".
وبدا هذا التقرير الرسمي الجزائري، في سياق رد سريع وغير مباشر، على تقرير لصندوق النقد الدولي، الاثنين، في ختام زيارة بعثته إلى الجزائر، ذكر فيه أن النشاط الاقتصادي في الجزائر شهد حالة تراجع في عام 2024، إلى 3.6%، مقارنة بـ4.1% عام 2023، وتحدث عن وجود عجر في ميزان الحساب الجاري بسبب انخفاض إنتاج المحروقات وأسعار الغاز، على الرغم من حفاظ الجزائر على احتياطات الصرف التي بلغت 67.8 مليار دولار، بما يغطي حاجيات البلاد من الواردات لنحو 14 شهراً، مشيراً إلى اتساع العجز في الموازنة كثيراً في عام 2024، وحث التقرير الحكومة الجزائرية على إصلاحات تساهم في استعادة التوازن المالي تدريجياً وتخفيف الاحتياجات التمويلية الناتجة عن العجز الكبير، وإصلاحات في القطاعَين النقدي والمالي، وزيادة الاستثمار الخاص لتعزيز النمو وخلق فرص العمل.
وعلى المستوى السياسي، قال التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية إن الرئيس تبون "ورث بلداً دفعه الحراك الشعبي سنة 2019 إلى الاستفاقة من سبات مؤسّساتي دام سنوات"، ما دفعه -في سياق أزمة ثقة غير مسبوقة بين الحاكم والمحكوم- "إلى حل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة وتعزيز إدماج الشباب في الحياة العامة، وإعادة نسج خيوط الثقة بين الدولة ومواطنيها، واستعادة كرامة المواطن التي أهدرتها ممارسات النظام السابق"، مشيراً إلى ما اعتبرها "عودة قوية" على الساحة الدولية على الصعيد الدبلوماسي. واعتبر التقرير أن الجزائر "استعادت صوتها وهيبتها للدفاع عن العدالة واحترام القانون الدولي، وتأكيد سيادة الدول، ونصرة القضايا، إذ تؤدي الجزائر دورها كاملاً بوصفها قوة إقليمية حرّة في قراراتها ومواقفها".
ويعتقد أن يكون هذا الشق السياسي من التقرير الرسمي، رداً على تقديرات سياسية تنشرها أحزاب جزائرية معارضة، كجبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعطي تقييمات سياسية واقتصادية مضطربة لحصيلة حكم الرئيس تبون، خاصة فيما يتعلق بمسائل الحريات والإصلاحات الاقتصادية والأزمات الدبلوماسية، إذ نشر رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، قبل يومين، تقدير موقف اعتبر فيه أنّ "الحصيلة باتت واضحة اليوم، هناك تفكك المؤسّسات السياسية (البرلمان، المجالس الولائية، البلدية) وعدم قدرتها على التأثير في المجتمع، وتركيز مطلق للسلطات السياسية، والتنفيذية، والتشريعية، والقضائية، والاقتصادية والإعلامية في يد مجموعة ضيقة حول رئيس الجمهورية، وقمع ممنهج لكل أشكال المعارضة في جميع القطاعات، وغلق تام للحياة السياسية والإعلامية، وتباطؤ أو خنق الحركية الاقتصادية، وعزلة دبلوماسية حادة وتراجع للمواقف الوطنية في القضايا الاستراتيجية".
